يتنامى الحديث مؤخرا عن المقاربة بإدماج المكتسبات في الأوساط التربوية المغربية بشكل ملفت للنظر، بجعلنا كمتتبعين للمسار التعليمي التعلمي خاصة وللشأن التربوي التعليمي ببلادنا عامة، نضع أكثر من علامة استفهام حول القيمة المضافة Plus-value التي أتت بها رياح التغيير البيداغوجي في فصل الإدماج؛ بما ينطوي عليه هذا الفصل من إيجابيات وسلبيات واسعة الأمداد والأبعاد.
من المناسب، في هذا الصدد، ألا يغيب عن بالنا بأن المدرسة المغربية العمومية تشكل ذاتا موسومة بتناقضات صارخة لا نبو فيها ولا شذوذ؛ فإذا أجلت النظر مليا في مفارقاتها العديدة تستطيع أن تتخيل في غير عسر مدى الإكراهات الأخطبوطية التي ماانفكت تشل حركية الإصلاح البيداغوجي ومعها تغتال روح إنجاح غاياته المثلى. يكفي أن نستحضر بضيم عميق إشكاليتي: "الاكتظاظ" وما يثوي خلفه من تعثرات مادية ومعنوية، و"القسم المشترك" بإكراهاته المشهورة التي تسم العلاقة الديداكتيكية، وتقذف بمجهودات المدرسات والمدرسين في سلة المهملات مهما جدّدُوا وجدّوا واجتهدوا ! يكفي إذن أن نضع هاتين الإشكاليتين العويصتين على الطاولة لنتلمس عن قرب علة جامعة عن هذه المثبطات التي أرخت بظلالها على الممارسة البيداغوجية الفعلية داخل الفصول الدراسية، والأغرب أنها إشكاليتان ما برحتا تفاصيلهما تُناقش في منتديات واسعة النطاق وعلى أصعدة رسمية ذات مصداقية عالية. والحقيقة أنهما تظلان إشكاليتين يجب ألا نحيد عن استئصالهما إن أردنا فعلا إنقاذ المدرسة العمومية الغارقة في دوامة التردي من الانفلات والضياع.
من الجائز الاعتراف بجدوى بيداغوجيا الإدماج في إطارها النظري وفي مجال التربية على وجه الدقة؛ وهو إطار محكم البناء علميا لا يرى منه الرائي إلا كل تفوق وإنصاف مدرسيين، وهو المأمول حاليا والهم الأول والغاية المثلى لكل نظام تربوي في جميع أصقاع المعمور. وبالفعل فبيداغوجيا الإدماج تعتبر مقاربة ديداكيتكية تسهم بشكل متكامل في تشييد القدرات وبناء الكفايات التي تجعل المتعلم(ة) ينخرط بسلاسة في المشروع المجتمعي، وبالتالي الانفلات من قبضة الأمية الوظيفية Analphabète fonctionnelle على حد تعبير كل من ( Carraher & Sotomayor ).
إن ما يهمنا في معرض حديثنا هو تبيان سلبيات توظيف الطرائق الإدماج داخل الفصول الدراسية بخاصة عندما نربطها عضويا بضعاف التلاميذ. نعلم علم اليقين أن المتعلم(ة) هو الفاعل الأساس في سيرورة الإدماج، وإذا لم يتوصل هذا المتعلم(ة) إلى الإدماج، لا يمكنه الذهاب أكثر من إرجاع معارف أو حل تمارين بسيطة. ومن خلال هذا المنظار، فالمدرس(ة) يجد صعوبة في تفعيل مقتضيات بيداغوجيا الإدماج من تدبير للوضعيات الإدماجية خلال أسبوعي الإدماج مرورا بتدبير خطة بناء الدروس خلا فترة إرساء الموارد، فيجنح به التفكير الممل والتدبير القاصر والكفاية المهنية الفتية أو الكلاسيكية إلى تجاوز التعلمات اللحظية والمرور على جناح السرعة إلى مرحلة الإدماج. مما يزيد الهوة اتساعا بين المدرسة التي غالبا ما تواصل عملية تقطير لمعارف لحظية والوضعيات التي يفترض فيها-على لسان الدكتور عبد الكريم غريب- تهيئ التلاميذ لها.
