قراءة أولية في سوسيولوجية بيير بورديو
يعد"بيير بورديو" (1930- 2002) من أهم علماء
الاجتماع في السنوات الأخيرة، لما قدم منإسهام وأفكار في البحث الاجتماعي
والنظرية الاجتماعية، ولما اتسمت به دراساتهمن سمات الأصالة والعمق،
ولاعتماد دراساته في مجملها على التجربةوالمعايشة أكثر من اعتمادها على
التأمل وغرفة المكتب
.
ويعبر بورديو عن مرحلةفي الفكر الاجتماعي
تتسم بالتفكير النقدي، والاهتمام بفاعلية نماذج الكشف عنالمعاني الذاتية
للأفكار، وتحليل إعادة الإنتاج الثقافي، وتحليلالممارسات الهادفة، وإعادة
الإنتاج في ميدان الرموز وتحليل البنياتالاجتماعية
.
ولقد طرح بورديو في إطارمشروعه الفكري عدد من التساؤلات، أهمها
:
1- كيف تتجدد البنيات؟
2- كيف تعاود إنتاجها؟
3- ما طبيعة نسقالعلاقات التي تنظم الموضوع محور الدراسة؟
وفي
سياقالإجابة على هذه التساؤلات، حاول بورديو التوفيق ما بين
الفينومولوجيا، والتي تؤكد وجودها في سبرأغوار المقاصد دون النظر إلى
جذورها الاجتماعية، والبنائية التي تمحو – فينظره- ذات الفرد كلية. ولقد
دارت أفكار بورديو الأساسية حول ثلاثة محاور
:
الأول: نسق المواقف
.
الثاني: الهابيتوس (الطابع الاجتماعي الثقافي أو الوسط المعيشي
).
الثالث: إعادة الإنتاجالاجتماعي
.
وهناك أربعة أسباب، جعلتبورديو يحظى بمكانة متميزة في مجال النظرية الاجتماعية، هي
:
1- أنه قدم إسهاماًملموساً في الجدل الدائر حول العلاقة بين البناء والفعل،
وهو الجدل الذي تجدد في أواخر السبعينيات وأوائلالتسعينيات من القرن
العشرين، باعتباره مسألة رئيسية من مسائل النظريةالاجتماعية
.
2- أن
بورديو– مقارنة بجيدنز
- انشغل بالعمل الإمبيريقي المنتظم، والتنظير
النقدي،وهذا الانشغال هو ما دفعه إلى إطلاق عبارته الشهيرة " النظرية بدون
بحثإمبيريقي خواء، والبحث الإمبيريقي بدون نظرية هراء
".
3- أنه كان باحثاًنشطاً، من خلال حياته المهنية وتساؤلاته الإبستمولوجية عن ماهية المعرفةالسوسيولوجية الملائمة
.
4- أن مؤلفات بورديوتثير القارئ وتدفعه إلي التفكير معه، وسواء اتفق القارئ
مع بورديو أو اختلف معه، فإن القارئ في النهايةهو الرابح، لأنه تعلم شئ من
بورديو
.
ولعل ما سبق يجعل منالأهمية تقديم هذه القراءة الأولية في بعض المفاهيم التي اعتمد عليها المشروعالفكري لبيير بورديو
.
1- مفهوم الممارسة
Practice
تهتم
نظريةالممارسة بإعادة الاعتبار للفاعل الاجتماعي، باعتبارها رد فعل على
النظريةالبنيوية، التي أهملت النظر إلى الإنسان، وجعلته خاضعاً للبناء
الاجتماعي،ونتاجاً له
.
ومفهوم الممارسة عندبورديو يركز على علاقة
الفاعل بالبناء الاجتماعي، وهى العلاقة التيتنتهي بأن يقوم الفاعلون
بإعادة إنتاج هذا البناء، وبمعنى واضح فإنبورديو يؤكد على أن الممارسة هي
الفعل الاجتماعي الذي يقوم فيه الفاعلونبالمشاركة في إنتاج البناء
الاجتماعي، وليس مجرد أداء أدوار بداخله
.
