هناك إجماع بين العديد من الدارسين والباحثين على أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة وفي مقدمتها «شبكة الإنترنت» قد فتحت عصراً جديداً من عصور الاتصال والتفاعل بين البشر وفي وفرة المعلومات والمعارف التي تقدمها لمستخدميها.
ولكن على الجانب الآخر هناك أيضا مخاوف مشروعة من الآثار السلبية الجسدية والنفسية والاجتماعية والثقافية التي قد تحدثها ومع تزايد الإقبال على شبكة الإنترنت وسوء استخدامها متمثلا في قضاء وقت طويل في الإبحار فيها ظهر ما يسمى«إدمان الإنترنت»، كظاهرة لا مجال لتجاهلها من قبل الدارسين والباحثين ولذا فإن هناك اليوم العديد من الدراسات والمؤتمرات العلمية والدوريات المتخصصة لبحث ودراسة الآثار النفسية والاجتماعية والجسمية لسوء استخدام شبكة الإنترنت.
إدمان مرضي وظاهرة إدمان الإنترنت حديثة نسبياً وتتعلق بالاستخدام الزائد عن الحد وغير التوافقي للإنترنت والذي يؤدي لاضطرا بات نفسية إكلينيكية يُستدل عليها بمجموعة من الأعراض وقد تزايدت في الآونة الأخيرة البحوث النفسية التي تؤكد على أن الاستخدام المبالغ فيه لشبكة الإنترنت يسبب إدمانا نفسياً يشبه نوعاً ما في طبيعته الإدمان الذي يسببه التعاطي الزائد عن الحد للمخدرات والكحوليات وجدير بالذكر أن «إدمان الإنترنت» لم يصنف بعد ضمن قائمة الأمراض النفسية المعروفة حيث مازال الغموض يحيط بهذه الظاهرة إذ لم يتفق أطباء النفس جميعاً على وجود «إدمان الإنترنت» كمرض قائم بذاته حيث يعتبر البعض أنه اشتقاق من حالات إدمان أخرى مثل الإدمان على الشراء أو المقامرة أو إدمان المواقع الإباحية.
ويذكر أن أول من وضع مصطلح «إدمان الإنترنت» Internet Addiction
هي عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونغ Kimberly Young التي تعد من أولى أطباء النفس الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدةمنذ عام 1994.
وتعرف «يونغ» «إدمان الإنترنت» بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً كما أنها قامت عام 1999 بتأسيس إدارة «مركز الإدمان على الإنترنت» Center
for Online Addiction لبحث وعلاج هذه الظاهرة وقد أصدرت كتابين حولهذه الظاهرة هما «الوقوع في قبضة الإنترنت» Caught in the Netو«التورط في الشبكة» Tangled in the Web.
وكانت يونغ قد قامت في التسعينات بأول دراسة موثقة عن إدمان الإنترنت، شملت حوالي 500 مستخدم للإنترنت تركزت حول سلوكهم أثناء تصفحهم شبكة الإنترنت حيث أجاب المشاركون في الدراسة بنعم على السؤال الذي وجه لهم وهو: عندما تتوقف عن استخدام الإنترنت هل تعاني من أعراض الانقطاع كالاكتئاب والقلق وسوء المزاج؟
وقد جاء في نتائج هذه الدراسة أن المشمولين في الدراسة قضوا على الأقل
38 ساعة أسبوعيا على الإنترنت مقارنة بحوالي خمس ساعات فقط أسبوعياًلغير المدمنين.
كما أشارت الدراسة أن من يمكن وصفهم بمدمني الإنترنت لم يتصفحوا في الإنترنت من أجل الحصول على معلومات مفيدة لهم في أعمالهم أو دراساتهم وإنما من أجل الاتصال مع الآخرين والدردشة معهم عبر الإنترنت.
أنواع وأعراض الإدمان وتقسم «يونغ» إدمان الإنترنت إلى خمسة أنواع هي:
- إدمان الفضاء الجنسي أي مواقع الجنس الإباحية.
ـ إدمان العلاقات أي التي تتم عبر الفضاء المعلوماتي (علاقات قاعات الدردشة).
