مفهوم الكفاية
سعينا، في تقديم الكفاية، للإحاطة بهذا المفهوم من كل جوانبه وذلك لأن "المقاربة بالكفايات" مقاربة جديدة في المنظومة التربوية المغربية.
وعملا على توضيح مفهوم الكفاية توضيحا كافيا لابد من تناول مسألتين:
- تحديد الكفاية من جهة.
- وتدقيقها في علاقتها ببعض المفاهيم الأخرى من جهة ثانية
1- تعريف الكفاية :
لا يمكن الإحاطة بمدلول الكفاية إلا من خلال تقديم نماذج من التعاريف المتكاملة، قصد استشفاف ما يجمع بينها جوهريا، لنبني من خلال ذلك تعريفا جامعا مانعا كما يقول المناطقة، خاصة إذا ما استحضرنا تطور مفهوم الكفاية في مختلف مجلات العمل(المقاولة، المدرسة، مختلف الحقول المعرفية...)
ومن أهم ما عرفت به الكفاية ما يلي:
1-1. أنها ترتبط بالاعتماد الفعال للمعارف والمهارات من أجل إنجاز معين، وتكون نتيجة للخبرة المهنية، ويستدل على حدوثها من خلال مستوى الأداء المتعلق بها، كما أنها تكون قابلة للملاحظة انطلاقا من سلوكات فعالة ضمن النشاط الذي ترتبط به .
1-2. إنها مجموعة من المعارف نظرية وعلمية، يكتسبها الشخص في مجال مهني معين، أما في المجال التربوي، فيحيل مفهوم الكفاية إلى مجموعة من المهارات المكتسبة عن طريق استيعاب المعارف الملائمة، إضافة إلى الخبرات والتجارب التي تمكن الفرد من الإحاطة بمشكل يعرض له ويعمل على حله .
1-3. إنها نظام من المعارف المفاهيمية والإجرائية المنتظمة بكيفية تجعل الفرد حين وجوده في وضعية معينة، فاعلا فينجز مهمة من المهام، أو يحل مشكلة من المشاكل .
1-4. إن الحديث عنها يعتبر حديثا عن الذكاء بشكل عام .
1-5. إنها تمكن الفرد من إدماج وتوظيف ونقل مجموعة من الموارد (المعلومات، معارف، استعدادات،استدلالات...) في سياق معين لمواجهة مشكلات تصادفه أو لتحقيق عمل معين .
وباستجماع هذه التعاريف والتوليف بينها يتم استنتاج أن الكفاية :
• أشمل من الهدف الإجرائي في صورته السلوكية الميكانيكية، وأشمل من القدرة أيضا لأنها مجموعة من المعارف والمهارات والآداءات.
• نظام نسقي منسجم، فلا ترتبط بمعرفة خاصة لأنها ذات طابع شمولي.
• يلعب فيها إنجاز المتعلم-الذي يكون قابلا للملاحظة –دورا مركزيا.
• تنظيم لمكتسبات سابقة في إطار خطاطات، يتحكم فيها الفرد ليوظفها بفعالية، توظيفا مبدعا في وضعيات معينة، وذلك بانتقاء المعارف والمهارات والأداءات التي تتناسب مع الموقف الذي يوجد فيه.
• إنتاج أفعال أو سلوكات قصد حل مشكلة أو التكيف مع وضعية جديدة.
• ميكانيزمات تعمل على إحداث التعلم وتنظيمه وترسيخه.
وانطلاقا من هذه الاستنتاجات يمكن اعتماد تعريف للكفاية باعتبارها:
- استعداد الفرد لإدماج وتوظيف مكتسباته السابقة من معلومات ومعارف ومهارات، في بناء جديد قصد حل وضعية-مشكلة أو التكيف مع وضعية طارئة.
يفيد هذا التعريف التوليفي لمفهوم الكفاية ما يلي:
الكفاية منظومة مدمجة من المعا ريف المفاهيمية والمنهجية والعلمية التي تعتمد بنجاح، في حل مشكلة قائمة.
الكفاية هدف ختامي مدمج(objectif terminal d’intégration) أي أنها النتيجة المتوقعة في نهاية مرحلة تعليمية، ومثل ذلك الهدف الختامي المدمج لكافة التعلمات في مستوى دراسي معين أو مرحلة تعليمية محددة، أي مجموع القدرات التي اكتسبها المتعلم بنجاح، والتي يمكنه توظيفها مدمجة لحل مشكلات قد تعرض لـه مستقبلا خاصة تلك الوضعيات الشبيهة بالوضعيات التي تمرس عليها في برنامج دراسي محدد.
