oumelbanine guercif
عزيزي الزائر اهلا بك في اسرة منتديات oumelbanine2011هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل يتوجب عليك التسجيل لتتمكن من رؤية روابط التحميل والمساهمة في المنتدى - تفضل لتنشر ما تعرف وتساعد غيرك لنرقى بتعليمنا الى الافضل.
تفضل ولا تتردد.
oumelbanine guercif
عزيزي الزائر اهلا بك في اسرة منتديات oumelbanine2011هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل يتوجب عليك التسجيل لتتمكن من رؤية روابط التحميل والمساهمة في المنتدى - تفضل لتنشر ما تعرف وتساعد غيرك لنرقى بتعليمنا الى الافضل.
تفضل ولا تتردد.
oumelbanine guercif
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

oumelbanine guercif

تربية-إسلاميات-ترفيه-رياضة-بيئة-مجتمع-صحة-طبخ-صحف-موسوعات...
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
hafida lakhdar
عضو فعال
عضو فعال
hafida lakhdar


العمر : 33

ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد Empty
مُساهمةموضوع: ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد   ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد Emptyالأربعاء 20 يونيو 2012 - 6:31

مقدمة:
ـــ
تمثل إسـهامات «ميشيل فوكو» M.Foucault (1926-1984



) عامـلاً مهماً ومؤثرا في تطوردراسـات علم اجتماع الجســــدSociologyof the body



، ومن هنا تنطلق الدراسـةالحاليـة من قضية أســاسية وهي أن «ميشيل فوكــو» قد أسـهم إسهاماً فعالاً فيتأسيس ســـوسيولوجيا الجسد من خلال أطروحاته النظرية والمنهجية حول الجســد التيأعاد من خلالها الاهتمام بالجســــد إلى دائرة وعي العلوم الإنسانية والفلسفة، بعدأن أطاح به «ديكارت»Descartes



منذ القرن السابع عشر خارج هذه الدائرة.
ولذلك فإننا نتفق بداءة مع «تيرنر» في أن «فوكو» يعد أحد مؤسسي سوسيولوجيا الجسد،وربما المؤسس الأهم لذلك الفرع المعرفي الهام، إن أهمية «فوكو» تتحدد في أنه أعادالجسد مرة أخرى إلى قلب علم الاجتماع Brought the body back into sociology



بعد أن أطاح به «ديكارت» منذ القرن السابع عشر خارج دائرة اهتمام العلوم الإنسانيةوالفلسفة. (Turner 1992:23, 50, 94



)
ينتقد «فوكو» بشدة ذلك الإرث الديكارتي، الذي يعتبر الذات أس المعرفة «أنا أفكرإذاً أنا موجود»، وترتب على ذلك تعزيز مكانة الروح على حساب الجسد، حيث أصبحتالروح موطن التسامي والفكر ورمزه اللامتناهي، على حساب الجسد الذي أصبح نفايةللمكبوتات، ومنبت الدوافع والغرائز، وهو بهذا المعنى دنس ومأوى للألم والمرضوالرغبة والشهوة والانحراف والجريمة. لقد تعمقت القطيعة بين عالم رذيلة يمثلهالجسد، وعالم فضيلة تمثله الروح، حتى استبطن الإنسان داخله الجسد كرذيلة يجب أنيحذر غوايته وشهواته، لأن الروح هي وحدها الجديرة بالاهتمام نظراً لكونها راعيةالأسرار القدسية واللذة الحقيقية، أما الجسد فهو مجرد مثوى للذة عابرة ونزوةمنحلة، بينما الروح لا تبلى ولا تتبدد، فهي الأصل الذي لا يتعطل. (حسن المصدق2007)
إن ثنائية ديكارت تضع هوة ضخمة بين الروح (أو العقل) والجسد، تجعل للجسد وجوداًمستقلاً، ولكنه محقر وتابع، بينما تميز الروح في شكل مطلق، فهي تحت وصاية الله، إنالفكر بالنسبة لديكارت مستقل كلياً عن الجسد، إنه يتأسس على الله أيضاً، أما الجسدفهو مهيأ للحقارة، إنه حقيقة طارئة غير جديرة بالفكر. إن الإنسان لدى ديكارت هوكيان تتجاور فيه روح لا تستمد معناها إلا من الفكر، وجسد أو بالأحرى آلة جسدية،يمكن اختزالها في بنيتها العضوية فقط. (ديفيد لوبروتون 1997: 66- 67)
لقد كانت كل هذه القضايا هي نقطة انطلاق «فوكو» في تحليل الجسد، إذ بدأ أولاً في«تفكيك» هذه الثنائية وتعريتها، فأكد أن ذلك الفصل مستحيل على مستوى الواقع،تماماً كما لا يمكن الفصل بين الزمان والمكان في الفكر الإنساني من ناحية، كما أنذلك الفصل قد أفرز من ناحية أخرى ثنائيات خاطئة كالمقابلة بين المثالية والمادية،والتمييز الذي طرأ على علاقة الرجل والمرأة، والمقابلة بين حاجات الجسد وحاجاتالروح، ولذلك فإن ما يجب القطع به أنه لا تفاضل بين الروح والجسد، فهما زوجان لاينفصلان، وحاضران على الدوام في الفكر والممارسة والخطاب والوجدان. (حسن المصدق2007)
وبعد تأكيده على ذلك الترابط العضوي والعليّ بين الجسد والعقل، يضع «فوكو» الجسدفي قلب الاهتمام، ويجعل من العقل مجرد وظيفة، فالجسد هو ما يستحق الاهتمام والرصد،حيث يجب أن يعبر بكل حرية وبكل تلقائية ومن دون موانع أو قيود؛ لكي يتجلى المكبوتوتظهر الحقائق دون زيف، لذلك كله لا يرى «فوكو» فائدة ترجى من تغييبه، بل يجب أنيصبح الجسد حاضراً في اليقظة والمنام، وجذوة مستقرة في الوعي واللاوعي، كي لا يغيبالتفكير في المكبوت والمحرم والمقموع، فالانحراف والجريمة والجشع عنوان عريض لتلكالأعراض المرضية، وهي خير من يكشف قيم ثقافية زائفة اضطهدت الجسد وكبلته وعطلتطاقته ومارست عليه الحجر؛ لذلك يرى أنه من اللازم إعادة الاعتبار للجسد عبر الكشفعن المسكوت عنه، فالجسد له فكره، والفكر له جسده، ومن لا جسد له، لا فكر له، لأنالجسد حضور ووعي بالكينونة، لأنه والروح صنوان لا ينفصمان، إذ لا توجد ذات متعاليةفوق الجسد، فهو المأوى والمثوى. ليس هذا فقط، بل إن «فوكو» يؤكد أن تحقير الجسد،وإنكاره وتغييبه بمثابة حرب مدمرة للروح أيضاً، لذلك فإن حق الجسد في الوجود علامةأولى لوجود الروح وسعادتها أيضاً، ومن ثم أصبح الجسد والاحتفاء به عند «فوكو»كناية عن الوجود، وبالتالي فالاحتفاء بالجسد مجرد حق ثم إرجاعه لنصابه بعد أن تمتغييبه طويلاً. (حسن المصدق 2007)
وقد عمل «فوكو» على تقديم تحليل علمي للجسد وفق منهجيات جديدة حيث فكك الآلياتوالنظم المتعددة التي ساهمت في إخضاع الجسد، إذ أن «فوكو» ينطلق من قضية أساسية،وهي أن الجسد كان عرضة لقوى متعددة ساهمت في إخضاعه وترويضه، وهذا ما سنكشف عنهتفصيلاً الآن.