2- مفهوم رأس المال
Capital
لا
يخفىعلى الجميع أن كارل ماركس يعد من أهم العلماء الذين تحدثوا عن رأس
المال،وذلك من خلال كتابه الضخم رأس المال، وجاء بورديو من بعده ليحتل
أهميةمماثلة، نظراً لطرحه المعاصر لمفهوم رأس المال، وبمعنى مخالف نسبياً
لماطرحه كارل ماركس، فبورديو يذهب إلى أن رأس المال هو كل طاقة اجتماعية
يمتلكهاالفرد ويعتمد عليها في التميز والمنافسة. وربط بورديو بين رأس
المالوالمجالات الاجتماعية، وأشار أن كل مجال له شكل خاص من رأس المال،
ولذلكنجد بورديو يتحدث عن رأس المال الاقتصادي، ورأس المال الاجتماعي،
ورأسالمال الثقافي، ورأس المال الرمزي، وهذا الشكل الأخير هو الشكل الذي
تتخذهالأشكال السابقة عند إدراكها من قبل باقي أفراد المجتمع والاعتراف
بها
.
3- الهابيتوس
Habitus
يعد مفهوم الهابيتوس منأهم
المفاهيم التي اعتمد عليها بورديو، وأكثرها إثارة للجدل،منذ أن طرحه لأول
مرة في كتابه نظرية الممارسة، ويعبر هذا المفهوم عنمجوعة الميول والتصورات
التي يمتلكها الفاعل الاجتماعي، ولقد فسرالعلماء مفهوم الميول عند بورديو
على أنه يتضمن ثلاثة معاني، هي: المعنىالأول، ويشير إلى مجموعة النواتج
التي تتولد في موضع معين في البناءالاجتماعي، المعنى الثاني، يشير إلى
أسلوب في الوجود، أو الحالة التي يعتاد عليهاالإنسان، والمعنى الثالث،
يشير إلى أن الميول هي اتجاه أو نزوع أو رغبة
.
تشهد
العلوم الإجتماعية ولادةجديدة بمعنى أنها تشق طريقها نحو التخلي عن الأطر
والنظريات و الأنماط والتفاسير وتتجه نحو التساؤلعن معارفها وتعمل على
تطوير موضوعاتها وأدوات استدلالها وشروط إنتاجها فعلم الإجتماع الجديد يعمل
على التحرر من النظرياتالكبرى والأسماء الكبيرة ,دوركهايم ,فيبر,أوكست
كونت,سان سيمون ,كارل ماركس ,إذن فهو يبحث عنالتحرر من الأنساق المغلقة
والمناهج الأحادية 1 وبالتالي فالعلوم الاجتماعية تشهد ميلاد موضوع جديد
ليس بالضبط هو المجتمعإنما هو حقل العلاقات بين الفاعلين الإجتماعيين
معناه أن الفاعل حل محل المجتمع فالفاعل هو مسرحالعلوم الإجتماعية والسؤال
المستمر لما شكل مفهوما يقينيا وتابتا تم إخضاعه للمساءلة والمستبعد من
البناء الإجتماعي تم إعادتطرحه للنقاش هنا نجد الثورة الكوبيرنيكية التي
أعدتها سوسيولوجية بيير بورديو في حقل السوسيولوجيابإعادة هيكلة وإغناء
هدا الحقلبمفاهيم جديدة "مفهوم الحقل" "إعادةالإنتاج""الهابيتوس"الرأسمال
الثقافي""الرأسمال الرمزي""سوقالخيرات الرمزية
""
يتبنى بورديو منهجا علميا جديداومختلفا يشكل الحذر الإبيستيمولوجي بناءه الأساسي حيت يقول"أن التحليل الدقيقلمنطق الممارسة والمعنى العلمي هو وحده الذي يسمح من الانفلات من الأخطاء المتكررةدوما في علوم الإنسان خصوصا حين تختار إحدى النزعتين (النزعة الذاتية,النزعةالموضوعية)"2
