oumelbanine guercif
عزيزي الزائر اهلا بك في اسرة منتديات oumelbanine2011هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل يتوجب عليك التسجيل لتتمكن من رؤية روابط التحميل والمساهمة في المنتدى - تفضل لتنشر ما تعرف وتساعد غيرك لنرقى بتعليمنا الى الافضل.
تفضل ولا تتردد.
oumelbanine guercif
عزيزي الزائر اهلا بك في اسرة منتديات oumelbanine2011هذه الرسالة تفيد بأنك غير مسجل يتوجب عليك التسجيل لتتمكن من رؤية روابط التحميل والمساهمة في المنتدى - تفضل لتنشر ما تعرف وتساعد غيرك لنرقى بتعليمنا الى الافضل.
تفضل ولا تتردد.
oumelbanine guercif
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

oumelbanine guercif

تربية-إسلاميات-ترفيه-رياضة-بيئة-مجتمع-صحة-طبخ-صحف-موسوعات...
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
زهرة المنتدى
Admin
Admin
زهرة المنتدى


العمر : 28

الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية Empty
مُساهمةموضوع: الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية   الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية Emptyالأربعاء 18 أبريل 2012 - 12:31

مقدمة
إن في تفاعل الشعوب تقدم ورقي، وفي تلاقحها تجاوز لاختلافاتها وتحقيق للسلم والأمن في ما بينها. ولعل مطالعة الفكر الإنساني عموما والقانوني خصوصا من أهم وأعظم المداخل الهادية إلى المسالك المؤدية إلى هذا الهدف.
إذ بدراسة تاريخ القانون نتعرف على أحوال الأمم والشعوب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فضلا عن السياسية، وبها ندخل إلى عمق المجتمع وننفذ إلي تفاصيل حياته اليومية بما تعكسه من قيم أخلاقية ونظم قانونية، فنتواصل مع كيفية إدارة المعاملات وتسييرها، وظروف تسوية الخلافات والنزاعات، ووسائل تنظيم السلوك الاجتماعي وبها ننفتح على نظم ومؤسسات قانونية ما كانت لتثير كثير اهتمام إلا من خلال دراستها في مجتمعات تفصل بيننا وبينها عشرات القرون وآلاف السنين. فيتكشف أمامنا نسق فكري قانوني تعتصر فيه خبرات وتجارب أمم وشعوب مختلفة، وسنجد فيها إجابات على أهم الإشكالات التي قد تثور بدواخل النفس من قبيل: إلي أي مدى يمكن لنظمنا الحالية أن تعود بنا مع الزمن؟ وكيف استطاع القدامى التأسيس لهذه النظم؟ وما أثر البيئة المحيطة عليها؟ وما هي أهم المحطات التي عرفتها حركة التقنين على مر العصور؟
وقد تمت معالجة هذا الموضوع وفق مخطط يتناول بالدراسة النظم والمؤسسات القانونية في حضارة بلاد ما بين النهرين من خلال التعرض لأحوالها السياسية والاجتماعية والاقتصادية ثم نتطرق لنظم تلك الحضارة الخاص منها والعام وكل ذلك في فصل أول.
أما الفصل الثاني فينصرف لدراسة القضايا ذاتها في مجتمع مصر الفرعونية، أما الفصل الأخير فيلاحظ ذلك الاختلاف النوعي بين نظم القانون عند اليونان وسابقتيها مبرزا أهم العوامل التي ساهمت في ذلك.
تمهيد: التعريف بالمادة وعلاقتها بالعلوم الأخرى
أن مقتضيات تدريس أي مجال من مجالات المعرفة تفرض التعريف به حتى يكون المتلقي على بينة من المادة المدرسة وأبعادها المختلفة، بل إن الدراسة الأكاديمية تتطلب أظهار ما يربط المادة بمحيطها المعرفي لأن في ذلك كشف لجوانب أساسية من مضامينها.
تعريف تاريخ القانون:
تشتمل الدراسات القانونية دراسة القانون في حاضره وماضيه ومستقبله ويطلق على دراسة القانون في حاضره أي القانون المطبق فعلا على أرض الواقع، تعبير القانون الوضعي، ويطلق على دراسته في ماضيه تعبير تاريخ القانون أما دراسة القانون في مستقبله فيطلق عليه تعبير علم السياسة التشريعية.
إذن تاريخ القانون هو أحد مكونات القانون، والتي تعنى بدراسة القانون في ماضيه، وهو لذلك يعنى بنشوء وتطور النظم القانونية ومصادر القانون السابقة، ومدى تأثيرها على مصادر و نظم القانون الحالية.
ولا بد قبل معرفة أهمية دراسة تاريخ القانون من الإشارة إلى ان هذه الدراسة يمكن أن تكون دراسة خاصة مثلما تكون دراسة عامة. تتناول الأولى تاريخا خاصا كالقانون الموريتاني أو الفرنسي..الخ، بينما تتناول الثانية التاريخ العام للقانون، والذي يبحث فكرة الحق و القانون في العصور الإنسانية الأولى وتطور هذه الفكرة وأسباب تطورها ووسائله عبر العصور المتعاقبة، ويعنى بنشوء مصادر القانون والنظم القانونية المختلفة وتطورها بصورة عامة من دون التقيد بنظام قانوني معين.
