نزول القرآن الكريم
والعناية به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً. والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد.
فإن موضوعات علوم القرآن الكريم كثيرة انتدب العلماء والباحثون أنفسهم لدرسها والعناية بها فألفت فيها المؤلفات، وصنفت الموسوعات، وأفردت بعض الموضوعات بالدراسة والتأليف لأهميتها ومسيس حاجتها لمزيد بحث وعمق في الدرس. ومن هذه الموضوعات موضوع "نزول القرآن الكريم" وهو موضوع واسع الجنبات متنوع المسائل إذ يشمل:
1 - مسألة تنزلات القرآن الكريم.
2 - ومسألة القول بتكرار بعض السور والآيات.
3 - ومسألة نزول القرآن الكريم على سبعة أحرف.
وإذا نظرنا إلى مكان وزمان النزول دخل فيه المكي والمدني، وإذا نظرنا إلى مناسبات النزول دخل فيه أسباب النزول. فشمل ذلك صفة نزول القرآن الكريم وعدد مراته ومكانه وزمانه وأسبابه.
وكل ذلك يحتاج إلى عمق في الدرس وسعة في الوقت، وفسحة في المجال وهو ما لا يسمح به وقت وتنظيم هذه الندوة المباركة: ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه. في طيبة الطيبة.
فرغبت عرض المسألة الأولى رجاء أن أوفق وأسدد في ذكر شيء مفيد في هذه المسألة وحتى لا تكون الكتابة تكراراً لعموميات لا جديد فيها. فتناولت مدلول النزول لغة. وأنواعه في القرآن الكريم والفرق بين الإنزال والتنزيل ومذاهب العلماء في تنزلات القرآن الكريم ووقت النزول ويومه وشهره ومدته ومقداره كل ذلك بالأدلة والمناقشة والأمثلة والله الموفق للحق والمعين على الخير.
أنواع: ملخص بحث: نزول القرآن الكريم
أشار البحث إلى معنى النزول لغة وأن مادة "نزل" وردت في القرآن الكريم مئتين وخمساً وتسعين مرة في أربعة وأربعين تصريفاً وأن لفظ النزول في القرآن الكريم ورد على ثلاثة
1 - نزول مقيد بأنه من الله جل وعلا. وهذا لم يرد إلا خاصاً بالقرآن الكريم كقوله تعالى: تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين(السجدة:2).
2 - نزول مقيد بأنه من السماء وهذا يشمل نزول الملائكة، ونزول العذاب ونزول المطر من السحاب. وغير ذلك كقوله تعالى: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها (الرعد:17).
3 - نزول مطلق عام لا يختص بنوع خاص كقوله تعالى: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد (الحديد:25).
وبين البحث أن هناك من فرق بين نزّل وأنزل. فجعل التنزيل للتكثير، والإنزال للمرة الواحدة. كما عرض البحث لمذاهب العلماء في تنزلات القرآن الكريم وأدلتهم، وأن أشهرها وأرجحها أن للقرآن الكريم تنزلان نزول جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وكان ذلك في ليلة القدر وهي الليلة المباركة من شهر رمضان. ونزول تنجيم على الرسول صلى الله عليه وسلم في نحو ثلاث وعشرين سنة. والقول الثاني أن للقرآن نزولاً واحداً هو النزول المباشر على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر وهي الليلة المباركة من شهر رمضان.
وذكر البحث أن أكثر نزول القرآن الكريم كان نهاراً حضراً وقد نزل يسير منه في السفر وقليل منه في الليل وأما يوم نزوله فكان يوم الاثنين لحديث أبي قتادة الأنصاري وفيه وسئل عن صوم يوم الاثنين، فقال: (ذاك يوم ولدت فيه ويوم بعثت - أو أنزل عليَّ فيه).
وأما شهره فقيل إنه في شهر ربيع الأول قيل في أوله وقيل في ثامنه سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، وقد جعله ابن القيم قول الأكثرين. وقيل في الثاني عشر منه. والمشهور أنه في رمضان قال ابن كثير: والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان كما نص على ذلك عبيد بن عمير وومحمد بن إسحاق وغيرهما. وكان نزوله مفرقاً: الآية والآيتان والخمس والعشر وأقل وأكثر كما نزل جزء آية، وسورة كاملة ونزلت سورتا المعوذتين معاً.
النزول في اللغة:
جاءت مادة "نزل" في اللغة بتصريفات كثيرة: نزل، وأنزل، وتنزل، ونزّل.. وغير ذلك. كما جاءت هذه المادة بكثرة في القرآن الكريم بتصريفاتها المختلفة حيث بلغت أربعة وأربعين تصريفاً في (295) آية. ( )
والنزول في الأصل: انحطاط من علو إلى سفل.( ) فيقال نزل فلان من الجبل، ونزل عن الدابة، ويطلق على الحلول فيقال: نزل فلان في المدينة أي حل بها، والإنزال: الإحلال، قال تعالى: رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين (سورة المؤمنون: 29).
ويتعدى فعل "نَزَل" اللازم: بالحرف كقولك: نزلت به نازلة. وبالهمزة، كقولك: أنزل الله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، كقولك: نزّل الله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.( )
والمنزل: موضع النزول، والمنزلة مثله، وهي أيضاً المكانة( )
والنُّزُل: ما يعد للنازل من الزاد. ( ) قال تعالى: فنزل من حميم (الواقعة: 92).
النزول في القرآن الكريم:ورد لفظ "النزول" في القرآن الكريم، على ثلاثة أنواع
)
النوع الأول: نزول مقيد بأنه من الله جل وعلا.
