فول ومطر
ريح عاتية تهز بقوة أغصانا عارية. أفق رمادي ينذر بقدوم المطر. بيوت صفيح يتكئ بعضها على بعض. فوق تراب "الحـمري"أطفال حفاة، يركضون و يعدون،يلهون ويلعبون، يقفزون في كل ركن وزاوية. ينتظرون قطرات ماء. يترقبون هطولالغيث. يودون رؤية العجينة الطينية. يعشقون رائحتها. يحبون لمسها بأناملهم الصغيرةالودوعة. يفضلون العبث بها وصنع أشكالا وأشياء منها.
رجل في العقد الرابع من عمره. يلتففي معطف رث . ينتعل زوج حذاء تبدو من أمامه أصابع قدميه. فوق رأسه يضع قبعةمرتهلة لا تقيه من القر اي شيء. ببطء شديد يدفع عربة يدوية. يتوسطها قدر كبيرتطل من تحته ألسنة لهب متوهج. وتنبعث منه رائحة فول مسلوق. تنتشر الرائحة في الجووتمتزج برطوبة المكان لتسحب خلفها عددا من الصغار الذين يلحقون للتو بالعربة وهميرددون: طايب وهاري....عزيز على الدراري.
خيط فضي يربط الأرضبالسماء...المطر بدأ يتساقط... توقف لحظة عن المشي تم احتمى بسقف بيت مهجور.بالقرب منه عربته. شرع في عد الريالات، الواحد تلو الآخر، قبل أن يضعها في قماش خشنويعقد عليه بقوة. أدخل يديه في جيبي معطفه بحثا عن دفئ ينسيه لسعة الزمهرير. غفابعض الشيء ثم غط في نوم عميق.
استيقظ على صيحات صبية يتشاجرونفيما بينهم...المطر قد توقف كلية عن الهطول. جميع الدروب والأزقة تحولت إلى برك . واحدة هنا وأخرى هناك...أحس بأمعاءه تعتصر من شدة الجوع ولم يكن قد ذاقطعم الأكل منذ أن غادر مسكنه. دفع عربته إلى الأمام. وببطء شديد اتجه نحو مطعم شعبييقدم أطباقا تناسبه .
امر النادل بان يناوله طبق حساء فول عليه ملعقتين من زيت الزيتون تم كاس شاي بنكهة الا فسنتين. بعد دقائق معدودة اخذ يتناول بشراهة وجبته الغذائية. احس حينها كم هو الجوع خصم لدود يكاد يلقي بصاحبه الى التهلكة.
توجه بعد ذلك الى صندوق الاداء بمدخل المطعم.ادخل يده اليمنى في جيب معطفه لتلا مس اصابعه فراغا غير منتظر.احس بان الارض تدور من تحت رجليه.نظربعينين غائرتين في وجه الشخص الضخم الذي كان يمثل امامه ثم خر مغما عليه.
اسيقظ مرة اخرى لكن على صوت غليظ و خشن.كانت زوجته التي تانبه على غفلته ونومه وعناء يومه كله في تلك الريالات التي سرقت منهاثناء وجوده تحت سقف المبنى المهجور.