النفحات الإلهية في العشر الأواخر
نحن في شهر كثيرٌ خيره، عظيم بره، جزيلةُ بركته، تعددت مدائحه في كتاب الله – تعالى – وفي أحاديث رسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، والشهر شهر القرآن والخير، وشهر عودة الناس إلى ربهم في مظهر إيماني فريد، لا نظير له ولا مثيل.
وقد خص هذا الشهر العظيم بمزية ليست لغيره من الشهور، وهي أيام عشرة مباركة هنّ العشر الأواخر التي يمن الله – تعالى – بها على عباده بالعتق من النار، وها نحن الآن في هذه الأيام المباركات؛ فحق لنا أن نستغلها أحسن إستغلال، وهذا عن طريق ما يلي:
- الإعتكاف في أي مسجد من المساجد، فالإعتكاف له أهمية كبرى في انجماع المرء على ربه والكف عن كثير من المشاغل التي لا تكاد تنتهي، فمتى اعتكف المرء انكف عن كثير من مشاغله، وهذا مشاهد معروف.
- إحياء الليل كله أو أكثره بالصلاة والذكر، فالنبي (ص) كان إذا دخلت العشر؛ أيقظ أهله وأحيا ليله وشد المئزر، كناية عن عدم قربانه النساء (ص)، وإحياء الليل فرصة كبيرة لمن كان مشغولاً في شؤون حياته، وأكثر الناس – كذلك – لا يتمكن من قيام الليل، ولا يستطيعه، فلا أقل من الإجتهاد في العشر الأواخر بالقيام وإحياء الليل، والعجيب أن بعض الصالحين ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، بمعنى أنّه لو عبَدَ المرءُ ربَّه 84 سنة مُجدّاً مواصلاً؛ فإصابة ليلة القدر خير من عبادة تلك السنوات الطوال، فما أعظم هذا الفضل الإلهي الذي مَن حرمه حُرم خيراً كثيراً، والمفرط فيه قد فرط في شيء عظيم، وقد اتفقت كلمة أكثر علماء المسلمين أنّ هذه الليلة في الوتر من العشر الأواخر.
- الإكثار من قراءة القرآن وتدبره وتفهمه، والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى، فهذه الأيام محل ذلك ولا شك.
- والعجب أنّه مع هذا الفضل العظيم والأجر الكريم يعمد الناس إلى قضاء إجازتهم التي توافق العشر الأواخر في الخارج؛ فيُحرمون من خير كثير، وليت شعري ما الذي سيصنعونه في الخارج إلا قضاء الأوقات في النَّزَه والترويح في وقت ليس للترويح فيه نصيب، بل هو خالص للعبادة والنسك، فوالله كم يفوتهم بسبب سوء تصرفهم وضعف رأيهم في صنعهم، فالعاقل من وجه قدراته وأوقاته للإستفادة القصوى من أيام السعد هذه.
- ولا ينبغي أن ننسى في هذه العشر أن لنا إخواناً في خنادق الجهاد والعدو قد أحاط بهم وتربص، ونزلت بهم نوازل عظيمة، فلا ينبغي أن ننساهم ولو بدعاء خالص صادر من قلب مقبل على الله تعالى، وصدقة نكون نحن أول من يغنم أجرها، ولا ننسى كذلك الفقراء والمساكين خاصة وأنّ العيد مقبل عليهم.
أسأل الله تعالى التوفيق في هذه العشر، وحسن إستغلال الأوقات، والتجاوز عن السيِّئات، وإقالة العثرات، إنّه ولي ذلك والقادر عليه، وصل اللّهمّ وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.