ـ إلزام الإنترنت (مثل المقامرة أو الشراء عبر الإنترنت).
- الإفراط ألمعلوماتي (مثل البحث عن المعلومات الزائدة عن الحد عبر الإنترنت).
ـ إدمان ألعاب الكومبيوتر الزائد عن الحد.
أما أعراض حالة إدمان الإنترنت فتشمل عناصر نفسية واجتماعية وجسدية تؤثر
على الحياة الاجتماعية والأسرية للفرد وقد أظهرت العديد من الدراسات أن تلك الأعراض النفسية والاجتماعية لإدمان الإنترنت تشمل الوحدة والإحباط والاكتئاب والقلق والتأخر عن العمل وحدوث مشكلات زوجية وفقدان للعلاقات الأسرية الاجتماعية مثل قضاء وقت كاف مع الأسرة والأصدقاء.
والأعراض الجسدية تشمل التعب والخمول والأرق والحرمان من النوم وآلام الظهر والرقبة والتهاب العينين.
وعلى وجه الخصوص فإن زيارة المواقع الإباحية يؤدي للإثارة الجنسية والكبت الجنسي وظهور العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية هذا بالإضافة لمخاطر الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الاتصال الحديثة وأيضاً تأثير المجالات المغناطيسية الصادرة عن الدوائر الالكترونية والكهربية.
أما عن تأثير استخدام الإنترنت الزائد عن الحد على الأطفال فقد أشار العديد
من الدراسات إلى أنه يؤدي للعزلة الاجتماعية أو اضطرا بات في النوم أو مشاكل دراسية واجتماعية وذلك كنتيجة لدخول الأبناء أو البنات ـ دون علم الوالدين ـ على المواقع الإباحية الممنوعة أو مواقع الدردشة أو توقفهم عن ممارسة أنشطة وهوايات أخرى كالقراءة وممارسة ألعاب رياضية أو حدوث نوبات غضب وعنف عند محاولة الوالدين وضع ضوابط لاستخدام الشبكة وهذا قد يؤدي بالبعض منهم للتحايل
علي الآباء للدخول على الشبكة وقضاء أوقات طويلة لممارسة ألعاب الكومبيوتر.
إشكالية إدمان الإنترنت تكمن في أن معظم مستخدمي الإنترنت لا يعرفون حدود
أو خطورة هذه الظاهرة وبالتالي فهم عُرضة لخطر الإدمان دون أن يشعروا بذلك. ولذا بدأت العديد من الجامعات ومراكز البحوث الأميريكية بتعريف وتوعية الأفراد والطلاب بطبيعة إدمان الانترنت من خلال عقد الندوات العلمية وتقديم المشورة على اعتبار أن إدمان الإنترنت لا يختلف عن غيره من أنواع الإدمان الأخرى.
حلول علاجية لحالات الإدمان على الإنترنت لمعالجة إدمان الإنترنت تقترح يونغعدداً من الإستراتيجيات السلوكية منها:
أولاً : ممارسة العكس Practice the opposite: ويتطلب تحديد نمط استخدام الفرد للإنترنت ثم محاولة كسر هذا الروتين أو العادة عن طريق تقديم أنشطة محايدة ومعتدلة بمعنى أنه إذا كان روتين الفرد يتضمن قضاء عطلة الأسبوع بأكملهاعلى الإنترنت فيمكن اقتراح أن يقضي الفرد مساء يوم السبت في القيام بأنشطة خارج المنزل.
ثانياً: وضع أهداف مسبقة Setting goals: فمن المفيد جداً وضع مخطط مسبق لجميع أيام الأسبوع بحيث يحدد بوضوح كم عدد الساعات المخصصة لاستخدام الإنترنت فعلى المدى البعيد يولد هذا السلوك لدى الفرد شعورا بقدرته على التحكم في استخدام الإنترنت.
ثالثاً: بطاقات للتذكرة Reminder cards: ينصح الفرد بكتابة الآثار السلبية للاستخدام المفرط للإنترنت على بطاقات كمشاكل في العمل مثلا وكذلك كتابة فوائد الحد من استخدام الإنترنت فحمل هذه البطاقات بشكل مستمر بهدف التذكرة يساعد الفرد على تجنب سوء استخدام الإنترنت.
