هنري برغسون ... فيلسوف الحركة وديمومة الفكر
------------------------------------------------------------
تحتفي حاليا الاوساط الفكرية الفرنسية بفيلسوفها الكبير هنري برغسون (1859-1941) في محاولة منها لاعادة قراءة واستكشاف اعمال هذا الفيلسوف المرتكزة اساسا على نقطة جوهرية الا وهي : الفكر والمتحرك والتي اعتبرت نوعا من انقلاب او ثورة فلسفية.
هذا الفيلسوف الذي حظي ابان حياته بشهرة منقطعة النظير لم تتوافر لاي فيلسوف من قبل حتى صارت فلسفته بدعاً واسعة الانتشار في فرنسا توثر في دوائر مختلفة : فلسفية ودينية وادبية حدث له العكس تماما بعد وفاته اذ حدث انصراف تام او شبه تام عن فلسفته حتى صارت تقبع في ظلال النسيان ابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم خصوصا وقد اكتسحتها الوجودية تماما .
على انه لا بد ان نذكر من اسباب هذه الشهرة الهائلة لبرغسون ومؤلفاته اثناء تلك الفترة اسلوبه الرائع في الفرنسية مما جعله يعد من كبار كتاب هذه اللغة ومن اجل هذا الاسلوب خصوصا منح جائزة نوبل في الآداب فأسلوبه يتسم بالطلاوة والموسيقى وبتوافر الصور ا لشعرية والتشبيهات الموفقة مما يجعل لقراءة كتبه متعة تعادل الاعمال الادبية العظمى , هذا مع الدقة في التعبير الفلسفي وجمال اسلوبه هذا كان من اهداف خصومه في هجومهم عليه : اذ اتهموه بعدم التحديد, وضباب العبارة وعدم وضوح الفكرة لكن برغسون دافع عن اسلوبه هذا باضطراره الى التعبير عن امور جديدة كل الجدة لم تألف معانيها اللغة الموروثة, بالصور والتشبيهات وباعطاء الالفاظ الموروثة معاني جديدة غير مألوفة في اللغة الفلسفية والعلمية والتقليدية ويرجع هذا الى طبيعة مذهبه القائم على التغير الدائم والحركة المستمرة وعدم ثبات اي شيء ونفوذ المدة في كل موجود بحيث يصعب بل يستحيل ادخاله في الاطارات الثابتة للغة من طبيعتها التثبيت والسكون .
كذلك يلاحظ انه لم يلجأ ابدا الى اختراع كلمات جديدة للتعبير عن افكاره الجديدة هذه لكنه كان يرى ان (الفلسفة في اعلى تحليلاتها وتركيباتها ملزمة بأن تتكلم اللغة التي يتكلم بها الناس) والى جمال اسلوبه في الكتابة كان محاضرا جذابا من الطراز الاول ولهذا كان يؤم محاضراته في ( الكوليج دي فرانس)حشد هائل من الناس لم يشهد هذا المعهد مثيلا له عند اي استاذ , حشدا سحرته الكلمة اكثر مما جذبته الافكار بل ربما كان 99% من هذا الحشد لا يفهم شيئا في الفلسفة بعامة.. من مؤلفاته : ( محاولة في الوقائع المباشرة للوجدان ) . ( المادة والذاكرة) ,( التطور الخلاق), ( الفكر والمتحرك)...
فلسفة الحياة عند برغسون فيها التطبيق الاكثر منطقية وتنظيما لعيانه للمدة الخالقة ويتساءل عن معنى الحياة فيقول
بالنسبة الى الوجود الواعي : ان يوجد هو ان يتغير , وان يتغير هو ان ينضج, وان ينضج هو ان يخلق نفسه باستمرار ) ( التطور الخالق) . ان الكون يعاني المدة والمدة معناها الاختراع وخلق الاشكال والصنع المستمر لما هو جديد على وجه الاطلاق والمدة تقدم مستمر من الماضي الذي يعرض المستقبل وينتفخ وهو يتقدم .
(ان استمرار التغير والاحتفاظ بالماضي في الحاضر والمدة الحقة: هذه الصفات المشتركة بين الشعور والكائن الحي) . ( ان الحياة تلوح كتيار يمضي من جرثومة الى اخرى عن طريق كائن عضوي متطور ).
ويتحدث برغسون عن خصائص الحياة النفسية وكيف تتحقق في الحياة النامية فالكائن الحي ليس مجرد مركب من ( عناصر سابقة) الحياة شيء غير العناصر وشيء اكثر من العناصر ان الكائن الحي ( يدوم ) ديمومة حقة اذ انه يؤكد وينمو ويهرم ويموت وهذه ظواهر خاصة به لا تبدو بأي حال في المادة البحتة وليست الانواع الحية ناشئة من اصول متجانسة نمت وتحولت بتأثير القوى الفيزيائية والكيميائية بطريقة الصدفة العمياء .
ويفسر برغسون النمو والتطور بالقول: ان كل نوع من الانواع الحية قد صدر دفعة واحدة عن ( نزوة حية ) من وجدان شبيه بوجداننا واعلى منه فهو في النبات سبات وجمود وفي الحيوان غريزة وفي الانسان عقل وهذه طبقات مختلفة بالطبيعة لا بالدرجة فقط اما المادة فقد نشأت من وهن التيار الحيوي او توقفه فما هي ا لا شيء نفسي تجمد وتمدد ويعطي برغسون تشبيها هو الاتي عن نشوء المادة
ان الماء عندما يخرج من النافورة يرتفع خطا كثيفا , ثم يهبط على شكل مروحة فتنفصل نقط الماء المتراصة فتتباعد وتتساقط في مساحة اوسع )كذلك المادة فهي شيء نفسي متراخ صار متجانسا وهي امكانية محضة وحدا ادنى من الوجود والفعل والعالم اجمع ديمومة اي اختراع وتجديد وخلق وتقدم متصل .
ويتناول برغسون بعض الافكار السياسية الرئيسية. فنراه يشيد بالديمقراطية لانها من بين كل النظم السياسية هي التي تعلو - في مقاصدها على الاقل- على ظروف المجتمع المغلق . ويرى ان السلام محاولة لتجاوز حالة الطبيعة الموجودة في المجتمع المغلق اذ الاصل في الحروب هو الملكية سواء اكانت فردية ام جماعية.
ويشيد هاهنا , بقيام ( عصبة الامم ) لكنه يرى ان منظمة دولية تهدف الى القضاء على الحروب يجب ان تعمل للقضاء على الاسباب المؤدية للحروب تلك الاسباب هي تضخم السكان وعدم توزيع الثروة توزيعا عادلا.
يعتبر هنري برغسون من اكبر الفلاسفة في العصر الحديث ولعله اكبر فيلسوف على الاطلاق في النصف الاول من القرن الماضي كان نفوذه واسعا وعميقا فقد اذاع لونا من التفكير واسلوبا من التعبير تركا بصماتهما على مجمل النتاج الفكري في مرحلة الخمسينيات ولقد حاول ان ينفذ ( القيم) التي اطاحها المذهب المادي , ويؤكد ايمانا لا يتزعزع بـ( الروح ) .
*****************************************
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]*****************************************