1- رؤية فوكو للجسد: حوار مع نيتشه و ميرلو - بونتي:
ــــــــــــــــــــــــــــــ
يعد «ميشيل فوكو» بحق المنظر الأهم للجسد في القرن العشرين، حيث كشف «فوكو» منخلال رؤاه ما بعد البنيوية الحضور الشامل للسلطة داخل الصياغات الخطابية Discursive formations



المتعلقة بالجسد، إنأهمية الجسد لدى فوكو تصل لدرجة أنه يصف أعماله الفكرية بأنها تشكل «تاريخ أجساد» a History of

bodies



وترصد الطريقة التييتم من خلالها استثمار الأجساد مادياً وحيوياً. (Shilling 2001: 445



)
لقد كان «فوكو» منشغلاً بفهم كيفية دخول الجسد إلى الخطاب السياسي كتمثيل للسلطة،وكيف تُمارس السلطة على الجسد، في المؤسسات المختلفة كالمدرسة والسجن والمصنعوالمستشفى، بحيث يتحول الجسد إلى كائن منضبط Regulated (Turner 2006: 42



)
إن القضية المحورية التي ينطلق منها «فوكو» هي رصد عملية تطبيع الجسد Normalization of the body



ورصد المؤسسات التي تنتج وتفصل المعرفة العلمية المتعلقة بتطويع الجسد، بالإضافةإلى اهتمامه بدراسة كيف يتم تمثيل الجسد في الممارسات المختلفة بضبط وإدارة الكيانالإنساني. (Turner 1992:52- 53



)
والحقيقة أن «فوكو» قد تأثر بداهة برؤى «نيتشه» حول الجسد، كما أن «فينومينولوجياالجسد» التي فصلها «ميرلو-بونتي» بعد الحرب العالمية الثانية كانت ماثلة في ذهنهأيضاً. (دريفوس ورابينوف 103)
ولذلك فإن الباحث يرى في هذا السياق أن رؤى «فوكو» حول الجسد كانت بمثابة حواروجدل بناءً مع أفكار كل من «نيتشه» و«ميرلو-بونتي»، ولا يعني ذلك الحوار -بداهة-أن ثمة اتفاق بينه وبينهما، بل أن نقطة الانطلاق لدى «فوكو» تتباين تبايناً حاسماًمع رؤيتهما.
يرى «فوكو» أن الأهمية التي يعطيها «نيتشه» للجسد مبررة، إلا أن «فوكو» يرى منزاوية أخرى أن «نيتشه» قد أعطى الجسد حرية تحرك كبيرة للغاية ورأى فيه رمزاًلمواجهة الحداثة والعقلانية (دريفوس ورابينوف 103)
فالجسد في رؤية «نيتشه» ليس جسداً خاضعاً وديعاً Docile



بل على العكس فهو يراهأكثر فاعلية، وسلاحاً في المعركة ضد الميتافيزيقا، وأداة الخطاب الفلسفي نحو حياةوعصر الإنسان الكامل، ووسيلة لنقد معطيات الحداثة بكل أساطيرها وقيمها ورؤاها. (Hughes 1996: 33



)
أما «فوكو» فيعتقد أن الجسد ليس مجرد كيان طبيعي، وإنما هو كيان ينتج اجتماعاً Socially produced



