تم التركيز في الآونة الأخيرة - بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين – على ضرورة تنشيط الحياة المدرسية وتفعيل أدوارها ابتداء من الموسم الدراسي 2003/2004 كما تنص على ذلك المذكرة الوزارية رقم87 المؤرخة بـــ 10 يوليوز 2003، لتتمكن من تجاوز وظيفتها التقليدية المحصورة في تقديم المعرفةالنظرية الجاهزة، و استبدال إدارتها التربوية المنغلقة على نفسها الساعيةإلى تنفيذ التعليمات الرسمية دون إشراك جهات أخرى بإدارة أكثر ديمقراطيةوانفتاحا.
أما المدرسة التي ينشدها الميثاق الوطني فتتسم بالحياةوالإبداع والمساهمة الجماعية في تحمل المسؤولية تسييرا وتدبيرا، كما أنهامدرسة المواطنة الصالحة والديمقراطية وحقوق الإنسان، يشعر فيها المتعلم بسعادة التلمذة من خلال المشاركة الفعالة في أنشطتها مع باقي المتدخلين التربويين وشركاء المؤسسة:الداخليين والخارجيين.
مما لاشك فيه أن الحياة المدرسية في حاجة ماسة إلى مساهمةكل الأطراف المعنية بالتربية والتكوين لتفعيلها وتنشيطها ماديا ومعنوياقصد خلق مدرسة حديثة مفعمة بالحياة، قادرة على تكوين إنسان يواجه التحديات لاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية. إذاً، ما مفهوم الحياةالمدرسية؟ وما هي مقوماتها؟ وماهي غاياتها وأهدافها الأساسية؟ ومن هم المتدخلون في تفعيل وتنشيط الحياة المدرسية؟ وإلى أي حد يمكن أن تساهم الفعاليات التربوية في تفعيل الحياة المدرسية وتنشيطها؟ وماهي المشاريع التي ينبغي أن تنصب عليها الحياة المدرسية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تسعفناآلية الحياة المدرسية في تحقيق الجودة؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا
1- شـــرح المفاهيـــــــــــم:
قبل الدخول في تحليل الموضوع واستقراء معطياته وتفسيرجوانبه وأبعاده، لابد من الوقوف بدقة عند المصطلحات والمفاهيم التي يتناولها عنوان الموضوع، وهي: تفعيل - تنشيط - الحياة المدرسية.
أ- التفعيــــــل:
إن الهدف الذي تسعى إليه كل المجتمعات، وخاصة المجتمع المغربي، أن تكون المدرسة فعالة وفاعلة. أي تكون إيجابية وذلك بتغييرالواقع والسير به نحو آفاق رحبة مفعمة بالتنمية والتقدم والنهضة الحقيقية. ولن يتم هذا الهدف الإيجابي إلا إذا كان هناك تفعيل حقيقي للحياةالمدرسية. والتفعيل مصدر فعّل، ويدل التضعيف على الحركة والنشاط والممارسةالميدانية والخلق والإبداع. ويعني هذا أن التفعيل هو جعل المدرسة مؤسسةفاعلة ومبدعة وخلاقة ومبتكرة، وألا تكتفي بالتلقين والتعليم، بل لابد من الابتكار والإنتاج. و هذا التفعيل قد يكون خارجيا أو داخليا ذاتيا، فيتم تفعيل المدرسة خارجيا من خلال المشاركة والتعاون بين المؤسسة وشركائهاالاقتصاديين والاجتماعيين وكافة المجتمع المدني. فالتفعيل هنا يكون بمعنىالتغيير والتحريك الإيجابي عن طريق خلق شراكات ومشاريع مع المؤسسة وتحفيزالمبادرة الفردية أو الجماعية لتنشيط المدرسة وتفعيلها إيجابيا. وقد يكون هذا التفعيل ذاتيا من قبل المتعلم في علاقته مع الإطار التربوي أو الإداري أو زميله المتعلم داخل فضاء المدرسة.
وهكذا، يحيلنا التفعيل على التغيير والحركية والتفاعل الدينامي والبناء والنماء والممارسة والخلق والإبداع والتنشيط والمساعدةوالتعاون الجماعي. كما يحيلنا التفعيل على إخراج الحياة المدرسية من السكونية والروتين ورتابة الحياة المغلقة إلى الحركية ودينامكية الفعل التربوي وتنشيطه إيجابيا. هذا عن مفهوم التفعيل، فماذا عن مفهومي التنشيطوالحياة المدرسية؟ هذا ما سنعرفه في الأسطر الموالية.