النوع الثاني: نزول مقيد بأنه من السماء.
النوع الثالث: نزول مطلق غير مقيد بهذا أو بذاك.
فالنوع الأول وهو المقيد بأنه من عند الله تعالى اختص بالقرآن الكريم فلم يرد إلا معه في آيات كثيرة، كقوله تعالى:
1. قل نزله روح القدس من ربك بالحق (النحل: 102).
2. تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم.( )
3. حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم (سورة غافر: 1،2)
4. حم . تنزيل من الرحمن الرحيم (فصلت: 1،2).
5. تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (السجدة: 2).
6. تنزيل من رب العالمين.( )
وهذا التنصيص بأنه من الله جل وعلا وتخصيص القرآن بذلك له دلائله: ففيه بيان أنه منزل من الله لا من مخلوق من مخلوقات الله. كما تقول بذلك بعض الطوائف. وفيه بيان بطلان القول بخلق القرآن. وبطلان القول بأنه فاض على نفس النبي صلى الله عليه وسلم من العقل الفعال أو غير ذلك من أقاويل أهل الكلام والفلسفة. ( )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مستدلاً بصريح الآيات السابقة: "فعلم أن القرآن العربي منزل من الله لا من الهواء، ولا من اللوح، ولا من جسم آخر، ولا من جبريل، ولا من محمد ولا غيرهما..".( )
واختيار مادة النزول وما تصرف منها للكلام عن مصدر القرآن الكريم فيه تشريف وتكريم لهذا الكتاب وبيان علو منزلته كما قال تعالى: حم. والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (الزخرف: 1-4)فالنزول لا يكون إلا من علو.
وأما النوع الثاني، وهو النزول المقيد بأنه من السماء. فيتناول نزول المطر من السحاب، ونزول العذاب، ونزول الملائكة من عند الله. وغير ذلك.
فقد ورد في آيات كثيرة ذكر إنزال الماء من السماء. كقوله تعالى:
1. وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم(البقرة: 22)
2. وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها (البقرة: 164)
3. وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء (الأنعام: 99)
4. أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها (الرعد: 17)
5. والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها (النحل: 65)وغيرها كثير.
والمراد بالسماء في هذه الآيات: السحاب أو مطلق العلو حيث فُسِّر في قوله تعالى: أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون (الواقعة: 69)فالسماء اسم جنس لكل ما علا وارتفع.
وجاء في إنزال العذاب من السماء قوله تعالى:
1. فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من العذاب بما كانوا يفسقون (البقرة: 59)
2. إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء (العنكبوت: 34)والرجز هو العذاب.
وقال تعالى: إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين (الشعراء: 4)
وفسرت "الآية" هنا بما عظم من الأمور القاهرة، أو ما ظهر من الدلائل الواضحة.( )
وقال تعالى في إنزال الملائكة من السماء: قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً (الإسراء: 95)
وكذا قوله تعالى: وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين (يس: 28)ففسر الجند هنا بالملائكة.( )
وأما النوع الثالث، وهو الإنزال المطلق فهو عام لا يختص بنوع خاص من الإنزال. من ذلك قوله سبحانه:
1 - وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس (الحديد: 25)فقد فسر قوله: وأنزلنا بجعلنا، وأظهرنا وخلقنا.( )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (... وجعل بعضهم نزول الحديد بمعنى الخلق لأنه أخرجه من المعادن وعلمهم صنعته. فإن الحديد إنما خلق من المعادن -ثم ربط هذا المعنى بأصل الإنزال لغة فقال -: والمعادن إنما تكون في الجبال فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبال لينتفع به بنو آدم)( )
وقد تبين لابن تيمية رحمه الله تعالى من استقرائه للآيات أنه ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف وأن هذا هو اللائق بالقرآن الكريم لأنه نزل بلغة العرب.( )
وقوله سبحانه: فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (الفتح: 26)
وقوله: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين (الفتح: 4)
وقوله: وأنزل جنوداً لم تروها (التوبة: 26)
وغيرها من الآيات، حيث لم يرد فيها تعيين المنزل منه. كما ورد في النوعين قبله، فهو إنزال مطلق يفسر بحسب السياق، أو بما ورد موضحاً له في مواضع أخرى.
الفرق بين الإنزال والتنزيل:ذهب إلى القول بالفرق بين اللفظتين جمع من اللغويين والمفسرين فهو قول الواحدي، والزمخشري، والراغب الأصفهاني، والسمين الحلبي، وابن الزبير الغرناطي، وغيرهم.( )
وذلك استدلالاً بالآيات التي فرقت بين اللفظتين حين ذكرت نزول الكتب السماوية وجمعت بينها، كقوله تعالى في سورة آل عمران: آلم . الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه . وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (آل عمران: 1-4)
ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة النساء: يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نَزَّل على رسوله . والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا (النساء: 136)
يقول الواحدي عند تفسيره لقوله تعالى في سورة آل عمران: نزل عليك الكتاب بالحق إنما قال "نزّل" وقال: وأنزل التوراة والإنجيل لأن التنزيل للتكثير، والقرآن نزل نجوماً، شيئاً بعد شيء، والتوراة والإنجيل نزلتا دفعة واحدة.( )
وقال الجرجاني في كتابه التعريفات مفرقاً بين اللفظتين: "الفرق بين الإنزال والتنزيل: الإنزال يستعمل في الدفعة، والتنزيل يستعمل في التدريج".( )
وقال الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى من سورة آل عمران: نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل: "فإن قلت: لم قيل: نزل الكتاب وأنزل التوراة والإنجيل؟ قلت: لأن القرآن نزل منجماً ونزل الكتابان جملة".( )
وقال الراغب الأصفهاني في مفرداته: "والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقاً ومرة بعد أخرى والإنزال عام". فمما ذكر فيه التنزيل قوله تعالى..: ونزلناه تنزيلا (الإسراء: 106)وقوله: إنا نحن نزلنا الذكر (الحجر: 9)...