من خلال نظم المعرفةوالسلطة، بحث يصبح جسداً ليناُ طيعاً. (Mcnay 1999: 96



)
وثمة اختلاف واضح أيضاً بين رؤية «ميرلو-بونتي» ورؤية «فوكو» حول الجسد، فعلىالرغم من أن الاثنين ينطلقان من مقدمات مشتركة، من قبيل أنهما قد رصدا تجاهل مسألةالجسد في الفكر الفلسفي التقليدي، وأخذا موقفاً معارضاً لذلك التجاهل من خلالالتركيز على قضية الجسد في أعمالها، كما أن كليهما عارضا التصور (الأكاديمي)الغربي السائد حول الجسد، باعتباره نظاماً فسيولوجيا موضوعياً مغلقاً، وكان التحديالخاص بفلسفة كل منهما حول الجسد هو تقديم بديل لذلك التصور، وأخيراً فثمة توافقبينهما حول ذلك التصور البديل، وهو أنهما يركزان على السياق الاجتماعي- التاريخي Socio-historical



للجسد، حيث يصورانالجسد كحامل للإشارات والسلوكيات، وينبغي فهمه كتعبير عن المخزون الثقافي العام Common cultural stock



، نقول على الرغم من كلذلك إلا أن ثمة تباين واضح بينهما، يكمن بشكل أساسي في الطريقة التي طور من خلالهاكل منهما أفكاره حول الجسد. (Crossley1996: 100



)
إن «ميرلو-بونتي» يتصور الجسد ككيان حي وفاعل ناشط، وممثل للحياة النابضة، أما«فوكو» فيرى الجسد مفعولاً به Actedupon



ومنسحقاً تاريخياً وسياسياً، وممثلاً لمنهج التدوين Inscription approach



فكل الممارساتالتاريخية مدونة عليه، إن تصوري «فوكو» و«ميرلو-بونتي» للجسد يمثلان نقطتين علىطرفي نقيض، الأول يمثل السلبية Passivity



بينما يمثل الثاني الإيجابية Activity



، «فوكو» يتصور الجسدكمستقبل سلبي للقوى السياسية والتاريخية، وعرضة لتقنيات السلطة وخاضعاً لها، أما«ميرلو-بونتي» فيتبنى وضعاً مخالفاً تماماً، إنه يؤكد على الأساس الثقافي للفعل،ويؤكد على قدرة الجسد الإيجابية في استخدام وتطويع القوى الاجتماعية والسلوكيةالمقننة حوله، يعتمد الجسد على المهارات والأدوات الثقافية المتاحة أمامه، كما أنهمسئول بنفس الدرجة عن إعادة إنتاج تلك المهارات والأدوات، وأكثر من ذلك، فإن أفعالالجسد المنظمة والطبيعية هي المسئولة عن إعادة إنتاج البناء الاجتماعي والزمن. (Crossley 1996: 104



)
لقد كان «فوكو» منشغلاً على مدار تحليلاته بالكشف عما يكبل الجسد، ويقيده، لأن ذلكفي رأيه تكبيل للعقل، ففك أغلال الجسد من آليات التوجيه والنفي والترويض هو إطلاقسراح العقول من سراديب الحجر والزيف والإثارة والحاجيات المزيفة. (حسن المصدق2007)
ففي أعماله المبكرة، كان «فوكو» يدرس كيف يمكن للجسد أن يظهر في ممارسات مختلفةتساهم في ضبطه وإدارته، ففي ولادة العيادة كان مشغولاً بفهم كيف تنتج المعرفةوالممارسة الطبيعة الجسد، وكيف تطوعه داخل شبكة المؤسسات المستقرة للسلطة الطبية،وفي دراسته عن مولد السجن حلل نمو الجسد المنضبط والوديع كنتيجة للممارساتالعقابية التي اقترنت بالنظرية النفعية للألم، وفي دراسته عن تاريخ الجنس كشف عنأن بروز خطاب الجنس في القرن التاسع عشر اظهر الجنس كموضوع أو قضية مهمة، وكشف عنأن الجنس قد أضحى مادة للصراع السياسي تمارس من خلال معرفة طبية محددة. (Turner 1992: 53



)
فالجنس كمظهر من مظاهر أنشطة الجسد يشكل رهاناً سياسياً، فهو من جهة يرتبط بأشكالضبط الجسد: ترويض، تقوية، توزيع القوى، تدبير الطاقة، ومن جهة أخرى يرتبط بتنظيمالسكان مع كل ما يثيره هذا التنظيم من قضايا. (زينب المعادي 2004: 26)
إن الجسد في فكر «فوكو» إذاً واقع تحت تأثيرات قوى متعددة ومتنامية تعمل علىتطويعه، وقد كشف «فوكو» باقتدار عن هذه التأثيرات من خلال ما أبدعه من أدواتمنهجية؛ شكلت في ذاتها نقلة نوعية في منهجيات العلوم الإنسانية.