وموضوع تاريخ القانون، مادة الدراسة، يمتد ليشمل جميع فروع القانون ونظمه ومصادره، وتقسم دراسة القانون عادة إلى قسمين هما:
- دراسة تاريخ مصادر القانون والتي تسمي \\\" التاريخ الخارجي للقانون\\\" وهي تبحث في نشوء وتطور مصادر الأحكام والنظم القانونية كالدين والتشريع والعرف والقضاء والفقه. وبتعبير آخر إن دراسة تاريخ مصادر القانون تبين المصادر المختلفة التي أسهمت في خلق القاعدة القانونية والدور الذي لعبه كل مصدر منها خلال العصور المختلفة.
- دراسة تاريخ النظم القانونية ويقصد بالنظام القانوني مجموعة القواعد المنظمة لحقوق أو التزامات أو صلاحيات ناتجة عن مركز قانوني معين وترمي إلى تحقيق أهداف معينة. والنظام القانوني كذلك يعنى إما بمراكز قانونية من القانون العام كأن ينظم قضايا الخلافة أو وصية العهد أو رئاسة الجمهورية، أو يعنى بمراكز قانونية من القانون الخاص كالملكية أو الزواج أو نظام الأسرة..وهذه الدراسة تبحث في تاريخ النظم في حد ذاتها أي بغض النظر عن مصدرها وسواء كانت نظم قانون عام أم نظم قانون خاص مثل نظام الحكم- نظام العقوبات- نظام التقاضي- نظام الأسرة- نظام الملكية- التعاقد...إلخ
ودراسة تاريخ المصادر والنظم لا تقتصر علي مجرد إثبات التطورات التي مرت بها وتعاقبها خلال العصور المختلفة بل تهدف إلي بيان الأسباب الاجتماعية- الاقتصادية- الفكرية التي أدت إلي هذا تطور وما ترتب عليه من نتائج
أهمية دراسة تاريخ القانون: إن الدراسة التاريخية للقانون اكتسبت مكانة خاصة في القرن التاسع عشر،مكانة أعطتها أهمية مزدوجة الأبعاد عملية وعلمية إذ تأتي الأهمية العملية للدراسة لتؤكد أن بعض النظم القانونية المعاصرة لا يمكن فهمها إلا في ضوء دراسة تطورها التاريخي إذ في تلك النظم لا تزال آثار الماضي وعهود البشرية الأولي بادية فيها فعلي سبيل المثال يعد الدفاع الشرعي وليدا أو امتدادا للانتقام الفردي كما أن بعض النظم القانونية مثل الزواج مازال يحمل آثار الدين بل وينبع منه رغم انفصال القانون عن الدين .
تتحدد تلك الأهمية من خلال كونها:
1- أداة لفهم القوانين الحالية على الوجه الصحيح ، ذلك أن الحقيقة الماثلة أمام الباحثين تؤكد أن القوانين الحالية، وحتى الثورية منها، ما هي إلا مرحلة من مراحل التطور القانوني، تأسست على ما سبقها وستكون هي بدورها منطلقا لما سيلحق بها.
2- لها دورها في تكوين الثقافة القانونية .فهي تنمي القدرات القانونية لطلاب القانون، إذ أن الدراسة القانونية في كليات القانون لا يقتصر دورها على إعداد رجل القانون ذي الخبرة العلمية، لكي يمارس القانون بوصفه مهنة، بل تهدف فضلا عن ذلك إلى إعداد دارس القانون ذي الثقافة القانونية الواسعة التي تجعله قادرا على شرح القواعد القانونية وتأصيلها ومعرفة سيرها وتطورها على تعاقب القرون.
3- إن اهتمام تاريخ القانون بدراسة الاكتشافات الأثرية يساهم في إظهار الحقائق وتصحيح الكثير من الأخطاء التاريخية العلمية التي سادت قرونا عديدة سبقت النهضة الحديثة. ومن أهم ذلك إبراز دور الحضارات الشرقية وخاصة تلك التي عرفتها المنطقة العربية في ميدان القانون، وما كانت البشرية ستقع فيه لو ظل الاعتقاد سائدا بأن البدايات الأولى للتقنين تجد جذورها عند اليونان و الرومان.
4- ان دراسة المادة تظهر أهميتها من وجهة نظر القانون المقارن وذلك لاستنباط الحلول المناسبة على نحو أفضل للحالات التي ستستجد في المجتمع، تأكيدا على ان القواعد القانونية، مهما كان عصرها او مجتمعها ليست مجرد مصادفة او نزعة عرضية من نزعات المشرع ن وإنما هي وليدة الظروف التاريخية وثمرة التطور الاجتماعي ونتيجة عوامل سياسية واقتصادية ودينية وفكرية متصلة الحلقات ومتدرجة مع سنة التقدم والارتقاء.
5- ان دراسة المادة لها دور في تقدير دور الأمم والشعوب السابقة على الأمم الحديثة، فالكثير من القواعد القانونية، ترجع إلى أصول قانونية قديمة، وتستدل، على سبيل المثال،على ذلك بالقاعدة التي تقضي باعتبار القوة القاهرة والحادث المفاجئ من أسباب انقضاء الالتزام، والتي تجد أصولها في شريعة حمورابي، و في مادتها (48).
نشأة القوانين في المجتمعات القديمة:
يرجع الباحثون في تاريخ القانون نشأة القوانين إلى أربع مراحل ، تراوحت خلالها ما بين الدينية والمدنية بل والمزج أحيانا ما بين الاثنين، وقد اعتمد أولئك الباحثون في تقسيمهم لتلك المراحل على مصادر القاعدة القانونية وأهمية كل مصدر بالنسبة لها وهذه المراحل هي:

أولا: مرحلة القوة أو الانتقام الفردي
ويمكن القول انها عرفت حقبتين متمايزتين هما:
حقبة سيادة مبدأ القوة
وقد تميزت هذه الفترة بأن حفظ النظام في المجتمع يتم عن طريق القوة ، وكانت القوة هي التي تنشئ الحق وهي التي تحميه أيضا . ولم يكن هناك قانون بالمعنى المعروف عندنا اليوم. وكان العقاب يتأسس على الانتقام الفردي واستخدام القوة ، أي أن المجني عليه هو الذي يحدد العقاب الذي يوقعه بنفسه آو عن طريق أهله على الجاني .وفيما بعد حلّ التوافق الذي يعتمد على إرادة الأطراف المتنازعة محل الانتقام. وقد أخذ ثلاث صور هي : الخلع أي الطرد من الجماعة، والقصاص أي إنزال عقوبة على الجاني مماثلة للفعل الذي ارتكب على المجني عليه، وأخيرا الدية وهي عبارة عن تعويض مالي للمتضرر .

حقبة تقاليد الجماعات البدائية
في مواجهة أهوال الطبيعة، التي لم يكن يدرك ما يحدث فيها، ولا يمتلك سبلا لمقاومتها، عمد الإنسان إلى الاعتقاد في الأرواح لتفسير ما يحدث وسرعا نما تحولت تلك الأرواح إلى آلهة، فأصبح لكل ظاهرة من ظواهر الطبيعة إلها، يعتقد الإنسان انه يتحكم فيها، وهو من يصدر تعليماته بكيفية التعامل معها. وهي تعليمات أذعن الإنسان لها على اعتبارها وحيا إلهيا. وكانت تلك الأحكام تصدر عن أناس، اعتبروا رجال دين أو كهنة وهم في الأساس أرباب أسر، أو رؤساء عشائر أو قبائل أو حكام مدن. وهذه الأحكام تصدر للبت في الدعاوي المتفرقة كلما دعت الحاجة إلى ذلك.
ثانيا: مرحلة الحكم الإلهي:
يعتقد ان الإنسان في فجر حياته الاجتماعية لم يكن يرضخ لقواعد تنظيم سلوكه في المجتمع إلا إذا اعتقد أن مشيئة الآلهة قد قضت بأتباعها. وكان ينقلها إليه من كان يقوم بالطقوس الدينية ويدعي تلقي الوحي الإلهي.
وبسبب تعدد الشعائر الدينية وصعوبة فهمها من الإنسان العادي، فقد قامت فئة خاصة من الناس بهذه الطقوس عرفوا برجال الدين.
لقد ترتب عن اندماج الأسرة في جماعات، وهذه في الدولة، انتقال الاختصاصات الدينية إلى رئيس الدولة ، مما أدى إلى تناقص حالات اللجوء إلى الانتقام الفردي التي كانت سائدة، وكثرت حالات اللجوء إلى رئيس الجماعة والاحتكام إليه فيما يقع من منازعات بين الأفراد. وكان رئيس الجماعة يتشاور مع رجال الدين الذين كانوا يمثلون إرادة الآلهة من أجل إيجاد الحكم المناسب من خلال العادات والتقاليد السائدة. وكانت الأحكام التي تصدر عنهم تنسب إلى الآلهة، وهذا ما اكسبها قوة ملزمة في الواقع العملي.
ومن أهم صفات هذا الحكم أنه خاص بالنزاع المعروض ولا يسري على أية قضية أخرى وان كانت مشابهة للقضية التي صدر الحكم فيها. فإن صدر حكم في قضية مشابهة يختلف عن الحكم الأول فلا مجال للجدال في مشيئة الآلهة.
وفي هذه المرحلة كانت القاعدة القانونية لم تستكمل بعد كافة عناصرها، أو ينقصها عنصر مهم وهو عنصر العموم. و رغم أنها اكتسبت لاحقا عموميتها إلا إن عنصر الإلزام هو الآخر لم يكن يتأتى من خوف الناس من الجزاء الدنيوي المترتب على المخالفة، بل كان ناتجا عن الخوف من الآلهة وجزائها الأخروي.