وأما الإنزال فكقوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر (القدر:1)وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل لما روي أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل نجماً فنجماً".( )
وقال ابن الزبير الغرناطي في معرض حديثه عن آية سورة آل عمران السابقة: "إن لفظ نزّل يقتضي التكرار لأجل التضعيف.. فقوله تعالى: نزل عليك الكتاب مشير إلى تفصيل المنزل وتنجيمه بحسب الدعاوى وأنه لم ينزل دفعة واحدة، أما لفظ أنزل فلا يعطي ذلك إعطاء نزّل وإن كان محتملاً.." ( )
ومن هنا قيل: بأن بين اللفظتين فرقاً وأن التعبير القرآني عما نزل دفعة واحدة يأتي بلفظ "أنزل"، وما نزل مفرقاً منجماً يأتي بلفظ "نزّل" فاختلاف التعبير دال على اختلاف صفة التنزيل ولذلك لما جمع الله بين القرآن والتوراة والإنجيل في آية سورة آل عمران جاء مع القرآن لفظ نزَّل، ومع التوراة والإنجيل لفظ أنزل للدلالة على ذلك المعنى.
وقد رد أبو حيان القول بالتفريق بين نزّل وأنزل المبني على أن التضعيف في نزّل دليل على التكثير وا لتنجيم؛ من وجوه:
1 - أن التضعيف في نَزَّل مفيد لنقل الفعل من اللازم إلى المتعدي وليس للتكثير.
2 - أنه لو كان التضعيف في "نزّل" لإفادة التكثير والتنجيم لما جاء قوله تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة (الفرقان: 32) جامعاً بين التضعيف وقوله جملة واحدة وهما متنافيان في الدلالة.( )
3 - إن من أدلة عدم الفرق بين اللفظتين وأنهما بمعنى واحد؛ القراءة بالوجهين في كثير مما جاء كذلك. يقول أبو حيان: "ويدل على أنهما بمعنى واحد قراءة من قرأ ما كان من "ينزِّل" مشدداً؛ بالتخفيف - إلا ما استثني - فلو كان أحدهما يدل على التنجيم والآخر على النزول دفعة واحدة لتناقض الإخبار وهو محال".( )
ويؤيد هذا قراءة قوله تعالى: وقرآناً فرقناه بالتشديد فرَّقناه والتخفيف فَرَقْناه ( ) كما أنه قد جاء مع القرآن أنزل، قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر (النحل: 44)يقول سيبويه: "فعّل وأفعل يتعاقبان".
4 - مجيء "نزّل" المضعف في آيات كثيرة بحيث لا يراد منها إفادة التكثير والتنجيم إلا على تأويل متكلف وبعيد جداً كقوله تعالى: وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه (الأنعام: 37)وقوله: قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً (الإسراء: 95)فالمراد هنا مطلق الإنزال لا تكثير المنزل.( )
ومن أجل هذا ذهب بعضهم إلى جعل هذا التفريق غالباً في استعمال القرآن لا قاعدة مطردة محاولة للجمع بين القولين.( )
تنزلات القرآن الكريم
القول الأول:
أن للقرآن الكريم تنزلان نزول جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر المباركة من شهر رمضان الكريم، ونزول منجم على الرسول في نحو ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث من بعثته إلى وفاته عليه الصلاة والسلام. ( )
القائلون به:
قاله ابن عباس وجماعة وقال عنه الزركشي في البرهان: ( ) إنه أشهر وأصح وإليه ذهب الأكثرون ووصفه ابن حجر بأنه: الصحيح المعتمد( ) وقال ذلك عنه -أيضاً- القسطلاني في لطائف الإشارات. ( ) وذكر السيوطي أن القرطبي حكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. ( )
وحكاية الإجماع في ذلك لا تصح لوجود المخالف في ذلك وتعدد المذاهب فيه.( )
أدلته :
1 - قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر (القدر:1)وقوله سبحانه: إنا أنزلناه في ليلة مباركة (الدخان: 3)وقوله جل وعلا: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (البقرة: 185)
فقد دل ظاهر هذه الآيات الثلاث أن القرآن الكريم أنزل جملة في ليلة واحدة توصف بأنها مباركة من شهر رمضان. وهذا وصف مغاير لصفة نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنه من المعلوم المقطوع به أن القرآن نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً في نحو ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث.