2- منهجيات فوكو في دراسة الجسد: خطاب جديد في المنهج:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعتمد «فوكو» أداتين منهجيتين في تحليل الجسد ورصد أبعاده، ابتكر إحداهما وهي«الأركيولوجيا» Archeology



واستعار الثانية من «نيتشه» وهي «الجينالوجيا» Genealogy



وتعد هاتان الأداتانمنظومة متكاملة اعتمد عليها «فوكو» في تحليل قضايا الخطاب والسلطة والمعرفة والجسدوغيرها من القضايا.
الأركيولوجيا، كما هو متعارف عليها في المعاجم هو العلم الذي يدرس الماضي البشريأساساً، ويحاول تفسيره من خلال الآثار والمعالم الحضارية المندثرة، التي يكشف عنهاالحفر والتنقيب، وعادة ما يعد ذلك العلم فرعاً من فروع التاريخ أو على الأقل وثيقالسلطة به، فالمضمون الواضح لمصطلح الأركيولوجيا يحيل إذاً إلى فكرة الحفروالتنقيب بحثاً عن أشياء وآثار قديمة، اندثرت بفعل الزمان، ولقد استخدم «فوكو»مصطلح الأركيولوجيا بمعنى مجازي، ويقصد به سبر الأعماق من أجل الكشف عن وقائع خفيةفي ميدان معين؛ لإعادة بناء حقيقة ما. (عبدالرزاق الدواي 1992: 139)
أن ثمة إلحاح واضح من جانب «فوكو» على مصطلح الأركيولوجيا في الستينات، حيثاستعمله كعنوان فرعي وتوضيحي لكتابيه ميلاد العيادة أو أركيولوجيا النظرة الطبية،والكلمات والأشياء، أو أركيولوجيا العلوم الإنسانية، كما استخدمه كعنوان رئيسيلكتابه أركيولوجيا المعرفة الصادر في عام 1969. (عبد الرزاق الدواي 1992: 139)
يرى «فوكو» أن المنهج الأركيولوجي يمكن الباحث من فصل أشكال الخطاب التي انطمرت منأجل الوصول إلى الحقائق المفصلية، والخطاب Discourse



ليس مجموعة النصوصالتي احتفظت بها حضارة ما، ولكنه مجموعة الممارسات المعرفية والسلوكية التي تنتجالمعرفة المتعلقة بالجسد، والتجربة، والظواهر المختلفة، إن المنهج الأركيولوجييكشف عن التداخل بين ما قيل في الماضي وما يمكن أن يقال عن الظواهر المختلفة. (Powell 2002: 2- 3



)
إن الباحث الأركيولوجي من وجهة نظر «فوكو» هو الذي يستطيع التوصل إلى تلك العصورالغابرة المطمورة تحت الركام عن طريق الحفر والتعرية، فخلال قرون عديدة حصل تراكملوقائع يغطي بعضها بعضاً -تماماً كما في علم الآثار- حيث نجد مدناً كاملة مطمورةتحت طبقات عميقة من التراب والرمل، إن على الباحث أن يقوم بعمل الأركيولوجي من أجلإزاحة الركام واكتشاف الطبقات العميقة للحقيقة التاريخية أو الواقع التاريخي.(هاشم صالح 1996: 10)
ويعتقد «فوكو» أن الأركيولوجيا لا تسعى إلى استكشاف مظاهر الاستمرار غير المحسوسالذي يربط بطريقة اتصالية الخطابات بما يسبقها، وبما يحيط بها، وبما يلحقها، إنهالا تترصد اللحظة التي تم فيها تكوّن الخطابات، أو حدوثها بالصورة التي هي عليها،ولا حتى اللحظة التي تفقد متانة خلقتها، وتفقد من جراء ذلك ماهيتها، فكل ذلك دراسةتاريخية مباشرة، إنما تهتم الأركيولوجيا بتحديد الخطابات في خصوصيتها، وإبراز كيفأن القواعد التي تخضع لها تلك الخطابات، لا يمكن إرجاعها إلى شيء آخر،فالأركيولوجيا تتبع تلك الخطابات من خلال مظاهرها الخارجية وصورها البرانية، بغيةالإحاطة بها بكيفية أفضل، غايتها في النهاية تحليل الفوارق والاختلافات الموجودةبين صيغ الخطاب ووجوهه. (ميشيل فوكو 1987: 128- 129)
إن الأركيولوجيا -إذا- وصف منهجي ومنظم للخطاب باعتباره موضوعاً إنها تسلم بأنخطاب المعرفة يمكن أن يدرس كظاهرة موضوعية ومستقلة، كتب في أركيولوجيا المعرفة:«لا تهدف الأركيولوجيا إلى تحديد الأفكار والتمثلات والصور والموضوعات والهواجسالتي تختفي أو تظهر في الخطاب، ولكن تحليل الخطابات نفسها باعتبارها ممارسات تخضعلقواعد» وكتب في الكلمات والأشياء موضحاً بعض معالم منهجه، «... مثل هذا التحليللا يرجع كما نرى ذلك إلى تاريخ الأفكار، ولا إلى تاريخ العلوم، إنه بالأحرى دراسةتحاول أن تهتدي وتتعرف على تلك المنطلقات التي أصبحت بفضلها المعارف والنظرياتممكنة، حسب أي فضاء تنظيمي نشأت المعرفة، وعلى أساس أي أوليات تاريخية، أمكنلأفكار معينة أن تظهر، ولعلوم أن تتأسس، ولتجارب معينة أن تنعكس في الفلسفة،ولمعقوليات أن تتكون، لكي، ربما تنحل وتتلاشى في أمد غير بعيدة. (عبدالرزاق الدواي1992: 140- 141)
يتضح بجلاء إذاً أن «فوكو» لا يخفي رفضه لأن تصنف أبحاثه وتحليلاته «الأركيولوجية»ضمن أحد فروع التاريخ، سواء تعلق الأمر بتاريخ الأفكار أو تاريخ العلوم،،فالأركيولوجيا التي يقترحها تبحث عن «الأسس» لا عن النشأة والتكون والتطور خلالالزمان، على أن لا نفهم من «الأسس» هنا البدايات الكبرى أو اللحظات التاريخيةالحاسمة التي أصبحت المعارف ابتداءً منها ممكنة، البدايات التي يبحث عنها نسبية،ولا تتجاوز فترة تاريخية معينة، إن أركيولوجيا «فوكو» بدلاً من أن تكون بحثاًوعملاً في أحد ميادين التاريخ كما يوحي بذلك أسمها، فإنها تطرح نفسها كبديل لهيقوم بالأحرى على أنقاضه، كبديل يطرح من جديد النقاش حول تاريخ الفكر ومناهجهوحدوده، ويهدف إلى تحريره من القيود التي لا تزال عالقة به، وإلى إظهار كيف أمكنلتلك القيود أن تتكون». (عبدالرزاق الدواي 1992: 141)
تمثل الأركيولوجيا إذاً منهجاً مغايراً للمنهج التاريخي التقليدي، منهجاً يهدف إلىالكشف والتنقيب عن كل صور الخطاب المتعلق بالمعرفة والسلطة والجسد، في فترة زمنيةمحددة، لا تهدف الأركيولوجيا إلى فحص تطور الخطاب في مسارات محددة، إنما تهدفبالأحرى إلى كشف الممارسات المرتبطة بالخطاب في تلك الفترة بغض النظر عن ما سبقهامن أحداث وما تلاها من نتائج.
وإذا كانت الأركيولوجيا قد كانت المفهوم الأكثر حضوراً في فكر «فوكو» خلالالستينات، فإنه شرع منذ بداية السبعينات في صياغة أداة منهجية جديدة مكملةللأركيولوجيا ومساندة لها، وهي الجينالوجيا، التي استعارها كما سبق أن ذكرنا من«نيتشه».
يعرّف «نيتشه» الجينالوجيا في كتابه: «جينالوجيا الأخلاق» Genealogy of

