أنزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم، بوساطة الوحي، فما المقصود بالوحي؟ وما أنواعه؟
معنى الوحي:
لغة: هو الإعلام السريع، الذي يتم في خفاء. قال الراغب:" أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمن أمر السرعة قيل: أمرٌ وَحْيٌ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة من الجوارح، وبالكتابة..(1)
وقد استخدمت كلمة(الوحي) في القرآن الكريم للدلالة على معاني متعددة، منها:
1- الإلهام الغريزي، كما في قوله تعالى:{وأوحى ربك إلى النحل..} [سورةالنحل/68].
2- إلهام الخواطر بما يلقيه الله سبحانه في روع الإنسان السليم الفطرة، كما في قوله تعالى:{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه..} [سورة القصص/7].
3- وسوسة الشيطان، كما في قوله تعالى:{ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم..} [سورة الأنعام/121].
واصطلاحاً: أن يُعلِم الله- سبحانه- رسله وأنبياءَه بما يريد، إعلاماً يتم في سرعة وخفاء. أو أن يُعلِمَ الله سبحانه من يصطفيه من عباده، ما أراد من هداية، بطريقة خفية سريعة.
وجاء في كتاب الوحي المحمدي:" الوحي عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله، بوساطة أو بغير وساطة"(2).
أنواع الوحي:
الوحي إما أن يكون بغير وساطة، وإما أن يكون بوساطة، فالوحي الذي يتم بغير وساطة قسمان، هما:
1- الرؤيا الصالحة: وذلك بأن يرى النبي في منامه رؤيا، كرؤيا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين رأى في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، وفي الصباح قام ليطبق ما رآه في المنام، وانتهى الأمر بأن فدى الله سبحانه إسماعيل عليه الصلاة والسلام، بكبش عظيم.
وكرؤيا سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، حين رأى في منامه أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين، وقص الرؤيا على أبيه يعقوب عليه الصلاة والسلام، وقد تحققت تلك الرؤيا بعد مدة، فكانت الشمس والقمر رمزاً لأبويه، والكواكب رمزاً لإخوته.
2- التكليم من وراء حجاب، وذلك بأن يكلم الله سبحانه وتعالى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ولكن من وراء حجاب، بحيث يسمع النبي الكلام، ويوقن أن الذي يكلمه هو الله سبحانه. وقد حصل هذا لسيدنا موسى عليه السلام. قال تعالى: {وكلّم الله موسى تكليماً} [النساء: 164]. كما حصل لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج، حيث كلّمه الله سبحانه من وراء حجاب.
والوحي الذي يتم بوساطة قسمان أيضاً، هما:
أولاً: أن ينْزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمع له صوتاً مثل صلصلة الجرس. ففي الحديث عن الحارث بن هشام رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول"(3).
ثانياً: أن يتمثل الوحي على صورة رجل، فيكلم الرسول صلى الله عليه وسلم، فيحفظ ذلك الكلامَ، ويعلمه لأصحابه. وقد يكون الصحابة حاضرين، ولكنهم لا يشعرون أن هذا الرجل الذي يكلم النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل عليه السلام، ومن أمثلة ذلك الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:"بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثرُ السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم قال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام... وفي آخر الحديث قال عمر: ثم انطلق الرجل، فلبثتُ ملياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلِّمُكم دينكم".
أما النفث في الروع الذي ورد في قول الرسول:" إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب"(4). فهو لا يدل على نوع خاص من أنواع الوحي، بل قد يرجع إلى إحدى الحالتين؛ فقد يتمثل الوحي رجلاً فينفث في روع الرسول، وقد يأتيه مثل صلصلة الجرس فينفث في روعه(5).
--------------
الهوامش :
(1) انظر: المفردات في غريب القرآن/ الراغب الأصفهاني ص530. ط3 دار
المعرفة –بيروت سنة 1422هـ = 2001م. تحقيق: محمد خليل عيناتي.
(2) انظر: الوحي المحمدي/ محمد رشيد رضا ص35 وإتقان البرهان ص 62ومباحث في
علوم القرآن ص29.
(3) انظر: صحيح البخاري 1/4. وسنن الترمذي 5/558.
(4) انظر: حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني.
(5) انظر: مباحث في علوم القرآن ص37-38.