فتعين أن يكون هذا النزول الذي دل عليه ظاهر الآيات نزولاً آخر غير النزول المباشر على النبي صلى الله عليه وسلم. جاءت الأخبار الصحيحة بتبيين مكانه وتوصيف نزوله وأنه جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وهذه الأخبار هي:
1 - قال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: حدثنا يزيد (يعني ابن هارون) عن داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس: قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. وقرأ: وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا (الإسراء: 106)( )
قال أبو عبيد: ولا أدري كيف قرأ يزيد في حديثه "فرقناه" مشددة أم لا؟ إلا أنه لا ينبغي أن تكون على هذا التفسير إلا بالتشديد "فرَّقناه".( )
2 - عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أنزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئاً أوحاه أو أن يحدث منه شيئاً أحدثه.( )
3 - عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض قال الله تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا (الفرقان: 32)( )
4 - عن حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلاً.( )
5 - وعن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان فجعل في بيت العزة.( )
6 - وعن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة جواب كلام الناس.( )
7 - عن الربيع بن أنس في قوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: أنزل الله القرآن جملة في ليلة القدر كله.( )
8 - وعن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة، في ليلة واحدة، في ليلة القدر إلى السماء الدنيا حتى رفع في بيت العزة.( )
9 - عن مقسم عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سأله عطيه بن الأسود فقال: إنه وقع في قلبي الشك في قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (البقرة: 185)وقوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر (القدر: 1) وقوله: إنا أنزلناه في ليلة مباركة (الدخان: 3) وقد أنزل في شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، وشهر ربيع الأول؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما-: إنه أنزل في رمضان، وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة؛ جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً( ) في الشهور والأيام.( )
10 - وعن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا جملة ثم أنزل نجوماً.( )
11 - وعن ابن عباس في قوله إنا أنزلناه في ليلة القدر قال أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم.( )
12 - عن حكيم بن جبير الأسدي عن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة من السماء العليا إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل مفصلاً.( )
13 - وعن إبراهيم النخعي في قوله عز وجل: إنا أنزلناه في ليلة مباركة قال: أنزل جملة على جبريل عليه السلام، وكان جبريل يجيء بعد إلى محمد صلى الله عليه وسلم.( )
ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث والآثار التي أخرجها الأئمة وصححوا بعضها، والتي يعضد بعضها بعضاً أنها وإن كانت موقوفة في جملتها على ابن عباس رضي الله عنهما فإن لها حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن قول الصحابي الذي لا يأخذ عن الإسرائيليات، فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس لن يقول ما قال من هذا التفصيل والتحديد بمحض رأيه ومن عند نفسه فهو إذاً محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه منه من الصحابة والصحابة كلهم عدول.
القول الثاني:
أن للقرآن نزولاً واحداً هو النزول المنجم على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ابتدئ إنزاله في ليلة القدر وهي الليلة المباركة من شهر رمضان.( )
القائلون به :
قاله الشعبي( ) ومحمد بن إسحاق( ) والنسفي.( )
وقد عدّ السخاوي في جمال القراء( ) الشعبي من القائلين بالقول الأول مع ابن عباس وابن جبير. ويؤيد هذا ما أخرجه الطبري في تفسيره عن الشعبي في قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا.( )
وهذا خلاف لما هو مشهور عن الشعبي في هذا، وما أخرجه الطبري عن الشعبي هنا معارض بما رواه عنه - أيضاً - في تفسيره من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي. أنه قال في قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: نزل أول القرآن في ليلة القدر.( )
وقد ذكر أبو شامة عن الشعبي رواية عدها قولاً رابعاً في معنى قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن فعن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن أما نزل عليه القرآن في سائر السنة إلا في شهر رمضان؟! قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمداً عليهما السلام بما ينزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان.( )
فالشعبي هنا نزّل عرضه وإحكامه في رمضان من كل سنة منزلة إنزاله فيه. وهو قول لا يعارض رأيه المشهور بأن المراد ابتداء نزول القرآن. ولذا قال أبو شامة "وإن ضم إلى ذلك كونه ابتداء نزوله في شهر رمضان ظهرت قوته"( ) -أي قوة القول ووجه ذكر شهر رمضان ظرفاً لإنزال القرآن - قال ابن حجر: (والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان بما ينزل به عليه في طوال السنة. كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح".( )
أدلته
)
1 - الواقع الفعلي لنزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه نزل منجماً مفرقاً حسب الحوادث والوقائع على نحو من ثلاث وعشرين سنة.
2 - قوله تعالى: وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا (الإسراء: 106)فصريح القرآن، وواقع نزوله يدل على تنجيمه وتفريقه.
3 - أن الآيات الثلاث الواردة في وصف نزول القرآن المراد بها ابتداء نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه ابتدأ نزوله في ليلة القدر من شهر رمضان وهي الليلة المباركة وفي هذا جمع بين هذه الآيات وقوله تعالى: وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث.
4 - أن ما جاء من الآثار الدالة على نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا وإن كانت صحيحة الإسناد فهي موقوفة على ابن عباس وغير متواترة. وهذه مسألة غيبية عقدية ولا يؤخذ في الغيبيات إلا بما تواتر يقيناً في الكتاب والسنة فصحة الإسناد لا تكفي وحدها لوجوب اعتقاده. فكيف وقد نطق القرآن بخلافه!.( )
القول الثالث:
أنه أنزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر في كل ليلة قدر ينزل ما يقدر الله إنزاله في كل السنة ثم نزل بعد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم منجماً مدة بعثته عليه الصلاة والسلام.
القائلون به :
قاله ابن جريج،( ) وأبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي،( ) ومقاتل بن حيان،( ) وقال بنحوه مقاتل بن سليمان.( )
ونسبه السيوطي للفخر الرازي( ) وهي نسبة غير محررة فقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره هذا القول وجعله محتملاً، وتوقف في الترجيح بينه وبين القول بنزوله جملة واحدة من اللوح المحفوظ ثم نزوله منجماً بعد ذلك. لكنه في موضع آخر وبعد صفحة واحدة رجح القول الثاني. فقال: "..التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة، ولهذا قال الله تعالى: نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل إذا ثبت هذا فنقول: لما كان المراد ههنا من قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن. نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا. لا جرم ذكره بلفظ الإنزال دون التنزيل وهذا يدل على أن هذا القول راجح على سائر الأقوال".( )
كما ينسب هذا القول في كثير من كتب علوم القرآن للماوردي( ) وهي نسبة غير محررة من حيث تحديد القول، وتعيين القائل. ( )
وهذا القول ضعيف قال عنه ابن حجر: "وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضاً"( ) وقال عنه القرطبي: "قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع "أن القرآن أنزل جملة واحدة"( ) وحكاية القرطبي للإجماع هنا غير مسلمة لما علمته من الأقوال في ذلك.