morals



«بأنها تتبع وتعقبمراحل نشأة وتطور القيم الميتافيزيقية، بالإحالة دائماً إلى الشروط الوجوديةوالمصلحية المنتجة لها، والفكرة الناظمة لهذا المنهج الجينالوجي هي أن جميعالظواهر عبارة عن تأويلات، ولا توجد هناك على الإطلاق أية ظاهرة في حد ذاتها».(عبد الرزاق الدواي 1992: 35)
لقد بدأ التحول نحو الجينالوجيا يظهر عند فوكو منذ كتابيه: نظام الخطاب، ونيتشهوالجينالوجيا والتاريخ اللذين صدرا في عام 1971، وأصبح أكثر بروزاً ووضوحاً فيكتابيه المراقبة والعقاب عام 1975، والجزء الأول من كتابه تاريخ الجنس عام 1976،حيث قام «فوكو» بقلب نظام الأولوية لصالح «الجينالوجيا» التي أصبحت الآن تحتلالمرتبة الأولى في سلم اهتماماته، وإن كان يؤكد أن الجينالوجيا تتكامل معالأركيولوجيا وتتمم عملها. (عبدالرزاق الدواي 1992: 158)
يصف «فوكو» الجينالوجيا بشكل عام بأنها شكل من التاريخ يفسر كيفية تشكل المعرفةوالخطاب والموضوعات دون الاضطرار إلى الرجوع إلى الذات، سواء أكانت الذات متعاليةفي علاقتها بمجال الأحداث أو ناقشة هويتها "الفارغة" عبر التاريخ. (Giddens 1995: 262



)
الملاحظ هنا بداءة أن ثمة تصور مغاير للتاريخ يقدمه «فوكو» يتأسس على فكرةالاختلاف وليس التواصل التاريخي، فالجينالوجيا تهتم بالبحث عن أصل و«نسابية» وجذرالفكرة أو الحدث، ليس طبقاً للمنهج التاريخي التقليدي الذي يتابع نشأة الظاهرةومسارها اللاحق، ولكنها تلاحق من موقع الحاضر فيما وصلت إليه الفكرة أو الحدثوتكشف التأويلات التي مرت بها والأقنعة التي تلبستها في مسارها التاريخي، أي أنالجينالوجيا ترجع من الحاضر إلى الماضي، ولا تبدأ تاريخياً من الماضي إلى الحاضرفي سياق زمني «كورنولوجي» محدد. (عبدالعزيز العبادي 1994: 55)
وإذا كان المعنى المثبت للجينالوجيا هو دراسة مراحل النشوء والتكون لغاية إثباتالأنساب والأصول، وفي ميدان تاريخ الفكر البحث عن الأصل الذي صدرت عنه فكرة ما،فإن «فوكو» يأخذ هذا المصطلح في دلالاته القصوى، ويجعله يعني أولاً وأخيراًالاقتلاع من الجذور أكثر مما يعني البحث عن حقيقة أولى أو عن هوية مفقودة: فغايةالجينالوجيا هي بالأحرى هدم وتقويض فكرة الأصل والمركز والحقيقة، فليست هناك ماهيةللأشياء...المهايا كلها مصطنعة ومحبوكة قطعة .. قطعة. (عبدالرزاق الدواي 1992:158- 159)
إن الجينالوجيا تسعى إلى كشف تميز الأحداث بعيداً عن كل غائية، بالنسبة للباحثالجينالوجي لا توجد جواهر ثابتة ولا قوانين أساسية، ولا غايات ما ورائية، تسعىالجينالوجيا إلى توضيح الانقطاعات حيثما يكون آخرون قد لاحظوا أن ثمة تطور مستمر،إنها تصف ماضي الإنسانية لكي تكشف زيف أناشيد التقدم الرسمية، إنها لا تهتم بالبحثعن العمق، وتحاول بالأحرى أن تظهر الأحداث السطحية والتفاصيل الصغيرة والانتقالاتعديمة الشأن والحدود الدقيقة. (دريفوس ورابينوف: 99)
الجينالوجيا – أو ما يسميه بالتاريخ الفعال هي مقابل للبحث عن الماهيات والجذور.إن الاعتقاد في فكرة الأصل هو أن الأشياء تخفي سراً جوهرياً سرمدياً، بيد أنالتحليل الجينالوجي يكشف فقط التفاوت والانقطاع، في الحقيقة أن الجوهر يتشكلواقعياً من أشكال غريبة غير متجانسة. (Marks 2000