في مقالنا لا ندعي الإحاطة والاستحضار لكل ما أنتجه بيير بورديو ولكن سنحاولالاقتراب من إحدى المفاهيم التي شكلت نواة نظريته في حقل سوسيولوجيا التربية وهولاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ومن هنا نطرح مجموعة من التساؤلات ما سوسيولوجيةالتربية عند بيير بورديو؟ كيف يرتبط مفهوم لاتكافؤ الفرص بإعادة الإنتاج ؟وما هيأهم المفاهيم المرتبطة بنظريته في التربية؟وما العلاقة الرابطة بين الرأسمالالثقافي والرمزي ولاتكافؤ الفرص؟كيف تتداخل هاته المفاهيم في إعادة إنتاج نفسالحظوظ ونفس الشرعية ونفس التعسفات ؟كيف يكون حقل التربية مجالا لنقل الشرعية وفينفس الآن مجالا لممارسة التعسف الثقافي ؟
العالم الإجتماعي بناء تتوزعه مجموعة من الحقول ،حقل التربية،حقل السياسة ,حقلالدين,حقل الإقتصاد,حقل الثقافة"يقسم بيير بورديو العالم الإجتماعي إلىمجموعة حقول مغلقة وذات نسبية وخصوصية محددة من أجل تسهيل الدراسة وجعلها أكتر دقة,ولفهم آليات كل حقل ووظائفه وطرق إشتغاله قبل إطلاق حكم ما على المجتمع ككل"3 فالحقول متعددة بتعدد المصالح وتضاربها في فضاءات من أجل انتزاع الشرعيةوآمتلاك السلطة والهيمنة وممارسة التعسف بطريقة يضمنها القانون نسبيا. فحقلالتربية بآعتباره: رهان لتضارب المصالح وتنازع السلط من أجل إعادة إنتاج المجتمع،فهو في حد ذاته يعيد إنتاج لا تكافؤ الفرص ,فبيير بورديو لا يفصل إلا نسبيا بينالحقل المدرسي(التربوي) والحقل السياسي ف"يربط بيير بورديو المدرسة كمكانلإقرار التدابير السياسية لطبقة المهيمنة ,ذلك أن المدرسة تمثل أداة لإنتاج وإعادةإنتاج نفس التدابير الثقافية التي تحدد تصنيفيا بتراتبية العلاقات الإجتماعية فلايمكن إذن أن نفترض الحياد المطلق لأنظمة التعليم إن الحديث عن العلاقة بين المدرسةوالطبقات المهيمنة ,يذهب بنا إلى ربط المدرسة بمصلحة تلك الطبقات في إعادة إنتاجبنية العلاقات داخل الطبقات, ودور السوسيولوجي في نضره هو التحليل بين الفاعلينداخل كل من الحقلين, المدرسي والسياسي, بمعنى: أن المدرسة أداة في يد الدولة والتيتخدم الأهداف الخفية والمصالح الطبقية "4
حين حاول بيير بورديو مع باسرون "فحص مسألة الطبقة الإجتماعية والإنتقاءالإجتماعي وحاول دراسة العلاقة الدينامية بين العمل التربوي وتعريفه أي أن:التربية بالمعنى الأوسع الذي يشمل أكتر من عملية التربية النظامية في المدارس وبينمعاودة الجماعات التي تؤلف الطبقات الإجتماعية "5
وعلى خلاف دوركهايم الذي يرى في التربية المركز المتميز لرصد الإجماع والحفاظ علىتماسك المجتمع من خلال تعريفه لتربية بأنها "هي الفعل الذي يمارسه جيلالراشدين على أولئك الدين لم ينضجوا بعد في الحياة الإجتماعية والغرض منها أن نثيروننمي لدى الطفل عدد معين من الحالات الجسدية الفعلية والأخلاقية التي يتطلبها منهالمجتمع بمجموعه والبنية الخاصة التي أعد لها"6