القول الرابع:
أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة. وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة.
وهذا القول هو ما ورد في تفسير الماوردي، وقد ذكره عن ابن عباس فهو رواية عن ابن عباس، وليس قولاً للماوردي، وعبارته في تفسيره: "قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر فيه وجهان: أحدهما: يعني جبريل، أنزله الله في ليلة القدر بما نزل به من الوحي. الثاني: يعني القرآن، وفيه قولان: أحدهما ما روي عن ابن عباس قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل في عشرين ليلة ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة. وكان ينزل على مواقع النجوم إرسالاً في الشهور والأيام( ) -ثم قال- القول الثاني: أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر. قال الشعبي"( ) وبهذا النص يتبين أنه قول مغاير لما قبله، وأنه رواية عن ابن عباس وليس قولاً للماوردي إلا أن يكون نسب إليه لأنه ذكره ولم يتعقبه. ولا يكفي هذا في جعله قولاً له ولذا كانت عبارة ابن حجر أدق وأصوب حين قال: "وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر، ثم ذكره وأعقبه بقوله عنه "وهذا -أيضاً- غريب"( ) ومثل ذلك عبارة أبي شامة حيث قال: "وذكر أبو الحسن الماوردي في تفسيره"( ) ثم أورده. وهو قـول مردود لأنـه ليس بين الله وجبريل واسطة في تلقي القرآن الكريم.
يقول ابن العربي متعقباً هذا القول: "ومن جهلة المفسرين أنهم قالوا: إن السفرة ألقته إلى جبريل في عشرين ليلة وألقاه جبريل إلى محمد - عليهما السلام - في عشرين سنة وهذا باطل، ليس بين جبريل وبين الله واسطة، ولا بين جبريل ومحمد صلى الله عليهما واسطة".( )
وقد نقل أبو شامة في المرشد الوجيز عن تفسير علي بن سهل النيسابوري عن جماعة من العلماء أن جبريل هو من أملاه على السفرة. قال: "قال جماعة من العلماء: تنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل عليه السلام، وغشى على أهل السماوات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: ماذا قال ربكم قالوا الحق (سبأ: 23)يعني القرآن وهو معنى قوله: حتى إذا فزع عن قلوبهم (سبأ: 23)فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة. يعني الملائكة وهو قوله تعالى: بأيدي سفرة كرام بررة (عبس: 15-16) ( )
وذهب إلى هذا المعنى من إملاء جبريل القرآن على السفرة علم الدين السخاوي في جمال القرآن في معرض حديثه عن حكمة إنزاله جملة فقال: "..وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة -عليهم السلام- وإنساخهم إياه، وتلاوتهم له"( ) فيكون قولاً خامساً.
وقد حاول ابن عقيلة المكي الإجابة عما تضمنه ذلك الخبر من عدم أخذ جبريل للقرآن من الله. فقال بعد أن ساق الخبر:
"..فهذا يقضي أن جبريل ما أخذه إلا عن السفرة. قلت: لا تنافي، لاحتمال أن جبريل -عليه السلام- سمعه من الله سبحانه وتعالى كما تقدم بصفة التجلي فعلمه جميعه ثم أمره الله أن يأخذه من اللوح المحفوظ فيضعه في بيت العزة عند السفرة، ثم أمر الله سبحانه وتعالى السفرة أن تنجمه على جبريل عليه السلام في عشرين ليلة لكل سنة ليلة وإنما كان التنجيم من السفرة على جبريل لما ذكره الحكيم الترمذي: إن سر وضع القرآن في السماء الدنيا ليدخل في حدها لأنه رحمة لأهلها. فأخذ جبريل عن السفرة إشارة إلى أنه صار مخصوصاً بهم فلا يؤخذ إلا عنهم..". ( )
وفي كون جبريل عليه السلام يأخذ القرآن إلى السفرة ثم يأخذه منهم؛ نظر. أي نظر في الصفة لا في الصلة. فإن صلة السفرة بالقرآن ظاهرة من قوله تعالى: في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة (عبس: 13-16).
الترجيح:
الاتفاق حاصل والإجماع قائم على صفة نزول القرآن الكريم المباشر على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه نزل منجماً مفرقاً من بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قرب وفاته ينزل أحياناً ابتداء بغير سبب وهو أكثر القرآن الكريم وأحياناً أخرى ينزل مرتبطاً بالأحداث والوقائع والأسباب.
وأما نزوله جملة فهو ظاهر القرآن في قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن وقوله: إنا أنزلناه في ليلة مباركة وقوله سبحانه: إنا أنزلناه في ليلة القدر فهو أنزل في ليلة اسمها ليلة القدر، وصفتها أنها مباركة، وشهرها شهر رمضان. وهو صريح الأخبار الواردة عن ابن عباس، والتي لها حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما دام أن النزول جملة لا يعارض صراحة النزول السابق، ولا يرتبط به من خلال تلك النصوص. بل هو نزول خاص، ووجود معين حيث القرآن الكريم كلام الله ومنزل من عند الله يتلقاه جبريل عليه السلام من الله بلا واسطة عند نزوله به على الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة.