2- ترابط الكفاية مع مفاهيم أخرى.
يمكن أن يتحدد مفهوم الكافية بدقة أكثر في ضوء مفاهيم أخرى ترتبط به منها:
2-1 المهارة (Habilité)
يقصد بالمهارة، التمكن من أداء مهمة محددة بشكل دقيق يتسم بالتناسق والنجاعة والثبات النسبي، ولذلك يتم الحديث عن التمهير، أي إعداد الفرد لأداء مهام تتسم بدقة متناهية .
أما الكفاية فهي مجموعة مدمجة من المهارات.
* ومن أمثلة المهارات ما يلي:
مهارات التقليد والمحاكاة : التي تكتسب بواسطة تقنيات المحاكاة والتكرار ومنها:
- رسم أشكال هندسية.
- والتعبير الشفوي .
- وإنجاز تجربة...
* مهارات الإتقان والدقة:
وأساس بناءها :
- التدريب المتواصل والمحكم.
- ومثالها في مادة النشاط العملي مثلا:
ترجمة صياغة لغوية إلى إنجاز أو عدة تجريبية.
2-2 القدرة (ِCapacité)
يفيد لفظ القدرة عدة معان منها:
ا)- التمكن.
ب)- الاستعداد
ج)- الأهلية للفعل...
- ويتم الحديث عن القدرة في الحالة التي يكون فيها الفرد متمكنا من النجاح في إنجاز معين، ولذلك تعتبر لفظة " الاستعداد " قريبة من لفظة "القدرة ".
- أما من حيث العلاقة بين المهارة والقدرة، فالمهارة أكثر تخصيصا من " القدرة " وذلك لأن " المهارة " تتمحور حول فعل ، أي " أداء " تسهل ملاحظته لأنها ترتبط بالممارسة والتطبيق، أما القدرة فترتبط بامتداد المعارف والمهارات
- وتتميز القدرة بمجموعة من الخاصيات: إذ أن القدرة عامة لا ترتبط بموضوع معين، كالقدرة على الحفظ التي تشمل كل ما يمكن حفظه ولا تقتصر على حفظ الشعر والأمثال أو القواعد والصيغ...
* يتطلب تحصيلها واكتسابها وقتا طويلا، ولذلك فهي لا ترادف الهدف الإجرائي، بل تتعداه إلى مفهوم الهدف العام، وهذا ما يفيد قابليتها للتطور.
* تعتبر قاعدة أساسية وضرورية لحدوث تعلمات أعقد، توضيحا لذلك: لا يمكن التعلم أن يقوم عملا ما، ما لم تكن لـه قدرات أخرى كالتحليل والتركيب والنقد .
• غير قابلة للتقويم بخلاف الكفاية.
2-3 الأداء أو الإنجاز (Performance )
يعتبر الأداء والإنجاز ركنا أساسيا لوجود الكفاية، ويقصد به إنجاز مهام في شكل أنشطة أو سلوكات آنية ومحددة وقابلة للملاحظة والقياس، وعلى مستوى عال من الدقة والوضوح .
ومن أمثلة ذلك، الأنشطة التي تقترح لحل وضعية-مشكلة
2-4 الاستعداد(َََََAptitude)
يقصد بالاستعداد مجموعة الصفات الداخلية التي تجعل الفرد قابلا الاستجابة بطريقة معينة وقصدية، أي أن الاستعداد هو تأهيل الفرد لأداء معين، بناء على مكتسبات سابقة منها القدرة على الإنجاز والمهارة في الأداء.
ولذلك يعتبر الاستعداد دافعا للإنجاز لأنه الوجه الخفي لـه. وتضاف إلى الشروط المعرفية والمهارية شروط أخرى سيكولوجية، فالميل والرغبة أساسيان لحدوث الاستعداد.
