الأب: يا مازن، قبل أن تفعل أي شيء عليك أن تسأذنني.
مازن: حسنًا يا أبي.
الكفاء الذاتية..قيمة حياة الطفل:
يتكرر الحوار السابق في الحياة الأسرية اليومية، فقد نجد إما الأب أو الأم يأمر الطفل أو الطفلة ألا يلمس شيئًا، أو عدم الإقدام على أي فعل إلا بعد أخذ الإذن أولًا من الأب أو الأم.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك فقد كان يثير التنافس بين الأطفال فيجري بينهم مسابقة في الجري..
فقد أخرج أحمد بن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثيرًا من بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول:"من سبق إلي فله كذا وكذا". قال :فيستبقون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم.
(فزرع التنافس بين الأطفال ومكافأة الفائز تشعر الطفل بلذة الفوز، فيسارع إلى تقديم كل طاقته، وبذل أقصى وسعه، ومن ثم يتدرب ويتعلم، ليرى والديه إلى أى درجة وصل، وهكذا تنفجر الطاقات المكتونة بداخله) [الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس، ص(37-38) بتصرف يسير ].
وهكذا على كل مربي، أن يحترم رغبات أبنائه ما دامت تحقق الخير، ويظهر فرحه حين يتصرف بأسلوب فيه نضج واستقلالية, لأن الابن الذى يتربى بهذه الطريقة (لا ينتظر حتى تكتمل معرفته بالواقع والحياة على أيدي الأبوين، وإنما يتحرك هو وسط ظروف الحياة, بكل جزء من المعرفة يكتسبه، ويتفاعل مع ما يستجد حوله من أمور الحياة تفاعلًا حيًا, يصلح الخطأ, ويجعله مصدرًا للخبرة, وينمي الكفاءة, ويجعلها سبيلًا لابتكار الوسائل, فينهض فى يومه بما لم يستطع النهوض به فى أمسه, ويتحول إلى إضافة لأمته، لا إلى عبء عليها) [مجلة الرائد، العدد 129ص18بتصرف يسير].
كيف تُغرس الكفاءة الذاتية لدى الطفل؟
· الحرص على حدوث الأخطاء في سياق من النجاح:
فلا ينبغي أن يحرص المربون على ألَّا يفشل الأولاد على الإطلاق، بل على العكس لابد أن يُدربوا على أن الحياة تمتلئ بالفشل، وفي أحيان كثيرة يكون الفشل له فائدة مهمة في تحسين الأداء وتعديل المسار، والشخص الذي لا يفشل معناه أنه لا يواجه بتحديات كبيرة؛ وبالتالي لا يمكن أن يصل إلى مكانة مرموقة إذا لم يتعود خوض التحديات.
ولذا؛ فإن على المربين مهمة أن يجعلوا أخطاء الأطفال تحدث في سياق من النجاحات، فينوعون بين المهام الصعبة والمهام السهلة، ثم يقومون بتقييم أداء الأطفال بنظرة متساوية لأوجه القصور وأوجه النجاح.
· تعليم الأطفال كيفية تنسيب الأحداث:
وجد العلماء أن من الأمور المهمة المؤثرة على مدى الدافعية التي يبديها الأطفال تجاه السلوكيات؛ هي تنسيب الأحداث أو "ماذا يسبب ماذا؟"، وهي آلية في التفكير تضع أسباب الأحداث، وهي لاشك شديدة التأثير على أداء الإنسان، خاصة إذا كان ذلك متعلقًا بالنجاح والفشل.
(فما يعتقده الأطفال أنه سبب للنجاح لاشك سيشكِّل طريقة نظرتهم وتقييمهم لأفعالهم، وما يعتقده الأطفال أنه أساس للفشل؛ فإنه سيؤثر على إدراكهم للفشل الذي قد يعترض طريقهم.
وعلى المربين أن يحرصوا على تعليم الأطفال كيف ينسبون الأحداث، وكيف يصفون عوامل الفشل والنجاح، ولا يتركون ذلك للأطفال؛ حتى لا يعرضوهم لمخاطر هذا التنسيب، والذي يمكن أن يعطِّل طاقات ويعرقل جهود ويضيع إمكانات لمجرد اعتقادات سلبية حول معايير محددة للنجاح وأخرى للفشل؛ ولذا على المربين أن ينتبهوا إلى الرسائل التي يوصلونها إلى الأطفال المعنية بأسباب الفشل والنجاح) [علم النفس التعلم، جاك سنومان].
