أمّا بعد
إن الله حرمنا من البصر ولكنه أعطانا عوضاً عنه بصيرة قد لا يجدها بعض الأفراد عندهم وهم يتمنون ان تتوفر لهم بصيرة وذكاء لدرجة معينة.
قد يظن البعض أن الإنسان الكفيف هو إنسان غير طبيعيا لا يستطيع القيام بواجباته اليومية فهو يكون خاطئ، المكفوفون هم الذين فقدوا بصرهم لأسباب عديدة قد يعود بعضها من الولادة ولربما بعضها الآخر لأسباب وراثية أو الفقدان بشكل تدريجي أو بحوادث طرق أدت بالنهاية بهم ان يحرموا من البصر وقبولهم لما كتب الله لهم.
- الفرق بين الكفيف والأعمى:
نقول أعمى البصر أي أن الإنسان ولد فاقد البصر ومنذ الولادة.
كفيف أي أنه ولد مبصراً ببصره المتكامل ولأسباب معينة خف نظره أو فقده.
ما نشعر به اليوم أن المجتمع العربي يحتاج لوعي كبير جدا، فهو جاهل بكيفية التعامل معنا، إن كان ذلك بالعلاقات او بكلامه الجارح وأحيانا حتى بتقديم المساعدة وهذا يعود لأسباب عديدة أهمها:
وسائل الإعلام العربية التي لا تحظى ببرامج تشرح من خلالها للمجتمع أهمية المعاملة مع المكفوفين، وأن الإنسان الكفيف هو إنسان طبيعي مثل أي إنسان يقوم بواجباته كأي إنسان مبصر، لكن هذه الوسائل غير مكلّفة بنقل وإعداد مثل هذه البرامج فهي قادرة ومستعدة لبث أغاني هيفاء وهبي وروبي وصور الفنانات وغيرها وما يزعج أكثر هو أن هذه الوسائل تعطي غالبية الوقت لهذه البرامج للأغاني ولا تقوم بالاهتمام بهذه الفئة من المجتمع، حتى إن الغالبية من أفراد المجتمع عندما يرون إنسان كفيف يمشي بالشارع فمنهم من يُسمعه كلام السخرية أو يُسمعوه كلام يدل على الشفقة والرحمة، فهم يتجلون بجهالتهم نحو الكفيف ولا يعرفون كيف يتصرفون معه لأنهم يعتبرونه غير طبيعيا، كما أن قضية الزواج تقف عقبة كبيرة أمام المكفوفين كنتيجة من جهل واضح من المجتمع، حيث إن الإنسان الكفيف بإمكانه أن يقوم بواجبات الحياة الزوجية ويدبر أموره مثل أي إنسان مبصراً وهذا يعود للقدرات التي منحنا الله إياها لنا عوضاً عن البصر، لكن ما يألم في جل الاحيان ان تكون فتاة موافقة على الارتباط بإنسان كفيف ولكن أهلها يقفون عثرة أمام تحقيق هدفهم، ويدعون أن بنتنا فتاة جميلة وحلوة وبإمكانها الارتباط بإنسان كامل كما يدعون، فبنتنا لا ينقصها أي عائق فليس لها الحق ان ترتبط بإنسان ناقص البصر، وهذا ما يعطي الضوء الأخصر للمجتمع أن يسلكوا طريق أمثالهم ويستمدون وجهة نظر متشابهة ومعممة، لكنهم ينسون في هذه الحالة جمال الروح التي يتمتع بها الانسان الكفيف ونصيبه الذي له طابع دينيا في ما حدده ربنا له، وينظرون فقط للبصر كمكمل أو حتى بداية الارتباط.
هل سألت يوما نفسك لو كنت أنت بنفس الوضعية وحرمك لله من نعمة البصر أو أخيك، فهل ستتصرف بنفس الأسلوب لو لم يكن عندك أو لأحد أقربائك مشكلة بالنظر؟
بالطبع لا: لأنك في هذه الحالة تنسى أن الله بإمكانه أخذ هذه النعمة منك ولكن إذا رأيت إنسان كفيف فستتجاهل أموره واحتياجاته لأنك لديك حاسة البصر ولم تفكر أنه من المحتمل في أي لحظة أن تتعرض لأي حدث معين.
لماذا هناك فرق شاسع بالمعاملة بين المجتمع الغربي واليهودي مع الكفيف وبين المجتمع العربي؟
إن مجتمعنا بطبيعته مجتمع يتأسس ويتبلور على أحاسيسه ومشاعره ويفتقد التفكير الموضوعي والعقلانية، لذلك فهو يُدخل مشاعر إن كانت شفقة أو رحمة في معاملته مع الكفيف، بينما المجتمع الغربي متطور أكثر من مجتمعنا وهذا يعود لعقلانيته وتفكيره الذي يخلو من المشاعر وعدم المساواة نحو الانسان الكفيف والتي يفتقدها مجتمعنا العربي.
لا بد أن يتساءل بعضكم عما هيئته الوسائل التي يستعملها الإنسان الكفيف في وصوله لدرجات عليا وللأكاديميات والجامعات، مع العلم أن هناك من يُنهي لقب الماجستير في مواضيع عديدة ولكن فرص العمل المتكافئة تكاد تنعدم، فقط إن نقصانهم هو البصر كما يرونه المجتمع فان حاسة البصر هي الحاسة الوحيدة التي تنجح وتسعد الانسان.
إن الثورة التكنولوجية التي هزت العالم لم تطل فقط المبصرين، فهي ما تزال تطول أيضا المكفوفين وضعفاء البصر، فنحن نستخدم حواسيب عادية تعمل على برامج مطورة تساعدنا في الوصول الى الهدف المطلوب وإن لم يكن كاملاً، كما إن التكنولوجيا هزت ايضا بمضمونها وجوهرها وخلفت وراءها أجهزة أخرى تساعد المكفوفين القراءة بواسطة طريقة برايل المعروفة مما يَسهُل علينا الوصول إلى الهدف أكثر، كما بإمكاننا الدخول إلى الإنترنت والتكيف به وبمواقعه المختلفة كأي إنسان مبصر، مما يصحح وينفي إيمان الأفراد بأن الكفيف غير قادر وغير واصل للتكنولوجيا العصرية.
التوقيع : مكفوف عربي .