من خلال هذه التعاريف التي توضح مفهوم الكفاية، يتم التأكد على أن الكفاية تتويج لفترة طويلا من التعلم، وليست حصيلة حصة دراسية أو حصتين، ولذلك يعتبرها البعض محطة ختامية لسك تعليمي أو مرحلة تعليمية، فإذا اعتبرنا أن التفكير العلمي كفاية يسهم النشاط العلمي في تحقيقها،فإن حدوث هذه الكفاية لن يتم إلا بعد فترة طويلة ولهذا الإعتبار لا يجب الخلط بين الكفاية والهدف.
لأن المسألة ليست تبديل مفردات بأخرى، ولكنها مسألة تصور عميق أساسه تغيير المقاربة من بيداغوجيا تجزيئية إلى بيداغوجية شمولية.
أنواع الكفايات
تصنف الكفايات بصفة عامة إلى كفايات نوعية في مقابل كفايات مستعرضة، وكفايات أساسية قاعدية في مقابل كفايات الإتقان.
1- الكفايات النوعية:
وهي الكفايات المرتبطة بمادة دراسية معينة أو مجال نوعي أو مهني معين، ولذلك فهي أقل شمولية من الكفاية المستعرضة، وقد تكون سبيلا إلى تحقيق الكفايات المستعرضة.
2- الكفايات المستعرضة
وتسمى أيضا الكفايات الممتدة، ويقصد بها الكفايات العامة التي لا ترتبط بمجال محددة أو مادة دراسية معينة، وإنما يمتد توظيفها إلى مجالات عدة أو مواد مختلفة، ولهذا السبب، فإن هذا النوع من الكفايات يتسم بالغنى في مكوناته، إذ تسهم في إحداثه تدخلات متعددة من المواد، كما يتطلب تحصيله زمنا أطول ،فلو فرضنا أننا بصدد الحديث عن امتلاك آليات التفكير العلمي ككفاية ، فإن مستوى هذه الكفاية يجعل منها كفاية مستعرضة، لأنها مرتبطة بأكثر من تخصص، فالتفكير العلمي ليس مقتصرا على النشاط العلمي بل يدخل ضمن كل التخصصات، كما أن التمكن من مركبات هذه الكفاية يتطلب وقتا، وذلك لتعدد هذه المركبات وتنوعها.
إن هذا النوع من الكفايات يمثل درجة عليا من الضبط والإتقان، ولذلك يسمى كفايات قصوى أو كفايات ختامية، لأن أقصى ما يمكن أن يحرزه الفرد، وهذا طبيعي، لأن هذا النوع من الكفايات تدخل في بنائه وتكوينه تخصصات عدة متفاعلة فيما بينها، كما أن امتلاكه يشترط تعلما مسترسلا ووعيا طيلة الحياة الدراسية للمتعلم.
ومن أمثلة الكفايات المستعرضة:
امتلاك آليات التفكير.
امتلاك منهجية حل وضعيات-مشاكل.
تنمية القدرات التواصلية.
3- الكفايات القاعدية:
وتسمى أيضا بالكفايات الأساسية أو الجوهرية أو الدنيا، وتشكل الأسس الضرورية التي لا بد من اعتبارها في بناء تعلمات لاحقة والتي لا يحدث التعلم في غيابها.
ومن أمثلة هذه الكفايات في برنامج النشاط العلمي للسنة الخامسة من التعليم الأساسي، (الابتدائي):
فصل مكونات الخليط.
تعرف أنواع الخليط .
تعرف دور العضلات في إحداث الحركة.
تعرف الألوان الأساسية في مجال الضوء والصناعة.
4- كفايات الإتقان:
وهي الكفايات التي لا تنبني عليها بالضرورة تعلمات أخرى، رغم أن كفايات الإتقان مفيدة في التكوين، إلا أن عدم إتقانها من لدن المتعلم لا يؤدي إلى فشله في الدراسة.
ومن أمثلة كفايات الإتقان في مادة النشاط العلمي في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي
- تعرف العلبة المظلمة
- تعرف المشروب الغازي.
أهمية المقاربة بالكفايات.
تمتاز المقاربة بالكفايات بما يلي:
1- وظيفية التعلمات : ومعنى ذلك أن المقاربة بالكفايات تكسب التعلمات معنى لدى التلميذ، ولا تبقيها مجردة، وذلك بالعمل على ربطها باهتمامات المتعلم وحاجاته بشكل عملي ووظيفي.