رابعاً: استخدام ساعات التوقف Stop-watches: إذ تساعد هذه المنبهات في تذكير الفرد بموعد انتهاء وقت استخدام الإنترنت.
خامساً: عمل قائمة شخصية Personal inventory: عادةً ما يهمل مدمني الإنترنت جوانب كثيرة من حياتهم نظراً لقضاء أوقات طويلة على الإنترنت فوضع قائمة بهذه الأنشطة والاهتمامات المهملة يساعد على إحيائها مرة أخرى.
وجدير بالذكر في هذا الإطار الإشارة إلى دور عوامل إيجابية أخرى في العلاج كعامل
الثقافة والدين والقيم الاجتماعية والأخلاقية المتعارف عليها، والتي يجب مراعاتها والالتزام بها لكي يتجنب الفرد مخاطر إدمان الإنترنت الاجتماعية والنفسية والجسمية.
ولا يعني الحديث عن ظاهرة إدمان الإنترنت التوقف عن استخدامه أو تجاهل وجود هذه الظاهرة بل يعني العمل على ممارسة الاستخدام المعتدل والأمثل ووضع ضوابط وحدود لاستخدامه مع ضرورة وجود الرقابة الأسرية ومتابعة وتوجيه الآباء للأبناء عند استخدام الإنترنت.
إدمان الأطفال والمراهقين على الإنترنت صداقات وتفاعل اجتماعي مفقود في دراسة نشرت في مطلع شهر مايو (أيار) الحالي أجرتها منظمة «أنقذوا الأطفال» العالمية Save the Children على معلمي المرحلة الابتدائية في بريطانيا تبين أن تكنولوجيا الاتصال الحديثة خلقت جيلا من الأطفال يعاني من الوحدة وعدم القدرة علي تكوين صداقات.
وجاءت النتائج بعد استطلاع أجراه الباحثون على عينة من 100 معلم حيث أكد 70 %منهم أن قضاء أوقات طويلة ـ تصل لدرجة الإدمان ـ بشكل منفرد مع التكنولوجيا وبخاصة شبكة الإنترنت قد أثر سلباً على مهارات الأطفال الاجتماعية.
من جانبها أكدت لورنا ريدين مديرة تطوير المدارس لدى المنظمة أن البحث أظهر
أن استخدام قاعات الدردشة على الإنترنت وألعاب الكومبيوتر والهواتف الجوالة وغيرها من أنواع تكنولوجيا الاتصال الحديثة قد جعل من الصعب جداً على الأطفال التفاعل مع بعضهم البعض وبالتالي تدهورت مهاراتهم الاجتماعية الأمر الذي جعل البعض منهم يقومون بسلوكيات سيئة وغير اجتماعية بينما يلجأ البعض الآخر لاستخدام أسلوب الترهيب واستعراض القوة في التعامل مع أقرانهم بدلاً من التعايش معهم بشكل صحيح.
كما أشارت الدراسة الى أن تدهور قدرة الأطفال على اللعب وخلق صداقات مع أقرانهم في السنوات الأولى من عمرهم سيجعل من الصعب عليهم تكوين علاقات طويلة المدى مع زملاء العمل في المستقبل .
وتفاعلا مع هذه القضية فان منظمة «أنقذوا الأطفال» أقامت يومها السنوي تحت شعار «جمعة الصداقة» Friendship Friday في الخامس والعشرين من شهر مايو (أيار) الماضي وذلك بهدف توعية الجمهور بهذه المشكلة العالمية وتشجيع الأطفال على تقدير قيمة الصداقة والتغلب على مشاعر العزلة من خلال تقديم أنشطة واختبارات مختلفة لهم.
أصبح استخدام الشبكة العنكبوتية من قبل عدد متزايد من الأشخاص عادة خارج السيطرة وليست مجرد أمر ضروري للحياة. فإدمان الإنترنت سلوك مرضي قهري متصل ببعض استخداماته يعطّل الحياة الطبيعية ويسبب ضغوطا شديدة على الحياة الاجتماعية والعمل كما أنه يعتبر مشكلة نفسية وسلوكية عالمية.
منقول للفائذة