يمثل الموسم الدراسي 2011 – 2012 الحلقة النهائية للبرنامج ألاستعجالي الذي انطلق سنة 2009 .يجوز إذن للمتتبع أن يطرح أسئلة الحصيلة ، خصوصا في ظل الحراك الاجتماعي والسياسي، والمصادقة على وثيقة دستورية جديدة تعد المحاسبة والحكامة أهم عناوينها .وفي هذا الإطار كذلك تعرف المنظومة التربوية تطورات متسارعة تنذر بالرجوع إلى نقطة الصفر قبل الميثاق ثم بعد الفشل في تفعيل مقتضياته بعد تقرير المجلس الأعلى للتعليم في 2008 .لاشك أن المجهود الذي بدل في مسارات معينة تبين أن الفاعلين قد أخذوا قضية الإصلاح محمل الجد ولايمكن أن ينكره إلا جاحد... إلا أن المتتبع يمكنه مع ذلك رصد بعض المؤشرات التي تنذر بعدم وصول قطار الإصلاح إلى مبتغاه ، ومنها على سبيل الإشارة :
ــ التساؤلات الملحة والمتعطشة لجواب مقنع حول حكامة المنظومة بالحد من هدر المال العام ، الذي يطرح على ساحة الرأي العام، ونصيب مشاريع البرنامج الاستعجالي من المسائلة خاصة وأن الملايير( 43 مليار ) أنفقت على مدى السنوات الفارطة دون أن يظهر لها الأثر البين على مستوى القسم والساحة والملعب وفي شكل ونوع تعلمات التلاميذ... خاصة في المناطق القروية والمهمشة . في الوقت الذي تطلعنا الصحافة على اختلاسات من الحجم الكبير ( أكاديمية سطات مثلا ) وكذا انتقال العديد من لجان الافتحاص بل وقضاة المجلس الأعلى للحسابات ( أكاديمية الجديدة ) مما يؤشر أن هناك شيء ما غير سوي؟؟
ــ الهدر الكبير للزمن المدرسي والذي وصل في موسم 2011 أرقاما قياسية. وعند التدقيق في الأمر نجد أن الإدارة نفسها تساهم فيه من حيث عشوائية برمجة التكوينات والأنشطة :فاليد التي وقعت على مذكرة ترشيد الزمن المدرسي هي نفسها من يوقع على استدعاء أفواج من الأساتذة للتكوين في فترات الدراسة تاركين ورائهم تلاميذ بدون درس . إضافة إلى الاحتجاجات التي أدت إلى هدر 15 مليون ساعة أي أكثر من ثلث الحصص المبرمجة (حسب وزارة التربية الوطنية نفسها ).
ــ التعثرات التي يعرفها إرساء النموذج البيداغوجي المسمى " بيداغوجيا لإدماج " والذي تراهن عليه الوزارة لتطوير العمليات التعلمية داخل الفصول الدراسية وتطوير منظومة التقويم .فهو بدوره يعرف صعوبات في التطبيق لعدم حكامة فرق القيادة على مستوى التكوين والتتبع والتجريب والمصاحبة التشريعية : فانقطعت سبل التواصل بين المركز والأطراف مما أذكى العشوائية والتردد والارتجال وكانت محطة التقويم ألإشهادي في الابتدائي مرآة ساطعة على ذلك ( المذكرة 204) حيث اتفق الجميع على عدم تطبيقه ومن تم يصبح التساؤل مشروعا حول جدوى هدر المال العام الذي استفاد منه مكتب دراسات أجنبي وخبرائه الدوليون وكذا هدر الزمن والجهد على المستويات المركزية والجهوية والمحلية.
ــ ولوج مهنة التدريس أفواج كبيرة من حملة الشهادات(إجازة – ماستر – دكتوراه ) من فئات مختلفة تم تعيينهم مباشرة لمواجهة أهوال الفصل الدراسي بدون تكوين تربوي ولاديداكتيكي . فوقعوا في إشكالات تدبير العلاقات والتأقلم مع رهانات المؤسسة التعليمية فانعكس ذلك سلبا على المتعلمين في الوقت الذي وعدوا فيه بدورات تكوينية قبل التعيين وبعده فلم يكن منها أي شيء يذكر؟؟؟
ــ غضبة أجهزة فاعلة في المنظومة والتي بواسطتها تمارس الوزارة والنيابات والأكاديميات دور التتبع والمراقبة الشاملة مثل المديرين والمفتشين في المناطق التربوية، والمنسقيات الجهوية وحتى المركزية منها بشكل غير مسبوق ، والذين يعتبرون محركات إستراتيجية ميدانية للسياسة التعليمية، ومنها مقتضيات البرنامج الاستعجالي والذي وجد أن برامجه تصل إلى المؤسسة التعليمية/ الهدف وقد أصبحت تقارير اجتماعات مملة وتوجيهات غير قابلة للتنفيذ وبدون أفق تطبيقي. ومن أمثلة ذلك ما سمي جيل مدرسة النجاح والذي تحولت الإجراءات المصاحبة له إلى ألوان على جدران أقسام مهترئة مع أن المشروع -على الورق- طموح ووازن .
ــ ضعف القيادة التربوية الجهوية والإقليمية وولوجها عبر الزبونية والمحسوبية عبر الولاءات للمسؤولين المركزيين-المعلومين- في الوزارة مما أثر على مصداقية وقوة القرار التربوي فتكونت لوبيات مصلحية حول مديري الأكاديميات والنواب تعيث فسادا في تدبير الموارد البشرية والصفقات والبنايات والإطعام... مما يضعف مصداقية الإدارة ويؤدي إلى تفشي ظواهر الاختلاسات والموظفين الأشباح واستغلال وهدر المال العام ووسائل العمل في أغراض خاصة .
نتمنى صادقين أن تكون هذه اللوحة مغرقة في التشاؤم وبعيدة عن الواقع الذي يخيفنا ويخيف أفواجا من الأطفال واليافعين الذين يقبلون على المدرسة بشغف وأمل .كما نتمنى أن لا يتمسك المسؤولون بنسب النجاح في الامتحانات الاشهادية وحدها لاستعمالها كشاشة دخان تخفي الأزمة العميقة لأن الجميع يعرف كيف تصنع النسب المئوية .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]