بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير المرسلين المبعوث بشيرا ونذيرا إلى العالمين
إمام النبيئين وقائد الغر المحجلين يوم الحساب والدين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
-إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق-
فما كانت رسالته عليه الصلاة والسلام إلا تربية وتعليما للمسلمين ، شملت توجاهاته مختلف الحياة
فإذا ما تتبعنا سنته عليه الصلاة والسلام نجدها قد تناولت أمورا كثيرة مما قد يحسبه الناس من صغائر الأمور ولا يعيرونها
كبير اهتمام، من ذلك ما يتعلق بآداب الطعام التي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقلها إلينا صحبته البررة
الكرام رضوان الله عليهم.
وهذه جملة من توجيهاته الشريفة صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالأكل وآداب تناوله
1 التسمية في بدئ الطعام والحمد في آخره
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
.سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك
وعن عائشة رضي الله عنها قالت
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أكل احدكم فليذكر اسم الله تعالى ، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله في أوله وفي آخره .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا.
وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه.
فالتسمية في بدئ الطعام إنما هي استحضار العبد لقوة ربه تعالى وأنه هو الغني والعباد إليه فقراء ، وأن هذا الطعام ماكان
العبد ليضعه في فيه إلا بقدرة الله سبحانه وتعالى ، ولذلك أوجب علينا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحمد الله على هذه
النعمة ، وهذا أدب ما وراءه أدب.
2 الأكل مما يلي الإنسان
عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال
كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله عليه الصلاة
والسلام
ياغلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه.
هذان حديثان يدلان على أمر قلما ينتبه إليه الناس ألا وهو الأكل من حافة الصحن أو القصعة ومما يلي الإنسان أي مايكون
أمامه من طعام ، وفي ذلك تأدب مع الغير ممن يشاطرونه الطعام ، فمن حسن الخلق ألا يمد الإنسان يده إلى حق غيره بل
يكتفي بسهمه من الطعام، كما أن الأكل من حافة القصعة أو الصحن مما يزيد البركة في الطعام.
3 الأكل بثلاث أصابع واستحباب لعق الأصابع بعد الأكل
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا أكل احدكم طعاما فلا يمسح أصابعه حتى يلعقها
وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها.
والعلة في الأكل بثلاث أصابع أن الأكل بإصبعين هو من فعل الشيطان الرجيم كما قال صلى الله عليه وسلم، أما الأكل
بأربع أصابع أو خمس كان من فعل الرعاع والغوغاء، لذا كان الاقتصار على ثلاث من باب الأليق ،أما لعق الأصابع فإن
فيه كما قالت العلماء فوائد تحصل للعبد نقتصر منها على ذكر اثنتين
اغتنام البركة كما قال صلى الله عليه وسلم - لا تدرون في أي طعامكم البركة -
وفي حديث آخر...ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه فإنه لا يدري في أي من طعامه البركة
الفائدة الثانية هي قتل التكبر في نقس العبد،فإن في لعق الأصابع تواضعا وذلا وكسرا للنفس واحتراما لنعم الله تعالى.
4 كراهية الأكل متئكأ
عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله وسلم
لا آكل متكئا
وعن أنس رضي الله عنه قال
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا مقعيا يأكل تمرا.
في هذين الحديثين إشارة إلى الهيأة التي ينبغي أن يكون عليها الآكل ، فكما جاء في حديث أنس عليه أن يكون مقعيا
والإقعاء هو أن يلصق الإنسان أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وهو جلوس الأنبياء وكان اكثر جلوسه عليه الصلاة والسلام
ولا يكون متكئا مائلا على جنبه كما كان يفعل الكفار والعجم
وقد ثبت علميا أن هذه الجلسة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أفضل هيأة ينبغي أن يكون عليها الإنسان
عند أكله حتى يستطيع الجهاز الهضمي أن يعمل على خير وجه ولا يشعر الإنسان بالتخمة والغثيان.
هذه أحبتي في الله آداب نبوية جليلة علينا مراعاتها والعمل بها إذ فيها فوائد جمة منها حسن الأدب مع الله عز وجل والتأدب
مع العبد .