غير أن"مقاربة بيير بورديو لظاهرة التربوية تدخل في إطار السوسيولوجياالنقدية للتربية ,هدا الإتجاه الذي تشكل مند الستينات بسبب محاولات تفسيراللامساواة التربوية"7 فلمقاربة لاتكافؤ الفرص في الحقل التربوي وإعادة إنتاجنفس الحظوظ آنطلق بيير بورديو من مفهوم الرأسمال الثقافي حيت فرض هذاالأخير"نفسه بداية بأعمال بورديو كفرضية ضرورية للإلمام بانعدام المساواةالمدرسية للأطفال القادمين من مختلف الطبقات الإجتماعية وذلك بربط النجاح المدرسيبالرأسمال الثقافي بين الطبقات والفئات الإجتماعية"8
هذا الرأسمال الثقافي الذي يؤدي تباين امتلاكه إلى لا تكافؤ الفرص في التعليموإعادة الإنتاج يوجد مجسدا حسب بورديو في" ثلاث أشكال :
1. الحالة الملتحمة أو المجسدة l’étatincorporé
حيث يرتبط بالذات العضوية ومن كونها تفترض الإلتحام أو الإدماج ويتطلب هدا الأخيرليستثمر بكيفية شخصية من طرف المستثمر, بمعنى أساسي أن مقاييس الرأسمال الثقافييرتبط بمقياس أساسي هو الإدماج ولكن شريطة ألا يقلص هدا الوقت في مدة التمدرس وأنتأخذ بعين الإعتبار التربية العائلية الأولى التي لها قيمة إيجابية أو سلبيةوبالتالي يشكل الرأسمال الثقافي كيانا وخاصية وجزء لا يتجزأ من الشخص أي تطبعا habitus
2. الحالة المموضعة أو المشيئة l’étatobjectivé
يوجد على شكل أمتعة أو سلع ثقافية كاللوحات والكتب والموسوعات والقواميس ووسائلوآلات "إن هذا الرأسمال الثقافي المموضع يتميز بكونه ينقل من ماديته "9
3. الحالة المؤسساتية l’étatinstitutionnalisé
يوجد هذا الرأسمال على شكل طقوس وألقاب مدرسية كالشواهد والمباريات والإمتحانات...."لكون مفهوم الرأسمال الثقافي يقوم على عملية نقل من المجال الإقتصاديإلى المجال السوسيولوجي فإن مفهوم التطبع habitus
كما يبدوا لنا يتميز بخصوبة أكبر في المجالالذي يهمنا ويرجع الفضل إلى بيير بوردي والدي أعاد الإعتبار لمفهوم حاضر عند أرسطووطوماس الأكويني "10
1. كتركيب
لم نلم بكل الترابطات والتقاطعات بين الحقل التربوي كحقل لاستثمار رأسمال ثقافيورمزي وبين لا تكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ,بل كل ما سعينا إليه وهو الاقتراببلقطة فلاش من إسهام بورديو في حقل سوسيولوجية التربية من زاوية ضيقة جدا (وهيلاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج في المدرسة ) ووعينا منا بقصور هده المقالة فنحنواعين في نفس الآن أنها ستكون موجها للذي يطلع لأول مرة على بيير بورديو وبالتالينركز في تكتيف أهم النقط التي تطرقنا إليها
إسهام بيير بورديو في حقل التربية يندرجفي إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية والممارسة التربويةü
التربية كحقل ثقافي هي نقل لآستثماراتورهانات وتجاذبات وتقاطعات مع الحقل السياسي,والحقل التربوي أداة إيديولوجية منأدواة الدولة وهنا يبدو التأثر بالطرح الماركسي خاصة مع ألتوسير الذي ناقش فيكتابه الأجهزة الأيديولوجية للدولةü