إننا لا نجانب الصواب في القول بأن المدرس(ة) وهو في مواجهة الجماعة الصفية بشكل مستمر، يجد نفسه أمام فئتين متضاربتين مستهدفتين من خلال فعل إكساب التعلمات داخل الفضاء المدرسي؛ فئة التلاميذ الضعاف على كثرتهم وفئة التلاميذ المتفوقين على قلتهم، وفي هذا المقام يقول السوسيولوجي الفرنسي ( Bourdieu ): إن اللامبالاة بالاختلافات لا تتيح إلا ازدياد حدة هذه الأخيرة، إذ أن التلاميذ المحظوظين يتعلمون بشكل أسرع وأفضل من الآخرين، فليس من الغريب أن يتم إغفال التعلمات اللحظية من قبل المدرس(ة) المثقل بالهواجس التي تصنعها متاعب المهنة التي تأتيه على حين غرة تساوره يمنة تارة ويسرى طورا؛ منها ما هو ما يتعلق بظروف الاشتغال التي أسالت المداد في عدد كبير من الجرائد والمجلات التي تعنى بشؤون التربية والتعليم، ومنها ما يرتبط بنفسيته التي لا يعرفها إلا من ولج ساحة التعليم. وربما بهذا التصرف الحتمي من لدن المدرس(ة) في ضوء غياب تأطير فعلي ممارساتي وليس تفتيشا صوريا وثائقيا حصريا، سيستفيد بشكل أكبر التلاميذ ذوو مكتسبات عالية، وذلك لأنهم يتوفرون على أدوات فكرية تمكنهم من تحقيق "الإدماج". إلا أن ذلك يتم على حساب ضعاف التلاميذ أولئك الذين يعدمون هذه الأدوات. مما يجعل من أسبوعي الإدماج؛ باحة استراحة ليس إلا وفرصة مواتية لكي يستريح جسد الطفل/المتمدرس من حمل المحفظة المثقلة بكثرة الكتب المدرسية المختلفة الألوان والأشكال والمحتفظة بذات المحتوى ونفس الأهداف. وفرصة أيضا للمدرس(ة) من أجل تغيير روتين الدروس الاعتيادية الروتينية التي تحتاج إلى دقة بيداغوجية وتدبير زمني محدد.
يبقى أسبوعا الإدماج سوقا مفتوحة أبوابها تباع فيه كل أنواع الوثائق الرسمية وغير الرسمية؛ وثائق يعدها الأستاذ على مضض ويوقها مدير المؤسسة.
ففي غياب التأطير الإيجابي والمصاحبة والتوجيه الفعليين للمارسة البيداغوجية يصعب الحديث عن إدماج حقيقي، وفي ضوء انعدام "كراسات الإدماج" التي غالبا تسافر في رحلة محفوفة بالمخاطر، وعدم توافر دلائل الأستاذ يضطر المدرسين والمدرسات إلى اللجوء إلى العوالم الافتراضية عبر النهل من المواقع الالكترونية أو الوقوف صفا صفا أمام الوراقات لاستنساخ ما يسعفهم في تخطي محنة أسبوعي الإدماج المكلفة ماديا والقاهرة معنويا. وتحت مظلة التكوينات القاصرة وغير مجدية والبعيدة كل البعد عن التطبيق الفعلي لمضامين بيداغوجيا الإدماج والمتيحة للتنزيل الفعلي لطرق الإدماج والتمكن من أدوات الاشتغال.. يكون من الأغرب بل من المستحيل التحدث عن فعل إدماجي ناجح.