وإن كان قد نزل به إلى بيت العزة فذلك نزول خاص. وأحد وجودات القرآن الكريم المتعددة. حيث يوجد القرآن الكريم في اللوح المحفوظ.( )
وقال تعالى: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون (الواقعة: 77-79)وقال سبحانه: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (الزخرف: 4).
ويوجد - أيضاً - في الصحف المطهرة الموجودة في أيدي الكرام البررة من الملائكة كما قال تعالى: كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة (عبس: 11-16)
ويوجد - كذلك - في بيت العزة من السماء الدنيا كما دلت على ذلك الأخبار عن ابن عباس. وجائز أن يكون الوجودان الأخيران مختلفين متغايرين وجائز أن يكونا وجوداً واحداً بأن يكون القرآن الكريم في تلك الصحف في بيت العزة وبأيدي أولئك الملائكة الكرام كما يوجد في الأرض بنزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم والنزول مقترن بما عدا الأول من الوجودات المذكورة.
يقول البيهقي - رحمه الله -: "وقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر يريد به والله أعلم إنا أسمعناه الملك، وأفهمناه إياه، وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلاً به من علو إلى سفل".( )
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بعد عرضٍ قرر فيه أن القرآن الكريم كلام الله منزل من عند الله كما هو صريح القرآن، قال: (فعلم أن القرآن العربي منزل من الله لا من الهواء، ولا من اللوح، ولا من جسم آخر، ولا من جبريل، ولا من محمد، ولا غيرهما، وإذا كان أهل الكتاب يعلمون ذلك( ) فمن لم يقر بذلك من هذه الأمة كان أهل الكتاب المقرون بذلك خيراً منه من هذا الوجه.
- ثم قال - (وهذا لا ينافي ما جاء عن ابن عباس وغيره من السلف في تفسير قوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر أنه أنزله إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزله بعد ذلك منجماً مفرقاً بحسب الحوادث. ولا يتنافى أنه مكتوب في اللوح المحفوظ قبل نزوله، كما قال تعالى: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ وقال تعالى: إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إ لا المطهرون وقال تعالى: كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة. وقال تعالى: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم. فإن كونه مكتوباً في اللوح المحفوظ وفي صحف مطهرة بأيدي الملائكة لا ينافي أن يكون جبريل نزل به من الله سواء كتبه الله قبل أن يرسل به جبريل أو بعد ذلك وإذ كان قد أنزله مكتوباً إلى بيت العزة جملة واحدة في ليلة القدر فقد كتبه كله قبل أن ينزله..).( )
فعلى هذا الوجه لا إشكال في القول بأن للقرآن تنزلين: نزول جملة، ونزول مفرق، ولا يترتب عليه محذور. وإنما يقع المحذور ويحصل الإشكال في القول بأن جبريل يأخذ القرآن من الكتاب أو من بيت العزة عند نزوله به على الرسول صلى الله عليه وسلم من دون سماع من الله تعالى. كما نقل أبو شامة عن الحكيم الترمذي - في معرض حديثه عن حكمة نزول القرآن جملة - قوله: "ثم أجرى من السماء الدنيا الآية بعد الآية عند نزول النوائب..".( )
أو كما قد يفهم من ظاهر بعض الآثار فمثل هذا القول، ومثل هذا الفهم للقول بأن للقرآن تنزلين؛ لا يصح. فهو أولاً لم يرد في تلك النصوص المفسرة والمفصلة لنزول القرآن جملة. وثانياً أنه يلزم منه أن جبريل عليه السلام لم يسمع القرآن من الله عز وجل وأن القرآن نزل من مخلوق لا من الله وهذا باطل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
"والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، وهو الذي نزل عليه به، وجبريل سمعه من الله تعالى، كما نص على ذلك أحمد وغيره من الأئمة. قال تعالى: قل نزله روح القدس من ربك بالحق فأخبر سبحانه أنه نزله روح القدس وهو الروح الأمين، وهو جبريل من الله بالحق.."( )
وذكر ابن تيمية عن أبي حامد الاسفرائيني قوله: مذهبي ومذهب الشافعي وفقهاء الأمصار أن القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال: مخلوق فهو كافر، والقرآن حمله جبريل مسموعاً من الله، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي نتلوه نحن بألسنتنا، وفيما بين الدفتين، وما في صدورنا: مسموعاً، ومكتوباً، ومحفوظاً.." ( )
"فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه سمعه منه جبريل، وبلغه عن الله إلى محمد، ومحمد سمعه من جبريل وبلغه إلى أمته، فهو كلام الله حيث سمع، وكتب، وقرئ، كما قال تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه"( )
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أيضاً (ومن قال إن جبريل أخذ القرآن من الكتاب لم يسمعه من الله كان هذا باطلاً من وجوه: منها أن يقال إن الله سبحانه وتعالى قد كتب التوراة لموسى بيده فبنو إسرائيل أخذوا كلام الله من الكتاب الذي كتبه هو سبحانه وتعالى فيه فإن كان محمد أخذه عن جبريل، وجبريل عن الكتاب كان بنو إسرائيل أعلى من محمد بدرجة.( )
وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هذا المعنى في موضع آخر موضحاً نزول القرآن الكريم من عند الله لا من شيء من مخلوقاته مستدلاً له ومبيناً لمعناه فقال: (.. وكذلك قد أخبر في غير موضع من القرآن أن القرآن نزل منه، وأنه نزل به جبريل منه.. قال تعالى: أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً، والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق (الأنعام: 114)قال تعالى: قل نزله روح القدس من ربك بالحق (النحل:102)وروح القدس هو جبريل كما قال في الآية الأخرى: نزل به الروح الأمين على قبلك (الشعراء: 193،194)وقال هنا: نزله روح القدس من ربك (النحل: 102)فبين أن جبريل نزله من الله لا من هواء، ولا من لوح، ولا غير ذلك، وكذلك سائر آيات القرآن كقوله: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم (الزمر: 1)
وقوله: حم . تنزيل من الرحمن الرحيم (غافر: 1،2)وقوله حم . تنزيل من الرحمن الرحيم (فصلت: 1،2)وقوله: آلـم . تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (السجدة: 1،2)وقوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (المائدة: 67)
فقد بين في غير موضع أنه منزل من الله. فمن قال إنه منزل من بعض المخلوقات كاللوح، والهواء فهو مفتر على الله، مكذب لكتاب الله، متبع لغير سبيل المؤمنين، ألا ترى أن الله فرق بين ما نزل منه وما نزله من بعض المخلوقات كالمطر بأن قال: أنزل من السماء ماء (البقرة: 22)فذكر المطر في غير موضع وأخبر أنه نزله من السماء، والقرآن أخبر أنه منزل منه.. ثم قال:
ولو كان جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ لكان اليهود أكرم على الله من أمة محمد لأنه قد ثبت بالنقل الصحيح أن الله كتب لموسى التوراة بيده وأنزلها مكتوبة. فيكون بنو إسرائيل قد قرأوا الألواح التي كتبها الله. وأما المسلمون فأخذوه عن محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد أخذه عن جبريل، وجبريل عن اللوح. فيكون بنو إسرائيل بمنزلة جبريل، وتكون منزلة بني إسرائيل أرفع من منزلة محمد صلى الله عليه وسلم على قول هؤلاء الجهمية.
والله سبحانه جعل من فضائل أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه أنزل عليهم كتاباً لا يغسله الماء وأنه أنزله عليهم تلاوة لا كتابة وفرقه فيهم لأجل ذلك، فقال: وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا (الإسراء: 106)وقال تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا (الفرقان: 32)ثم إن كان جبريل لم يسمعه من الله وإنما وجده مكتوباً كانت العبارة عبارة جبريل، وكان الكلام كلام جبريل ترجم به عن الله كما يترجم عن الأخرس الذي كتب كلاماً ولم يقدر أن يتكلم به، وهذا خلاف دين المسلمين).( )
فقد جعل شيخ الإسلام ابن تيمية القول بأخذ جبريل للقرآن من اللوح المحفوظ أو غيره تفريعاً للقول بخلق القرآن( ) وصرح بذلك الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في رسالته: "الجواب الواضح المستقيم في التحقيق في كيفية إنزال القرآن الكريم" وبسطه في معرض رده على قول السيوطي بأن جبريل عليه السلام أخذ القرآن من اللوح المحفوظ وجاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم( ) فقال:
"هذه المقالة اغتر بها كثير من الجهلة وراجت عليهم، والسيوطي -رحمه الله- مع طول باعه، وسعة اطلاعه، وكثرة مؤلفاته؛ ليس من يعتمد عليه في مثل هذه الأصول العظيمة. وهذه المقالة مبنية على أصل فاسد وهو القول بخلق القرآن وهذه مقالة الجهمية والمعتزلة ومن نحى نحوهم وهذه المقالة الخاطئة حقيقتها إنكار أن يكون الله متكلماً حقيقة.. ثم - قال -
والقائلون بخلق القرآن منهم من يقول خلقه في اللوح المحفوظ وأخذ جبريل ذلك المخلوق من اللوح وجاء به إلى محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول خلقه في جبريل، ومنهم من يقول خلقه في محمد صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من أقوالهم) ( ) فهذا ما ينتهي إليه هذا القول ويؤول إليه وإن لم يكن كثير من الناقلين له يقصدونه.
ثم أبان الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - مذهب أهل السنة فقال: "فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة قاطبة أن الله تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء، ومتى شاء، وكيف شاء، وأن جبريل عليه السلام، سمع القرآن الكريم من الله تعالى وبلغه محمد صلى الله عليه وسلم).( )
ومن تمام الترجيح توجيه أدلة القول الآخر أو الرد عليها. فيجاب على أدلة القول الثاني - على سبيل الإيجاز - بما يلي:
1 - أن صفة نزول القرآن المباشر على الرسول صلى الله عليه وسلم وكونه نزل عليه مفرقاً، وكونه صريح قوله تعالى: وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث هو محل إجماع ولا خلاف حوله ولا يعارض النزول جملة.
2 - القول بأن المراد بالآيات الثلاث من سور البقرة، والدخان، والقدر، هو ابتداء النزول؛ هو صرف لها عن ظاهرها بغير صارف ويجعلها تحتاج إلى تقدير محذوف. فقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر أي ابتدأنا إنزاله. وهو يقتضي حمل القرآن على أن المراد به بعض أجزائه وأقسامه( ) فقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر أي أنزلنا بعضه.