حقل التربية بتناقضاته تجسيد للبناءالإجتماعي ككل بطبقاته الإجتماعية وبرهاناتهم وبقواعدهم وآستراتيجياتهم بحيث هناكمهيمن ومهيمن عليه,متعسف مالك لنموذج تربوي مثالي (الدولة)ومتعسف عليه (طبقةإجتماعية )ورهاناتهم الإجتماعية المتناقضة أحيانا وغالبا مع رهانات الدولة كرأسمالثقافي وسياسي ورمزي مهيمنü
الهوامش
• 1 الكتابة والسلطة والحداثة محمد شقرون ,كتاب الجيب منشورات الزمن,العدد 14الصفحة10_9
• 2 مرجع سابق الصفحة 18
• 3هاشم صالح حوار مع بيير بورديو مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 37 ص 67
• 4 سوسيولوجيا بيير بورديو بحث لنيل الإجازة في علم الإجتماع,تحت إشراف الأستادالحسن المجاهيد السنة الجامعية 2003_2002 جامعة القاضي عياض كلية الاداب والعلوم الإنسانية
• 5 محاضرات الاستادة يمينة ميري أمام طلبة علم الإجتماع ,السنة الجامعية2009_2010
• 6 محاضرات الأستادة خديجة الزاهي أمام طلبة علم الإجتماع السنة الجامعية2009_2010
• 7 الكتابة والسلطة والحداثة محمد شقرون كتاب الجيب منشورات الزمن العدد 14الصفحة 24
• 8 مرجع سابق الصفحة 26
• 9 مرجع سابق 27
تشهد العلوم الإجتماعية ولادة جديدة بمعنى أنها تشق طريقها نحو التخليعن الأطر والنظريات و الأنماط والتفاسير وتتجه نحو التساؤل عن معارفها وتعمل علىتطوير موضوعاتها وأدوات استدلالها وشروط إنتاجها فعلم الإجتماع الجديد يعمل علىالتحرر من النظريات الكبرى والأسماء الكبيرة ,دوركهايم ,فيبر,أوكست كونت,سان سيمون,كارل ماركس ,إذن فهو يبحث عن التحرر من الأنساق المغلقة والمناهج الأحادية 1وبالتالي فالعلوم الاجتماعية تشهد ميلاد موضوع جديد ليس بالضبط هو المجتمع إنما هوحقل العلاقات بين الفاعلين الإجتماعيين معناه أن الفاعل حل محل المجتمع فالفاعل هومسرح العلوم الإجتماعية والسؤال المستمر لما شكل مفهوما يقينيا وتابتا تم إخضاعهللمساءلة والمستبعد من البناء الإجتماعي تم إعادت طرحه للنقاش هنا نجد الثورةالكوبيرنيكية التي أعدتها سوسيولوجية بيير بورديو في حقل السوسيولوجيا بإعادةهيكلة وإغناء هدا الحقل بمفاهيم جديدة "مفهوم الحقل" "إعادةالإنتاج""الهابيتوس"الرأسمال الثقافي""الرأسمالالرمزي""سوق الخيرات الرمزية""
يتبنى بورديو منهجا علميا جديداومختلفا يشكل الحذر الإبيستيمولوجي بناءه الأساسي حيت يقول"أن التحليل الدقيقلمنطق الممارسة والمعنى العلمي هو وحده الذي يسمح من الانفلات من الأخطاء المتكررةدوما في علوم الإنسان خصوصا حين تختار إحدى النزعتين (النزعة الذاتية,النزعةالموضوعية)"2
