عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وذهب إلى المدينة ومن المدينة إلى بيت المقدس وفي بيت المقدس صلَّى بالأنبياء كلِّهم وصعد إلى السموات السبع سماء وراء سماء وفي كل سماء يسلِّم على الملائكة الموجودين فيها ويكلمهم وذهب بعد ذلك إلى الجنَّة ورأي ما فيها والنار واطلع على ما فيها كما قال ربُّ الكُلِّ {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} ما مقدار هذه المسافات؟ لا نقدر أن نحسبها عن ابن مسعود قال: " ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام[1] صعد كل هذا ورجع وفراشه ساخن لم يبرد بعد أخذ كل هذه الرحلة في دقائق معدودة من أجل أن يعرفنا الله أنه جعل لحبيبه ومصطفاه خصائص وأنوار يطلع بها على العوالم العلوية والعوالم الجنانيَّة بأمر ربِّ البريَّة
وعندما نتمعن القرآن نجده يوضِّح حقائق غريبة ويقول له الله في هذه الرحلة {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}أي اسألهم جميعاً عما حدث معهم أي أن كل واحد كان له جلسة لرسول الله فجلس مع كل واحد وسأله عن أمته وأحوالهم وعاد وفراشه مازال دافئاً أجلي لنا الله هذه الحادثة لنعرف أنه بربِّه سميعٌ بصير {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سميع بسمع الله وبصير بإبصار الله ويري بالنور الذي جعله له مولاه فلماذا يطلع علينا كل ليلة؟ لأنه إما يشهد لنا وإما يشهد علينا أجمعين صلى الله عليه وسلم إذاً مهمته معنا لم تنتهِ وإنما هي ممتدة في الدنيا ويوم الدنيا كل ليلة يصعد له تقرير لنعرف أن كلَّ ما نقوله يطلع عليه ويسمعه في آخر الليل فليراقب كلٌّ منا الله فيما يطلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يري ويكتب التقرير
وعندما يحس الإنسان أنه أخطأ ويريد أن يتوب فيكتب طلباً إلى علام الغيوب ويقول: تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعلي ما قلت وعزمت على أنني لا أعود إلى المعاصي أبداً ثم يكتب طلباً آخر ويقول: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأي طلب من أجل أن يقبله الله لابد النبي يوقع عليه وإذا لم يوقع عليه ويرفعه لا يقبله الله {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ - والذي يستغفر الله هل يكفي؟ لا - وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً}
واحد من أصحابه صلى الله عليه وسلم الجماعة اليهود دعوا رسول الله ليحل مشكلة بينهم فأخذوه وأجلسوه أمام بيت كبير وكان معه سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر واتفقوا اليهود مع بعضهم أن يرفعوا حجراً كبيراً ويصعدوا إلى سطح المنزل ويسقطوه عليه وقالوا: نقول قضاء وقدر ولم يفطنوا إلى أن الوحي ينزل عليه فنزل سيدنا جبريل وأبلغه بذلك فقام سيدنا رسول الله وترك المجلس وقام خلفه سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر فقالوا له: يا رسول الله لماذا قمت؟ فحكي لهم ما دبَّروه أولاد القردة والنسانيس فتجمع المسلمون وذهبوا إلى هناك وكان هناك رجل من المسلمين - هو سيدنا أبو لبابة رضي الله عنه - وكان مصاحباً لليهود قبل الإسلام فسألوه وقالوا له: ماذا يريد أن يفعل المسلمون؟ وهو لا يريد أن يتكلم - فأشار بإصبعه على رقبته يعني سوف يذبحونكم وعندما أشار بإصبعه قال في نفسه: لقد خُنْتُ الله ورسوله وأبحتُ السرَّ وتوجه إلى المسجد وربط نفسه في أحد أعمدته وجلس يبكي ويندم ويقول: سأظل هكذا إلى أن يتوب الله علىَّ ويبلّغ النَّبِيَّ بالتوبة فأخبروا بذلك رسول الله فقال (أما إنه لو أتاني لاستغفرت له وأمّا إذْ فعل ما فعل فلا أطلقه حتى يطلقه الله تعالى )[2] أي لماذا أتعب نفسه وفعل بنفسه ذلك؟ فقالوا استغفر له يا رسول الله فقال: طالما اختار هذا الطريق يظلُّ كما هو إلى أن يتوب الله عليه لِمَ ذهب وربط نفسه؟ لمَِ لَمْ يأتِ إلىَّ فأستغفر له الله فيغفر له الله