3 - أن القول بأن المسألة عقدية لا بد لها من أدلة متواترة قطعية الثبوت لإفادة العلم اليقيني ولا يكفي فيها الآثار الموقوفة؛ قول غير مسلم. واستبعاد الاستدلال بأحاديث الآحاد على العقائد غير صحيح فالعبرة بصحة الحديث فمتى صح الحديث احتج به سواء كان آحاداً أم متواتراً وسواء كان في الأحكام أم العقائد.( )
وبهذا اتضح أن القول الأول أرجح وأن للقرآن نزول جملة ونزول تفريق يتلخص ذلك بما يلي:
1 - أنه ظاهر الآيات الثلاث في سور البقرة، والدخان، والقدر.
2 - أنه صريح الآثار الواردة عن ابن عباس، والتي لها حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
3 - عدم معارضته للقول الثاني مع توجيه أدلة هذا القول والرد عليها.
4 - ضعف الأقوال الأخرى.
5 - انتفاء المحذور العقدي بالتصريح بسماع جبريل للقرآن من الله عز وجل دون واسطة.
6 - شهرة القول وكثرة القائلين به، والمصححين له، حتى حكى القرطبي الإجماع عليه.
حكمة نزول القرآن الكريم جملة:التمست بعض الحكم لنزول القرآن جملة إلى السماء الدنيا فقيل:
إن فيه تفخيم شأن المنزل وهو القرآن الكريم، وتعظيم قدر من سوف ينزل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكريم من سوف ينزل إليهم وهم المسلمون. وذلك بإعلام سكان السموات بأن هذا القرآن آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسل لأشرف الأمم.( )
يقول السخاوي في جمال القراء:
"فإن قيل: ما في إنزاله جملة إلى سماء الدنيا؟ قلت: في ذلك تكريم بني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهم، ورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفاً من الملائكة لما أنزل سورة الأنعام أن تزفها.( )
وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة - عليهم السلام - وانساخهم إياه، وتلاوتهم له وفيه أيضاً إعلام عباده من الملائكة وغيرهم أنه علام الغيوب لا يغرب عنه شيء إذ كان في هذا الكتاب العزيز ذكر الأشياء قبل وقوعها".( )
وفيه من الحكم أيضاً تفضيل القرآن الكريم على غيره من الكتب السماوية الأخرى وذلك بأن جمع الله له النزولين جملة واحدة، والنزول مفرقاً وبذلك شارك الكتب السابقة في صفة وتميز عنها في الصفة الثانية. سواء قيل بنزول الكتب السابقة جملة أو مفرقة، ففي اجتماع الصفتين تميز للقرآن الكريم، ولمن نزل عليه، ولمن نزل إليهم.
يقول السخاوي: "وفيه أيضاً التسوية بينه وبين موسى عليه السلام في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وسلم في إنزاله عليه منجماً ليحفظه. قال الله عز وجل: كذلك لنثبت به فؤادك (الفرقان: 32)وقال عز وجل: سنقرئك فلا تنسى (الأعلى: 6)"( )
وقت نزول القرآن الكريم:أكثر نزول القرآن الكريم نهاراً حضراً، وقد نزل يسير منه في السفر وقليل منه في الليل، وقد تتبع العلماء ذلك فذكروا ما وقفوا عليه منه، فمن ذلك:
ما نزل في الثلاثة الذين خلفوا في قوله تعالى: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار.. (التوبة: 118) ففي الصحيح من حديث كعب: فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل.( )
ومنه سورة "المنافقون" فقد أخرج الترمذي عن زيد بن أرقم أنها نزلت ليلاً في غزوة تبوك.( ) وذكر ابن إسحاق أنها نزلت في غزوة بني المصطلق.( )
ومنه سورتا المعوذتين فعن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت الليلة آيات لم يرَ مثلهن: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس".( )
ومنه قوله تعالى في سورة المائدة (67): والله يعصمك من الناس فعن عائشة -رضي الله عنها - قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله"( )
قال ابن عقيلة: وكان ذلك في غزوة ذات الرقاع.( ) وأخرج الطبراني عن عصمة بن مالك الخطمي قال: كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت. فترك الحرس.( ) فدلت هاتان الروايتان أنها نزلت في السفر ليلاً.
وقد ذكر أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري (ت406) في كتابه التنبيه على فضل علوم القرآن من وجوه شرف علوم القرآن؛ معرفة تفصيل نزول القرآن الكريم زماناً، ومكاناً، وأوصافاً. فقال:
"من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته، وترتيب ما نزل بمكة والمدنية، وما نزل بمكة وحكمه مدني، وما نزل بالمدينة وحكمه مكي، وما نزل بمكة في أهل المدينة، وما نزل بالمدينة في أهل مكة، وما يشبه نزول المكي في المدني، وما يشبه نزول المدني في المكي، وما نزل بالجحفة، وما نزل ببيت المقدس، وما نزل بالطائف، وما نزل بالحديبية، وما نزل ليلاً، وما نزل نهاراً، وما نزل مشيعاً، وما نزل مفرداً، والآيات المدنيات، وما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدينة إلى مكة، وما حمل من المدينة إلى الحبشة، وما نزل مجملاً، وما نزل مفسراً، وما اختلف فيه فقال بعضهم: مدني، وقال بعضهم: مكي، فهذه خمسة وعشرون وجهاً من لم يعرفها، ويميز بينها، لم يحل له أن يتكلم في كتاب الله تعالى".( )
وقد فسرت وفصلت هذه الأنواع مع التمثيل لها بما وردت به الروايات في البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي، والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي مما لا حاجة معه لزيادة الكلام في بسطه ونقله.( )
وما ذكره النيسابوري هنا من وجوب معرفة هذه الأنواع والتمييز بينها وجعل ذلك شرطاً للتفسير لا يسلَّم له وفيه نظر. فليس كله مما له أثر في التفسير.
م