: 130)
أصبح «فوكو» يؤكد الآن بأن لا شيء عميقاً وخفياً يكمن خلف المظاهر، ولا وجود لمعنىأو لحقيقة أولى يمكن الوصول إليها من خلال التأويل، فالتأويل لا يصل أبداً إلى نصأول، وإنما ينتهي إلى تأويلات أخرى لا علاقة لها بالواقع أو الأشياء، فرضت ووضعتمن قبل أناس آخرين ... على الجينالوجي إذاً أن ينسف أفكار الذات والحقيقة والمعنىوالأصل والتطور والتقدم، ويعلن الغياب الدائم للأساس والحقيقة، ليست هناك مهايا أوحقائق أو قوانين أساسية أو غايات ميتافيزيقية، هناك فقط انقطاع واتصال، بعد هذاالهدم للبداهات الراسخة، عليه أن يكشف عن لعبة صراع الإرادات: فحيثما صوب نظرةعليه أن يبحث عن مظاهر الخضوع والهيمنة والصراع، وكلما تطرق إلى سمعه حديث عنالمعنى والقيم والفضيلة، فعليه أن ينكب على تعرية أساليب السلطة والقوة.(عبدالرزاق الدواي 1992: 159)
وفي سياق تحليل الجسد وفق المنهج الجينالوجي، يؤكد «فوكو» أن الباحث الجينالوجي هوشخص يتفحص العلاقات بين السلطة والمعرفة والجسد في المجتمع الحديث، أي أن مهمةالجينالوجي ليست البحث عن معنى عميق للسلطة قائم في ما وراء سطح الحوادثوالعلاقات، وليست كشفاً لما لم يتمكن من الإعلان عن ذاته منها، وليست تحريراً لماكبتته السلطة أو قمعته، وليست إعلان حقيقة مالا يجد حقيقته في ذاته، وليست وصلاًلما انقطع من عرى وحدة الذات واستمرارية التاريخ، بل هي وصف للحدث كما يتبدى،ومتابعة لما هو كائن، هي انحياز لصوت المعركة ضد ثبوتية السلم المزعومة، إنها عملتوصيفي لتقنيات مراقبة الجسد وتطويعه، بهذا الاعتبار نستطيع أن نبين أن «ما يجمعبين أعمال فوكو حول الجزاء وأعماله حول الجنسانية، إنها العلاقة بالجسد، بتاريخه،بل أيضاً بمساره الاقتصادي-السياسي، نتيجة للتأثير الذي تمارسه عليه السلطةالسياسية بشكل عام». (عبدالعزيز العبادي 1994: 55)
وفي إطار اهتمام «فوكو» بالوثيقة أو الأرشيف ضمن منهجه الجينالوجي، يرى «فوكو» أنالوثيقة **



كما يراها ليست في النص الذي يأسرنا في بحثنا عن أكبر قدر ممكن من الموضوعيةلمقاربة موضوعات البحث، وليست الوثيقة هي التزامنا تجاه الماضي، نقدس مطلقيته لتصبحمستقبلية المستقبل، والأنموذج الموجه لآنية الحاضر، بل الوثيقة هي الجسد ذاته كماهو مأخوذ في علاقات السلطة، تحفر فيه أخاديد لا تمحى، وترسم على جدرانه بوشم عصيزواله، فتكون الجينالوجيا بذلك هي إعادة رسم الشناعات والفظا عات التي تخترقالتاريخ بعيون الراهن وأسئلة الحاضر، إن وصف الأرشيف يظهر خصوصية السلطة التيمورست والتي تمارس، لا كما يجب أن تمارس. (عبدالعزيز العبادي 1994: 56)
ويكشف «فوكو» في نهاية كتابه «نيتشه» الجينالوجيا والتاريخ «بمنظاره الجينالوجي»العلاقة بين المعرفة والجسد والسلطة والهيمنة، فيرى أن المعرفة متورطة تماماً فيالصراع الدنيء لعلاقات الهيمنة، المعرفة لا تقدم مخرجاً، بل تفاقم المخاطر التينجابهها، يقول فوكو: «قديماً كانت الديانات تطلب التضحية بجسد الإنسان، واليومتدعو المعرفة إلى إجراء التجارب على أنفسنا من أجل فاعل المعرفة، كل الميادين مباحةالآن بقوة البحث العلمي، ينجم عن ذلك أن كل شيء عالق بالقوة في شبكات المعرفة التييزداد تشابكها تعقيداً كلما تقدمت المعرفة، ونحن الآن على وشك التضحية بأجسادنا منأجل كذبتنا الكبرى: الوهم بأن المعرفة موجودة بمعزل عن السلطة». (دريفوس ورابينوف:105)
ويوظف «فوكو» أداتيه المنهجيتين المذكورتين في "الحفر والتنقيب" عنالآليات والنظم والممارسات التي ساهمت في إخضاع الجسد وتدجينه، منذ القرن السابععشر، ويسقطها كذلك على الجسد في القرن العشرين، وهذا ما تكشف عنه الفقرة التالية.