ب- التـــنــشيـــــط:
يراد بالتنشيط ذلك الفعل الإيجابي الذي يساهم في تحريك المتعلم وتحرير طاقته الذهنية والوجدانية والحركية، والمساهمة كذلك في تفتيق المواهب والقدرات المضمرة أو الظاهرة الموجودة لدى المتعلم تعويضاوتحررا. أما النشاط فهو في معناه العام:" مايصرف من طاقة عقلية أوبيولوجية. وفي علم النفس هو عملية عقلية أو حركة تصدر تلقائيا عن الكائن الحي. وغالبا ما يكون فعل التنشيط موجها في مجالات عديدة، مثل المسؤوليةذات الطابع التربوي التي تجري على هامش العمل المدرسي أو تأتي مكملة له بهدف الحرص على أن يتمتع التلميذ في هذا العمل بحرية كبيرة في الاختياروالمبادرة. وقد تحيلنا على المنشط (animateur)، فهو الذي يضفي الحيوية علىكل تجمع نشاط تعاوني، يثير المبادرات ويكون حاضرا لا مهيمنا."
]
[1إذاً، فالنشاط هو " كل عملية تلقائية سواء أكانت عقلية أم بيولوجية متوقفة على استخدام طاقة الكائن الحي الانفعالية والعقليةوالحركية. وهو كذلك مجموعة من الأنماط السلوكية الحركية أو المعرفية. يتأسس ويتوقف على استعمال الطاقة الجسمية أو الوجدانية أو العقلية كدوافع داخلية لخصوصية هذا النشاط في هذا الاتجاه أوذاك. كما أن النشاط باعتباره أداء عمليا أو فكريا لايمكن اعتباره صادرا عن التلقائية بمفهوم المصادفةالعشوائية أو بمفهوم ميكانيكية وتراتبية الاستجابة والمثير لدى الاتجاه السلوكي .
". [2]ويقصد بالتنشيط عادة تلك" الأنشطة الثقافية والاجتماعيةوالثقافية والرياضية المختلفة التي يمارسها الإنسان بكيفية حرة وتطوعيةخارج أوقات العمل المعتادة مع جماعة معينة من أمثاله، وبتوجيه من شخص يكونفي الغالب متخصصا بالتنشيط، يشرف على هذه الأنشطة ويسهر على تنفيذها قصدتحقيق أهداف تربوية واجتماعية وأخلاقية".
- [3]ويتفرع عن التنشيط مكونات ضرورية كالمنشط- بالكسر- والمنشط – بالفتح- (أي المتعلم)، وفعل التنشيط، والنشاط (نتيجة التنشيط
ج- الحيـــــاة المدرسية:
من المعروف أن المدرسة مؤسسة اجتماعية وتربوية صغرى ضمن المجتمع الأكبر. ويقوم بتربية النشء وتأهيلهم ودمجهم في المجتمع لتكييفهممعه. أي إن المدرسة حسب إميل دوركايم ذات وظيفة سوسيولوجية وتربوية هامة،أي إنها فضاء يقوم بالرعاية والتربية والتنشئة الاجتماعية وتكوين المواطنالصالح. ومن ثم فالمدرسة "هي المكان أو المؤسسة المخصصة للتعليم، تنهضبدور تربوي لايقل خطورة عن دورها التعليمي، إنها أداة تواصل نشيطة تصلالماضي بالحاضر والمستقبل، فهي التي تنقل للأجيال الجديدة تجارب ومعارفالآخرين والمعايير والقيم التي تبنوها، وكذا مختلف الاختيارات التي ركزواوحافظوا عليها، بل وأقاموا عليها مجتمعهم الحالي…
." [4]إذاً، فالمدرسة فضاء تربوي وتعليمي، وأداة للحفاظ على الهوية والتراثونقله من جيل إلى آخر، وأس من أسس التنمية والتطور وتقدم المجتمعاتالإنسانية. بيد أن المدرسة لها أدوار فنية وجمالية وتنشيطية أخرى إذ" تتحمل مسؤولية إعطاء التلاميذ فرصة ممارسة خبراتهم التخييلية وألعابهمالابتكارية التي تعتبر الأساس لحياة طبيعية يتمتعون فيها بالخبرةوالحساسية الفنية .
". [5] وهكذا يتبين لنا أن للمدرسة وظيفة تعليمية وتربوية وتنشيطية. لكن ماهي الحياة المدرسية؟
يقصد بالحياة المدرسية la vie scolaire-]]Vitali Christian: la vie scolaire, Hachette. Nouvelles approches, 1997 [6]
ويمكن النظر إلى الحياة المدرسية من زاويتين متكاملتينومتميزتين عن الحياة العامة للمتعلم التي يعيشها في مؤسسات خارجية موازيةللمدرسة.
أولا، الحياة المدرسية" باعتبارها مناخا وظيفيا مندمجافي مكونات العمل المدرسي يستوجب عناية خاصة ضمانا لتوفير مناخ سليموإيجابي يساعد المتعلمين على التعلم واكتساب قيم وسلوكيات بناءة. وتتشكلهذه الحياة من مجموع العوامل الزمانية والمكانية، والتنظيمية، والعلائقية،والتواصلية، والثقافية، والتنشيطية المكونة للخدمات التكوينية والتعليميةالتي تقدمها المؤسسة للتلاميذ .