· تقديم القواعد في صورة معلوماتية بدلًا من الصور التحكمية:
ونعني به أن يحرص المربون على أن يقدموا التعليمات والقواعد في صورة معلومات، وليس في صورة تقييدات أو تحكمات، فبدلًا من أن يقوم المربون بتوجيه الأطفال كالآتي: (لا تلقوا بملابسكم على الأَسرَّة)، من الممكن أن يقولوا لهم هذه القاعدة في صورة معلوماتية: (سنقوم بوضع ملابسنا في المكان المخصص لذلك، وهو دولاب الملابس الموجود في غرفة كل واحد منكم).
· توفير فرص للأطفال لكي يقوموا بالاختيار:
فالمربون لابد أن يحرصوا على أن يقدِّموا للأطفال فرصة الاختيار، ولا يجعلوا الأمر مجرد مجموعة من الأوامر والنواهي ينبغي أن تُطبَّق، بل كلما استطاع المربي أن يدرب الأطفال على اتخاذ القرار؛ فهذا لاشك من الأمور المجدية، حتى ولو أدت هذه القرارات إلى بعض السلبيات أو الأخطاء، فإن الإيجابيات التي تقف وراءها أكبر بكثير.
ومع الاستمرار في إعطاء الأطفال فرصة الاختيار؛ فإن هذا يبني لديهم الاعتقاد بأنهم قادرون على تحديد ما يريدون وما ينفعهم وسط الاختيارات المختلفة، والتعامل مع كافة النتائج التي تترتب على قراراتهم.
فمثلًا؛ إذا كنا نريد أن نتنزه في أجازة نهاية الأسبوع، فما المانع أن يقوم الأطفال باختيار مكان التنزه ونوع المكان الذي سنتناول فيه الطعام، حتى لو اكتشفنا أن المكان ليس جيدًا، فنعلِّمهم كيف نستفيد من الخطأ في المرة القادمة ليكون الاختيار القادم أفضل بإذن الله.
· عدم تقييم أداء الأطفال بطريقة إصدار الأحكام:
فالتقييمات الحكمية لا تساعد على نشأة التحفيز الداخلي؛ ولذا على المربين أن يحرصوا على القيام بتقييم الأطفال ليس على طريقة: (كان من المفترض أن تفعل كذا وكذا)، بل على طريقة معلومات تساعد في تطوير مستوى الأداء واكتساب المهارات، التي تدفع الأطفال لتحقيق أهدافهم؛ مثل: (لو أضفت السلوك الفلاني لأدائك؛ لأدى ذلك إلى زيادة كفاءة الأداء المطلوبة).
· التقليل من الاعتماد على الحوافز الخارجية:
فالإفراط في الاعتماد على المديح والمكافآت المادية؛ لاشك أنه سيقوِّي الدوافع الخارجية، ويضعف الدوافع الداخلية كما بينَّا سابقًا، ولكن في بعض الحالات يكون من المفيد استخدام الحوافز الخارجية لدفع الأطفال لسلوكيات محددة، فكيف نستخدم الحوافز الخارجية دون تأثيرها السلبي على صفة حرية تقرير المصير؟
نستطيع ذلك باستخدام المديح مثلًا كوصف للأداء بديلًا عن الحكم الشخصي، ولنعطِ على ذلك مجموعة من الأمثلة:
(إن عدم غشك في امتحان الرياضيات ـ على عكس ما فعل أقرانك ـ جعلك أكثرهم احترامًا لنفسه).
(كان حرصك على فض الاشتباك بين زميليك من العوامل المهمة التي أدت إلى عودتهما مرة أخرى أصدقاء).
وهكذا، يكون استخدام المديح ـ وهو من الدوافع الخارجية ـ في صورة وصف للتصرف، وليس في صورة حكمية على الشخص بأنه ممتاز أو ما شابه.