3- آليات إخضاع الجسد: ارتباط السلطة والبيولوجيا:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يعمق «فوكو» في دراساته المتعددة الإطار النظري للتعامل مع مفهوم الجسد من قلبالعلوم الإنسانية. ففي تحليله لأشكال ومظاهر السلطة في العالم العربي يستخدم الجسدككاشف ثمين لتحليل آليات السلطة في المجتمع الغربي المعاصر، ويعتبر أنه يشكل إحدىأهم الوسائط التي استخدمت لممارسة وتمرير سلطة مغلقة، ورقابة سياسية رهيفة. حيثيتحدث عن انتقال السلطة الممارسة على الأفراد مما يسميه «امتلاك حق الحياة أوالموت» حين كان الملك يملك حق التصرف في حياة رعاياه، إلى الحرص على الحياة وعلىتدبيرها، هذا الحرص تطور منذ القرن السابع عشر في شكلين أساسيين لممارسة السلطةوالرقابة على الجسد يعبر عنهما فوكو بمفهومين مركزيين هما: التشريح السياسي للجسد،والبيولوجيا السياسية للسكان. (زينب المعادي 2004: 23- 24)
والحقيقة أن عمليتي التشريح السياسي للجسد Political anatomy



والبيولوجيا السياسيةللسكان Bio-politics



تمثلان آليتين ناجعتين لإخضاع الجسد وتطويعه و«استثماره» بحيث يمكن الاستفادة منهبأكبر قدر ممكن ، يقرر فوكو في هذا الصدد: «أن التشريح السياسي للجسد، والبيولوجياالسياسية للسكان، يشكلان القطبين الأساسيين للذين يدور حولهما تنظيم وممارسة القوةعلى الجسد». (Turner 1992:10



)
تتركز الآلية الأولى –التشريح السياسي للجسد- في العمل على تدحين الجسد وترويضه منخلال زيادة قدراته الإنتاجية، إنهاك قوته، تنمية نفعه وخضوعه في آن واحد، دمجه فيأنساق رقابة صارمة سياسية واقتصادية. (زينب المعادي 2004: 24)
والحقيقة أن «فوكو» كان منشغلاً بفهم طبيعة الممارسات المصاحبة للنظام الرأسماليالتي أنتجت الجسد الوديع Docilebody



والجسد المنضبط disciplined body



والجسد المنتج Productive body



لقد تصور ظهور نمطجديد من المجتمع يسميه المجتمع الجسدي Carceral society. (Turner 1992



:10)
لقد أنهار الجسد –وفق رؤية فوكو- بفعل العديد من النظم، لقد أنهار من إيقاع العمل،وعدم الراحة، وسمم بالطعام أو «القيم» من خلال خضوعه للعادات والقوانين الأخلاقية،لقد انسحق الجسد كلياً عبر التاريخ. (Crossley 1996: 101



)
يقول «فوكو» في كتاب "المراقبة والعقاب" Discipline



& Punish



الذي صدر في عام 1975:«إن الجسد غارق مباشرة في الميدان السياسي، فعلاقات السلطة تمارس تأثيراً مباشراًعليه، إنها تستثمره، توصمه، تروضه، تعذبه، تفرض عليه أعمالا، تلزمه باستعراضات،تطلب منه إشارات ... وكل ذلك مرتبط مباشرة بالنظام الاقتصادي، لأن الجسد مفيدومنتج في ذات الآن، إنما لا يمكن تشغيل الناس بصورة فعالة ومريحة، إلا عندمايكونون قد «أسروا» في نظام إخضاعي، حيث الحاجة هي أيضاً أداة سياسية معدة ومدروسةومستخدمة بعناية. لا يصبح الجسد قوة مفيدة إلا إذا كان الجسد منتجاً خاضعاً في ذاتالوقت». (دريفوس ورابينوف: 104)
ويخلص «فوكو» في النهاية إلى قضية أساسية في هذا الصدد وهي أن الجسد يمثل المحصلةالتاريخية للعلاقة بين المعرفة والقوة والتي تنتج واقعياً أنماطاً مختلفة منالأجساد الخاضعة، وهذه الرؤية تتباين مع رؤى الفلاسفة الوجوديين والفينومينولوجيينمن أمثال سارتر وميرلو-بونتي. (Turner 1992: 94