في مقالنا لا ندعي الإحاطة والاستحضار لكل ما أنتجه بيير بورديو ولكن سنحاولالاقتراب من إحدى المفاهيم التي شكلت نواة نظريته في حقل سوسيولوجيا التربية وهولاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ومن هنا نطرح مجموعة من التساؤلات ما سوسيولوجيةالتربية عند بيير بورديو؟ كيف يرتبط مفهوم لاتكافؤ الفرص بإعادة الإنتاج ؟وما هيأهم المفاهيم المرتبطة بنظريته في التربية؟وما العلاقة الرابطة بين الرأسمالالثقافي والرمزي ولاتكافؤ الفرص؟كيف تتداخل هاته المفاهيم في إعادة إنتاج نفسالحظوظ ونفس الشرعية ونفس التعسفات ؟كيف يكون حقل التربية مجالا لنقل الشرعية وفينفس الآن مجالا لممارسة التعسف الثقافي ؟
العالم الإجتماعي بناء تتوزعه مجموعة من الحقول ،حقل التربية،حقل السياسة ,حقلالدين,حقل الإقتصاد,حقل الثقافة"يقسم بيير بورديو العالم الإجتماعي إلىمجموعة حقول مغلقة وذات نسبية وخصوصية محددة من أجل تسهيل الدراسة وجعلها أكتر دقة,ولفهم آليات كل حقل ووظائفه وطرق إشتغاله قبل إطلاق حكم ما على المجتمع ككل"3 فالحقول متعددة بتعدد المصالح وتضاربها في فضاءات من أجل انتزاع الشرعيةوآمتلاك السلطة والهيمنة وممارسة التعسف بطريقة يضمنها القانون نسبيا. فحقلالتربية بآعتباره: رهان لتضارب المصالح وتنازع السلط من أجل إعادة إنتاج المجتمع،فهو في حد ذاته يعيد إنتاج لا تكافؤ الفرص ,فبيير بورديو لا يفصل إلا نسبيا بينالحقل المدرسي(التربوي) والحقل السياسي ف"يربط بيير بورديو المدرسة كمكانلإقرار التدابير السياسية لطبقة المهيمنة ,ذلك أن المدرسة تمثل أداة لإنتاج وإعادةإنتاج نفس التدابير الثقافية التي تحدد تصنيفيا بتراتبية العلاقات الإجتماعية فلايمكن إذن أن نفترض الحياد المطلق لأنظمة التعليم إن الحديث عن العلاقة بين المدرسةوالطبقات المهيمنة ,يذهب بنا إلى ربط المدرسة بمصلحة تلك الطبقات في إعادة إنتاجبنية العلاقات داخل الطبقات, ودور السوسيولوجي في نضره هو التحليل بين الفاعلينداخل كل من الحقلين, المدرسي والسياسي, بمعنى: أن المدرسة أداة في يد الدولة والتيتخدم الأهداف الخفية والمصالح الطبقية "4
حين حاول بيير بورديو مع باسرون "فحص مسألة الطبقة الإجتماعية والإنتقاءالإجتماعي وحاول دراسة العلاقة الدينامية بين العمل التربوي وتعريفه أي أن:التربية بالمعنى الأوسع الذي يشمل أكتر من عملية التربية النظامية في المدارس وبينمعاودة الجماعات التي تؤلف الطبقات الإجتماعية "5
وعلى خلاف دوركهايم الذي يرى في التربية المركز المتميز لرصد الإجماع والحفاظ على تماسكالمجتمع من خلال تعريفه لتربية بأنها "هي الفعل الذي يمارسه جيل الراشدين علىأولئك الدين لم ينضجوا بعد في الحياة الإجتماعية والغرض منها أن نثير وننمي لدىالطفل عدد معين من الحالات الجسدية الفعلية والأخلاقية التي يتطلبها منه المجتمعبمجموعه والبنية الخاصة التي أعد لها"6
غير أن"مقاربة بيير بورديو لظاهرة التربوية تدخل في إطار السوسيولوجياالنقدية للتربية ,هدا الإتجاه الذي تشكل مند الستينات بسبب محاولات تفسيراللامساواة التربوية"7 فلمقاربة لاتكافؤ الفرص في الحقل التربوي وإعادة إنتاجنفس الحظوظ آنطلق بيير بورديو من مفهوم الرأسمال الثقافي حيت فرض هذاالأخير"نفسه بداية بأعمال بورديو كفرضية ضرورية للإلمام بانعدام المساواةالمدرسية للأطفال القادمين من مختلف الطبقات الإجتماعية وذلك بربط النجاح المدرسيبالرأسمال الثقافي بين الطبقات والفئات الإجتماعية"8