". [7]وثانيا، الحياة المدرسية" باعتبارها حياة اعتياديةيومية للمتعلمين يعيشونها أفرادا وجماعات داخل نسق عام منظم، ويتمثل جوهرهذه الحياة المعيشية داخل الفضاءات المدرسية في الكيفية التي يحيون بهاتجاربهم المدرسية، وإحساسهم الذاتي بواقع أجوائها النفسية والعاطفية". [8]
لكن المفهوم الحقيقي للحياة المدرسية هي تلك الحياة التيتسعد التلميذ وتضمن له حقوقه وواجباته وتجعله مواطنا صالحا. أي إن الحياةالمدرسية هي مؤسسة المواطنة والديمقراطية والحداثة والاندماج الاجتماعيوالابتعاد عن الانعزال والتطرف والانحراف وكل الظواهر السلبية الأخرى. وبصيغة أخرى، إن الحياة المدرسية هي التي "تسعى إلى توفير مناخ تعليمي/ تعلمي قائم على مبادئ المساواة والديمقراطية والمواطنة"، وهذه المبادئ تعدتعبيرا أمينا عن حقوق الإنسان وصون كرامته واحترام إنسانيته. وإذا كان مفهوم الحياة المدرسية يعنى مجموعة من التفاعلات، فإن معياره هو التمثيل العام لكل الفاعلين داخل كل مراحل التعليم.
وتتحدد جوانب الحياة المدرسية في إزالة المعوقات الماديةوالمعنوية التي تحول بين المتعلمين والتعليم، وتوفير أحسن الظروف الميسرة للتعليم، وقيام العملية التعليمية على أساس مشاركة كل الأطراف، وتقديمالخدمات التعليمية بصرف النظر عن أي اعتبارات خارجية، وتحقيق المساواة بين مختلف المناطق والجهات والبنيات المحلية"
.
[9]إذاً، فالحياة المدرسية سمة الحداثة والجودة والانفتاح والتواصل والشراكة والإبداع والخلق. يشارك فيها كل المتدخلين والفاعلين سواء أكانوا ينتمون إلى النسق التربوي أم نسق خارج المحيط السوسيو اقتصادي أو الإداري. كما أن إطار الحياة المدرسية هو"إطار ديمقراطية الحوار بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، وحرية التعبير والمشاركة في صنع القراروتحمل المسؤوليات. أما المجال، فهو مجال التطور والسعي الحثيث نحوالمشاركة في تأسيس أبعاد مجتمعية حداثية تضع من بين أهدافها تنمية قدرات الإنسان، وتشدد على المفاهيم والقيم القادرة على ترسيخ إرادة المواطنين وكفاياتهم على صناعة حاضرهم ومستقبلهم بالعلم والفكر المبدع الذي يحمل مشروع صياغة مجتمع مغربي متجدد .
". [10]وهنا ينبغي أن نميز بين مدرسة الحياةl’école de la vie والحياة المدرسيةla vie scolaire ؛ لأن المدرسة الأولى من نتاج التصورالبراڰماتي ( جون ديوي ووليام جيمس..) الذي يعتبر المدرسة وسيلة لتعلم الحياة وتأهيل المتعلم لمستقبل نافع، ويعني هذا أن المدرسة ضمن هذا التصورعليها أن تحقق نتائج محسوسة في تأطير المتعلم لمواجهة مشاكل الحياة وتحقيقمنافع إنتاجية تساهم في تطوير المجتمع نحو الأمام عن طريق الإبداع والاكتشاف وبناء الحاضر والمستقبل. ومن ثم، فالمدرسة هنا هي مدرسة ذات أهداف مادية تقوم على الربح والفائدة والمنفعة وتحقيق المكاسب الذاتيةوالمجتمعية. أما المدرسة الثانية فهي " تشكل كلا متجانسا ومترابطا يجمع المدرسي والموازي وينظم الإعلام التوجيهي، ويدعم مشروع التلميذ ويكونه فيبعده المواطني، وينشط النظام التمثيلي والحركة الثقافية والموضوعات الأفقية ويدعم العمل الفردي ويعزز قدرته على الابتكار .
"11 أي إن هذه الحياة المدرسية تكون المتعلم الإنسان وتهذبه أخلاقيا وتجعله قادرا على مواجهة كل الوضعيات الصعبة في الحياة مع بناء علاقات إنسانيةاجتماعية وعاطفية ونفسية. وهذه العلاقات أهم من الإنتاجية الكميةوالمردودية التي تكون على حساب القيم والمصلحة العامة والمواطنة الصادقة