)
أما الآلية الثانية لإخضاع الجسد –وهي ما يسميها فوكو البيولوجيا السياسية للسكان-فهي ترتبط بتنظيم الحياة البشرية بتقنيات ووسائل وأدوات علمية صارمة، لا تشملالروح فحسب، وإنما تتضمن الجسد أيضاً، حيث اعتمدت في نهاية القرن الثامن عشروبداية القرن التاسع عشر مجموعة من التدابير الإدارية والإجراءات العمليةاستعارتها السياسة من البيولوجيا والاقتصاد والرياضيات وعلم الإحصاء لتدبير مجالاتالكائن الحي من صحة وعمران وتعليم، تعدتها بعد ذلك لضبط المجال العام والخاصبالإنسان من زواج ومواليد ووفيات وتحديد النسل، وتدابير الإنقاذ والإسعاف في حالةالأوبئة والكوارث الطبيعية. (حسن المصدق 2007)
لقد تجلت تقنية السيطرة على الجسد وإخضاعه في عصر التنوير في تنظيم الرقابة علىالحياة عبر ضبط الجسد وتنظيم السكان وتميزت بأنها ذات بعد بيولوجي-تشريحي، فلميُعد القتل مهماً بالنسبة للسلطة السياسية، بل المهم هو استثمار الحياة من خلالاستثمار الجسد، إدارته، تدبيره، ويعتبر «فوكو» أن السلطة على الجسد كانت من أهمالعناصر في نمو الرأسمالية الذي لم يكن ليتحقق إلا بالدمج المضبوط والمراقب للجسدفي جهاز الإنتاج، وبواسطة تكييف الظواهر السكانية مع التغيرات الاقتصادية. (زينبالمعادي 2004: 24- 25)
وإذا كانت الأجهزة الكبرى للدولة كمؤسسات سلطة قد ضمنت تثبيت علاقات الإنتاج، فإنالبيولوجيا السياسية والتشريح السياسي أيضاً –كتقنيتي سلطة - حاضرتان على كلمستويات الجسد الاجتماعي، ومستخدمتان من جانب مؤسسات مختلفة كالأسرة والجيشوالمدرسة والشرطة والطب والسجون، قد أثرتا على مستوى العمليات الاقتصادية، كما تماستعمالها كعوامل لتبرير التمييز والتراتبية الاجتماعية، وبالتالي لتبرير علاقاتالهيمنة، لقد كان تكييف تراكم البشر مع تراكم رأس المال، وتكييف نمو الجماعاتالإنسانية مع توسع قوى الإنتاج والتوزيع اللامتساوي للأرباح ممكناً بفضل ممارسة مايسميه «فوكو» السلطة البيولوجية في أشكالها المتنوعة، فاستثمار الجسد الحي وتدبيرقواه ومنحه قيمة أشياء ضرورية لا غنى عنها لنمو واستمرار النظام الرأسمالي. (زينبالمعادي 2004: 25)
لقد تبين للحكومات في نهاية القرن السابع عشرو بداية القرن الثامن عشر، أنها ليستمعنية «بالشعب» أو«بالرعية» بل مهتمة «بظاهرات» محدودة قطاعياً هي الظاهراتالسكانية كالصحة والولادة والتغذية والسكن Habitation



والاهتمام بالمكان؛لأن الجسد ذاته بالنسبة لها مكان، فالسلطة البيولوجية هي الشكل الذي حاولت بهالحكومات منذ القرن الثامن عشر عقلنة المشكلات التي تطرحها ظواهر خاصة بمجموعة من«الأحياء» الذين تشكلوا كسكان على الحكومة، كالعافية، وقواعد الصحة، ومعدل الأعماروالأنساب ... إلخ». (عبدالعزيز العبادي 1994: 56)
وقد كشف «فوكو» في كتابه إرادة المعرفة أنه يريد توضيح الكيفية التي ترتسم بهاأجهزة الدولة على الجسد، وعلى وظائفه البيولوجية وعملياته النفسية، فثمة ارتباطبين التاريخي والبيولوجي، وثمة تعقد يتصاعد باستمرار مع تطور التقنيات الحديثةللسلطة التي تتخذ الحياة كهدف لها: يقول فوكو: «لا يتعلق الأمر بتاريخ للعقليات لنيهتم بالأجساد إلا حسب الطريقة التي ندركها بها أو نعطيها به دلالة ومعنى، ولكنالأمر ينبغي أن يتعلق بتاريخ للأجساد يهتم بالطريقة التي استثمر بها ما هو أكثرمادية وأكثر حيوية فيها». (زينب المعادي 2004: 26)
ويوضح «فوكو» أن ممارسة السياسة الحيوية لا تزال مستمرة في المجتمعات المعاصرة،فالدولة الحديثة تهتم بصورة متزايدة بتنظيم الأجساد الإنسانية من خلال التشريعاتالطبية التي تعني بقضايا كالإجهاض، رعاية الأطفال، الاهتمام بالإيدز كوباء حديث،والتشريعات المتعلقة بحقوق المواطنة فيما يخص التغيرات النوعية sex changes



والعلاقات المثليةوغيرها. إن عملية «تسييس» Politicization



الجسد تعيد التأكيد على العلاقة المعقدة بين المواطنة والجسد والنوع Gender



وقد كانت هذه التغيراتالهائلة في سياسات الجنس إحدى العمليات الهامة التي أسهمت في الظهور المعاصر للجسدفي النظرية الاجتماعية. (Turner1992: 46



)
والحقيقة أن برامج تنظيم الأسرة التي تروج لها حكومـات العالم الثالث تمثل نموذجاًبيناً (وخاطئا) للبيولوجيا السياسية للسكان، حيث تختزل الحكومات مشــكلات الفقروالبطالة والمرض وغيرها في زيادة معدل المواليد (وهي بهذا المعنى تعيد إنتاجالنظرية المالتســـية التي ثبت زيفها وعنصريتها) وتحاول الحكومات بأســاليب سطحيةالحد من الزيادة السكانية، دون الالتفات إلى تنمية قدرات هؤلاء السكان وتحويلهمإلى قوى إنتاجية فعالة، بحيث يصبح الســـكان عاملاً للتنمية، وليس معوقاً لها.واللافت للنظر في هذا الإطار أنه حتى مع التعامل السـطحي للمشكلة، فإن معالجتهاإعلامياً تتم بشكل قاصر لا يتغلغل إلى أعماق البنية الثقافية بما تحتويه من قيمومعتقدات ورؤى متباينة للعالم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الهابيتوسفي سوسيولوجيا بورديو
» سوسيولوجيا المغرب الدراسات الانجلوساكسونية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
oumelbanine guercif :: قسم التربية والتعليم :: منتدى التعليم العالي والبحث العلمي-
انتقل الى: