الشراكة التربوية في نظامنا التعليمي
تعتبر الشراكة التربوية من أهم مستجدات التربية الحديثة التي تبناها النظام التربوي المغربي ضمن عشرية الميثاق الوطني للتربية والتكوين، ومن أهم دعائم انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها السوسيو-اقتصادي، وانفتاحها على التجارب التربوية الأخرى لدى الآخر الأجنبي قصد الرفع من مستوى التلاميذ ودعم قدراتهم التحصيلية وتقوية جانب التواصل والتفاعل الثقافي لديهم، وخلق فضاء تربوي تنشيطي
أساسه الحياة المدرسية السعيدة التي تساهم فيه كل الأطراف الفاعلة من داخل المؤسسة أو خارجها.
تدل الشراكة Partenariat سواء في اللغة العربية أم الفرنسية على التعاون والتشارك والتفاعل التواصلي والمقاسمة والمساعدة وتبادل المصالح والمنافع المادية والمعنوية وعلى تآزر الشركاء من اثنين أو أكثر.
أما في الاصطلاح التربوي، فالشراكة عبارة عن تعاون مشترك بين أطراف تربوية وأطراف أخرى سواء أكانوا من داخل المؤسسة أم من محيطها الخارجي أم من جهات أجنبية تجمعهم مشاريع تربوية مشتركة، الغرض منها تحقيق منافع معنوية ومصالح مادية، وتحقيق التواصل اللغوي والثقافي والحضاري، أو التشارك في إيجاد الحلول المناسبة لمجموعة من الوضعيات والعوائق والمشاكل التي تواجهها.
ويرى محمد الدريج أن الشراكة تفرض بين المؤسسات إحصاء وملاحظة المشاكل وتشخيص أهمية النشاط المشترك وتحديد مهام محددة في الزمان وتوزيع المسؤولية وتخطيط مجالات التدخل بالنسبة لكل طرف وكذا أساليب ضبط الإنجازات وتقويم النتائج حسب المعايير المتفق عليها والمقبولة من كل الأطراف.
ويلاحظ أن مفهوم الشراكة مفهوم اقتصادي على غرار مفاهيم أخرى كالجودة والكفايات ومشروع المؤسسة التي دخلت حقل التربية، كما دخل هذا المفهوم حقولا معرفية أخرى كالحقل السياسي والحقل القانوني والحقل الاجتماعي والحقل العسكري...
ومن بين العوامل التي أفرزت مفهوم الشراكة العلاقات اللامتكافئة بين الشمال والجنوب، والمنافسة في مجال الاقتصاد والتسليح وتأهيل المقاولة فضلا عن التطور الصناعي والتقني والإعلامي الذي يفرض على الدول المعاصرة أن تدخل في شراكات اقتصادية وسياسية...
وأمام نجاح فكرة الشراكة في شتى المجالات الحياتية والاقتصادية، لم يكن أمام حقل التربية إلا أن يستفيد كباقي الحقول من مفهوم الشراكة وأن يعممها في أدبياته البيداغوجية وأن يصبح حلا لكثير من المشاكل المادية والمعنوية والثقافية والحضارية لكثير من المؤسسات التعليمية ولاسيما في العالم الثالث.
وعليه فإن المذكرة الوزارية التي تتحدث عن الشراكة ترى أن مشروع المؤسسة هو جوهر هذا المفهوم ومجاله المحوري الذي لا ينبغي أن تخرج عنه أية شراكة مهما كانت صيغتها، ومن ثم يتداخل مفهوم مشروع المؤسسة مع مفهوم الشراكة.
ü هناك عدة شراكات يمكن أن تعقدها مؤسسة تعليمية مع مؤسسة تعليمية أخرى:
1. شراكة داخلية: يساهم فيها الفاعلون الداخليون الذين ينتمون إلى المؤسسة كالتلاميذ ورجال الإدارة والأساتذة والآباء وأولياء الأمور عن طريق اقتراح مشاريع تربوية أو اجتماعية واقتصادية وبيئية وثقافية وفنية ورياضية.
2. شراكة المؤسسة مع محيطها الخارجي: انفتاح المؤسسة على محيطها السوسيو-اقتصادي وخلق شراكات مع الجماعات المحلية والجمعيات والقطاع الخاص أو العام، والمعاهد...
3. شراكة خارجية: تقوم المؤسسات التعليمية المغربية بتبادل الزيارات والخبرات والتجارب مع مؤسسات تعليمية أجنبية أو عربية عن طريق خلق شراكات تربوية في إطار التبادل الثقافي والحضاري والتواصل اللغوي.
ومن مواصفات الشراكة التربوية أن يكون هناك تعاون بين المؤسسات المعنية واستعمال للإمكانيات الذاتية المتوفرة في كل مؤسسة لإنجاز المشروع وأن تحترم كل مؤسسة لخصوصيات المؤسسة التي تربطها بها علاقة الشراكة.
وخلاصة القول: إن مشروع الشراكة التربوية لا يمكن أن يحقق ثماره المرجوة ونجاحه المرغوب إلا بترجمة النوايا إلى أعمال سلوكية تطبيقية عملية في الميدان والممارسة، وعلينا تجاوز الشعارات والتظاهرات التربوية التي تقف عند حدود التنظير والتجريد وإصدار القرارات إلى التطبيق والتنفيذ والتقويم والتتبع والنقد الذاتي بطريقة براغماتية يترابط فيه القول مع الواقع والمنفعة.