2- فعالية التعلمات : وذلك لأن هذه المقاربة تعمل:
على ترسيخ التعلمات وتثبيتها، فقد بات من المؤكد أن حل المشكلات إجراء أساسي لتعلم يتم بالترسيخ والعمل، وبما أن المقاربة بالكفايات ترتكز على حل المشكلات بامتياز فإنها سبيل بيداغوجي لترسيخ التعلمات وتنميتها.
على الاهتمام بما هو جوهري وأساسي فالتعلمات ليست كلها جوهرية، ولكن المقاربة بالكفايات تتمركز حول التعلمات التي لها طابع جوهري وفعال.
على جعل العلاقات قوية مع تعلمات أخرى، فقد أثبتت دراسات علوم التربية والبحوث الديداكتيكية أن التمكن العميق في مجال أي تعلم يفترض أن يدخل هذا التعلم في علاقة جدلية مع تعلمات أخرى مرتبطة به، وبما أن بناء الكفايات يقوم أساسا على إقامة روابط وعلائق بين مختلف التعلمات المرتبطة بموضوع معين، فإن المقاربة بالكفايات تكتسي طابع الفعالية في بناء التعلمات ولذلك تم الحرص في أنشطة النشاط لعلمي مثلا على استثمار التقاطعات بين مختلف المواد والانفتاح عليها.
3- بناء وتأسيس التعلمات اللاحقة: ويتجلى ذلك في الربط بين مختلف التعلمات التي يكتسبها التلميذ من جهة وفي توظيف هذه المكتسبات ضمن وضعيات تعلمية ذات معنى، تتجاوز الحيز المخصص لمستوى دراسي معين من جهة أخرى، وبهذا المعنى فإن الربط التدريجي بين التعلمات يمكن والحالة هذه، من بناء نسقي تعلمي أكثر شمولية، توظف فيه المكتسبات والتعلمات من سنة لأخرى، ومن طور تعليمي إلى أخر، بقصد بناء كفايات أكثر تعقيدا، ومن هذا المنظور يمكن الجزم بأن المقاربة بالكفايات تتيح بناء تعلمات لاحقة، تأخذ بعين الاعتبار التعلمات السابقة ، والامتدادات المرتقبة.
4- اعتماد الوضعيات التعلمية: ومعنى دلك أن المقاربة بالكفايات ترتبط أساسا بوضعيات تعلمية تبنى حول المضامين الدراسية لتكون منطلقا لبناء الكفايات فإن تعلق الأمر بمحتوى مادة دراسية واحدة كانت الكفاية نوعية، وإن تعلق الأمر بمحتوى تتقاسمه مواد عدة تعلق الأمر بكفايات مستعرضة.
5- القابلية للتقويم: على خلاف القدرة فإن الكفاية قابلة للتقويم أي قياس أثر التعلمات من خلال معايير دقيقة كجودة الإنجاز ومدته.
5-استراتيجية بناء وتنمية الكفايات.
5-1. سيرورة بناء الكفايات وتنميتها.
إن بناء الكفايات وتطويرها يقتضي، إنجاز مجموعة من العمليات منها:
استحضار قدرات ومحتويات سبق اكتسابها (التعلمات السابقة).
تحديد مجموعة من الوضعيات المترابطة(**) التي ستمارس فيها الكفايات لأن استحضار التعلمات السابقة لا يعمل على بناء الكفاية ما لم يوظف في إطار وضعية تعلمية.
العمل على تنظيم القدرات والمحتويات التي تم استحضارها في صورة تعلمية.
تنظيم هذه الأهداف فيما بينها ضمن وضعية من بين الوضعيات التي سبق تحديدها.
5-2. الوضعيات التعلمية سبيل لبناء الكفايات.
إذا كان تحقيق الكفاية يستلزم استحضار تعلمات سابقة من قدرات ومحتويات، فإن هذا الاستحضار غير كاف ما لم يتم إدراجه في وضعيات تعلمية :
5-2-1 تحديد مفهوم الوضعية التعلمية
تعرف الوضعية التعلمية بأنها السياق الذي يتم فيه نشاط أو يقع فيه حدث تعلمي وتحيل لفظة " الوضعية " إلى مفهوم " الوضعية – المشكلة " (situation-problème) التي يقصد بها مجموعة متساوقة من المعارف المختلفة التي توظف لإنجاز عمل محدد .
وبهذا المعنى فإن الوضعية عبارة عن "