هذا الرأسمال الثقافي الذي يؤدي تباين امتلاكه إلى لا تكافؤ الفرص في التعليموإعادة الإنتاج يوجد مجسدا حسب بورديو في" ثلاث أشكال :
1. الحالة الملتحمة أو المجسدة l’étatincorporé
حيث يرتبط بالذات العضوية ومن كونها تفترض الإلتحام أو الإدماج ويتطلب هدا الأخيرليستثمر بكيفية شخصية من طرف المستثمر, بمعنى أساسي أن مقاييس الرأسمال الثقافييرتبط بمقياس أساسي هو الإدماج ولكن شريطة ألا يقلص هدا الوقت في مدة التمدرس وأنتأخذ بعين الإعتبار التربية العائلية الأولى التي لها قيمة إيجابية أو سلبيةوبالتالي يشكل الرأسمال الثقافي كيانا وخاصية وجزء لا يتجزأ من الشخص أي تطبعا habitus
2. الحالة المموضعة أو المشيئة l’étatobjectivé
يوجد على شكل أمتعة أو سلع ثقافية كاللوحات والكتب والموسوعات والقواميس ووسائلوآلات "إن هذا الرأسمال الثقافي المموضع يتميز بكونه ينقل من ماديته "9
3. الحالة المؤسساتية l’étatinstitutionnalisé
يوجد هذا الرأسمال على شكل طقوس وألقاب مدرسية كالشواهد والمباريات والإمتحانات...."لكون مفهوم الرأسمال الثقافي يقوم على عملية نقل من المجال الإقتصاديإلى المجال السوسيولوجي فإن مفهوم التطبع habitus
كما يبدوا لنا يتميز بخصوبة أكبر في المجالالذي يهمنا ويرجع الفضل إلى بيير بوردي والدي أعاد الإعتبار لمفهوم حاضر عند أرسطووطوماس الأكويني "10
1. كتركيب
لم نلم بكل الترابطات والتقاطعات بين الحقل التربوي كحقل لاستثمار رأسمال ثقافيورمزي وبين لا تكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج ,بل كل ما سعينا إليه وهو الاقتراببلقطة فلاش من إسهام بورديو في حقل سوسيولوجية التربية من زاوية ضيقة جدا (وهيلاتكافؤ الفرص وإعادة الإنتاج في المدرسة ) ووعينا منا بقصور هده المقالة فنحنواعين في نفس الآن أنها ستكون موجها للذي يطلع لأول مرة على بيير بورديو وبالتالينركز في تكتيف أهم النقط التي تطرقنا إليها
إسهام بيير بورديو في حقل التربية يندرجفي إطار السوسيولوجيا النقدية للتربية والممارسة التربويةü
التربية كحقل ثقافي هي نقل لآستثماراتورهانات وتجاذبات وتقاطعات مع الحقل السياسي,والحقل التربوي أداة إيديولوجية منأدواة الدولة وهنا يبدو التأثر بالطرح الماركسي خاصة مع ألتوسير الذي ناقش فيكتابه الأجهزة الأيديولوجية للدولةü
حقل التربية بتناقضاته تجسيد للبناءالإجتماعي ككل بطبقاته الإجتماعية وبرهاناتهم وبقواعدهم وآستراتيجياتهم بحيث هناكمهيمن ومهيمن عليه,متعسف مالك لنموذج تربوي مثالي (الدولة)ومتعسف عليه (طبقةإجتماعية )ورهاناتهم الإجتماعية المتناقضة أحيانا وغالبا مع رهانات الدولة كرأسمالثقافي وسياسي ورمزي مهيمنü