{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ما الذنب الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم - مع أنه معصوم من الخطأ - وحتي لو ظن بعض الناس أن له ذنباً فحتي يريحنا الله من هذا الاعتقاد والرسول معصوم ولا يرد على خاطره الذنب ونحن يرد على خاطرنا الذنب لكن الله يحفظنا لأن الحفظ للأولياء ولكن الأنبياء لا يرد الذنب حتي على بالهم وحتي لا نظن الذنوب قال له {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ليعرفنا بأن استغفاره لذنوبنا من كانوا معه في حياته وذنوبنا نحن الذين تأخرنا عنه فقد استغفر لنا ليغفر لنا الله فهذا فتحٌ فتحه الله له فإذا استغفر للمؤمنين في زمانه يغفر لهم الله وإذا استغفر للمؤمنين المتأخرين مثلنا عن زمانه أيضا يغفر الله لهم والذي لم يستغفر له يشفع له يوم القيامة
فرسول الله صلى الله عليه وسلم شاهدٌ على أعمالنا لماذا؟ من أجل أن نستغفر الله ويستغفر الله لنا ومن أجل أن يكتب التقرير إلى الله ولذلك قال لنا الله عندما نعمل نلاحظ قول الله {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}هو ورسوله وسيري هذه في المستقبل فالعبرة هنا أن الرسول مُطَّلِعٌ وشاهدٌ علينا وعلي ما نعمله وإذا أنهي الواحد منا مدته في الدنيا ويريدون أن يستخرجوا له شهادته من الذي يعتمد هذه الشهادة؟ حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم فهو {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}وهو الخاتم الذي يختم به ربُّ العالمين على أعمال النبيين وأعمال المؤمنين من بدء الدنيا إلى يوم الدين والذي يأخذ خاتم رسول الله يا هناه ويا سعده عند مولاه وينال مناه يوم خروجه من هذه الدنيا فهناك قوم وهم خارجون من هنا يسلمهم الشهادة الملائكة {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} قال النبي صلى الله عليه وسلم يأتون إليه ويقولون له (أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكِ هٰذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ) (وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبَ غَيْرِ غَضْبَان )[3]
والمتفوقون يأتي إليهم رئيس ملائكة الموت عزرائيل بنفسه من أجل أن يسلمهم الشهادة والذين اصطفاهم الله وطهَّرهم واجتباهم يأخذون الشهادة من يد الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه فيستقبل الرجل منهم عند خروج روحه ويسلمه الشهادة بنفسه واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم توفَّي في زمن سيدنا عمر بن الخطاب وكان اسمه الربيع بن خراش رضي الله عنه ومات وغطُّوه وخرجوا لتجهيز الكفن والمدفن وغير ذلك وبعد انتهائهم إذا به يرفع الغطاء ويجلس ويقول: يا إخواتى عجِّلوا غسلي وتكفيني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حضر للصلاة علىَّ أي جاء ليسلمني الشهادة ويصلِّي علىَّ بنفسه فذهبوا وقالوا هذا الكلام للسيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يَتَكَلَّمُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي بَعْدَ الْمَوْتِ ) [4]
وهذا يعرفنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقبل المصطفين الأخيار بذاته ويسلمهم الشهادة ويصلي عليهم لأن ربنا قال له { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ }وهل هذا لمن في زمانه فقط؟ وما ذنبنا نحن؟ لماذا لا يصلِّى علينا مع هذه الآية؟ إنه يصلي على الكُلِّ وعلي المبرزين الصالحين والذين شهد لهم وأصلح الله أعمالهم وأبرز لهم من خزانة القدرة شهادة مكتوب عليها بمداد القدرة {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} والله قال له {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} هذه هي الوظيفة تبشرهم أنت بنفسك بالجنة وبفضل الله فيارب لك الحمد ولك الشكر على أن جعلتنا من أمة الحبيب المصطفي وعلي أن خصصتنا بالصفا والوفا
[1] الراوي: - المحدث: ابن عثيمين المصدر مجموع فتاوى ابن عثيمين الصفحة أو الرقم 1125/10 [2] بدائع الفوائد لابن القيم الجوزيه وتفسير القرطبي والدرر في المغزى والسير لابن عبد البر القرطبي[3] الأول عن البراء بن عازب جامع المسانيد والمراسيل والثانى سنن ابن ماجه [4] سير أعلام النبلاء وحلية الأولياء ودلائل النبوة وفيها زيادة ( من خيار التابعين) ومن عاش بعد الموت لإبن أبى الدنيا في قصة والربيع أخي ربعي بن خراش
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منقول من كتاب [الكمالات المحمدية]