ولا نعني بذلك ألَّا يُستخدم مثل هذا النوع من الدوافع الخارجية، بل هو مهم وأساسي في بعض النواحي والمواقف، وإنما الذي نقصده هو عدم الإفراط فيه بما يمتنع معه غرس الدوافع الداخلية كمحرك ودافع للسلوك.
· تعليم الأطفال كيف يدركون الحوافز الخارجية:
فلاشك أن مجال الحياة مليء بالحوافز الخارجية؛ كمسابقة للجري مثلًا أو الحصول على ترتيب متقدم في التحصيل الدراسي، وغرض هذه النقطة أن يساعد المربون الأطفال على صحة إدراك هذه الحوافز الخارجية، فعلى الرغم من أهميتها فإنها لا تعني كل شيء.
فإذا أراد المربي أن يعلِّم طفلًا قيمة التفوق، مستغلًا التنافس الشريف في ذلك ـ لكن دون أن يحطم الدافع الداخلي ـ فيعلِّمه أن يخاطب نفسه بمثل هذه العبارات: (أنا أحب الحصول على أعلى الدرجات، وأحب أن أحصل على ثناء أبواي في حالة الحصول على شهادة تقدير من المدرسة، إلَّا أن ذلك لا يعني كل شيء، فإن أهم شيء سأكتسبه من هذه المنافسة هو أني سأتعلم الكثير، وسأحصل على مزيد من المعلومات ستنفعني كثيرًا في حياتي العملية؛ ولذلك سأعمل جاهدًا للاستمتاع بهذه المعلومات.
الاحتياجات الأساسية للإنسان وتأثيرها على الكفاءة الذاتية للطفل:
قام أحد علماء النفس وهو ماسلو بوضع هرم لحاجات الإنسان، واعتبر أن الإنسان يولد عند أسفله، ثم كلما سد احتياجًا ارتفع إلى الاحتياج الذي بعده، وهكذا إلى نهاية الهرم في قمته.
وقسَّمه إلى قسمين؛ القسم الأول: وهو في أسفل الهرم، وأطلق عليه الاحتياجات الأساسية، وهي احتياجات النقص، وهذه الاحتياجات يتضح تكوينها من اسمها، أن الإنسان يولد وهو يريد استكمالها، ولاشك أنها لا تستكمل إلا عن طريق المؤثرات الخارجية، والإنسان الذي لا يستطيع استكمال إحدى هذه الاحتياجات؛ يظل رهينة لها، وقد يتقدم به العمر وهو ما زال يحاول سد احتياجًا أوليًّا وبدائيًّا.
وهذه الاحتياجات الأساسية مقسَّمة إلى أربعة أقسام:
· الاحتياجات الفسيولوجية.
· الاحتياج إلى الأمان.
· الاحتياج إلى الحب والانتماء.
· الاحتياج إلى احترام الذات.
ثم ينشأ بعد الاحتياجات الأساسية احتياج آخر لا تسده إلا الدوافع الداخلية، وهو الاحتياج إلى تحقيق الذات، وهي احتياجات وصفها ماسلو باحتياجات التطور والنمو المستمر، ، وهذا النوع من الاحتياجات لا يمكن إرضاؤها؛ ولذا يكافح من يصل إلى هذه المرحلة من أجل مزيد من الإنجازات والنجاحات، فهو في احتياج دائم إلى المعرفة والنمو والنجاح.
ورقة عمل:
لكي تغرس الكفاءة الذاتية لدى طفلك أخي المربي، عليك باتباع الخطوات التالية:
ـ دع طفلك يتعلم من الأشياء، بمعنى لا تسيطر عليه، بل دعه يخوض التجارب حتى يبني الخبرات ويتعلم من الحياة.
ـ لا تستخدم المحفزات كثيرًا لكي تجعل أطفالك يفعلون السلوك الحسن، حتى لا يعتمد الطفل على المحفز لكي يقوم بالعمل الحسن.
ـ قم بتلبية احتياجات ولدك، كما عرفتها في هرم ماسلو للحاجات الإنسانية.
عمر السبع
المصادر:
ـ علم نفس التعلم، جاك سنومان.
ـ مجلة الرائد.
ـ الإنصات الانعكاسي، محمد ديماس.