مرحلة التقاليد العرفية ثالثا:
سبق أن رأينا كيف تحولت الأحكام الإلهية بعد ان اكتسبت عموميتها، إلى قواعد تداولها الناس، متناسين أصلها الديني، وأصبحت عادات وتقاليد تحرص السلطة على احترامها، وقد عرفت بالعادات الدينية.
وبتقدم الحضارة الإنسانية اكتشف الناس الحاجة إلى أهمية تغيير القواعد القانونية، وأنه عمل لا يؤدي إلى سخط الآلهة، فتدخل المجتمع في تطبيق أحكام هذه القواعد و في إنزال العقاب الدنيوي لمن يخالفها.وهكذا تحولت التقاليد الدينية إلى عادات وأعراف قانونية.
وأحكام هذه القواعد العرفية لم تكن مدونة ومنشورة بين الناس، وكانت معرفتها وسلطة تفسيرها وتطبيقها محتكرة من أفراد من الطبقات العليا في المجتمع كطبقة الأشراف الذين منهم الحكام.
إن حلول القواعد العرفية محل العادات الدينية لم يكن سلسا بل كان نتيجة لامتداد نفوذ سلطات الحكام المدنيين على حساب سلطات رجال الدين، وقد تمخض هذا الأمر عن صراع عنيف نشأ بين رجال الدين من جهة وبين الأشراف من الارستقراطية من جهة أخرى ، وأدى إلى انفصال السلطة الزمنية عن السلطة الدينية. ففي الشرق عمل الملوك على تقليص سلطة رجال الدين بعد صراع طويل استمر عدة قرون. وقد حدث ذلك بشكل تدريجي، بدء بالمحاكم المختلطة (مدنيين ورجال دين) إلى ظهور المحاكم المدنية المستقلة. بينما في الغرب ، تم الانتقال إلى مرحلة التقاليد العرفية نتيجة انتقال السلطة من الملوك المؤلهين إلى أقلية أرستقراطية، ما لبث ان خضعت لمطالب العامة في المشاركة في الحكم ، وعلى ذلك تم التحول من حكم ديني فردي إلى حكم أقلية إلى حكم ديمقراطي.
مرحلة التدوين أو التقنين ربعا:
يقصد بالتدوين أو التقنين أن القوانين أو التقاليد العرفية دونت في نصوص مكتوبة أدت إلى انتشارها وتطورها بشكل سريع ، وان الكتابة حفظتها من الضياع عبر التاريخ. والتدوين جعل القانون معروفا بين الناس بعد أن كان سرا يحتفظ به رجال الدين.
وقد كان التدوين استجابة لمطالب أفراد طبقة المحكومين بمعرفة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات وفق أحكام القانون. وكانت هذه المطالبة نتيجة لانتشار الكتابة ولشعورهم بالرغبة في المساواة مع أفراد الطبقة الحاكمة، ونتيجة لمساع سلمية حينا أو رضوخا لإعمال القوة في بعض الأحيان، مما دفع الطبقة الحاكمة إلى نشر أحكام القواعد القانونية العرفية، وقد كتبت على ألواح من الحجر البرونز أو من الفخار أو الخشب، وكانت تعلن في المعابد والأسواق أو الساحات العمومية.
ثانيا: علاقة المادة بالعلوم الأخرى:
إن القانون ينظم السلوك الاجتماعي، وعلى ذلك فهو لا ينفصل عن العلوم الاجتماعية الأخرى كعلم السياسية والاقتصاد والتاريخ، وسنتناول علاقتها بعلم الاجتماع و الانتربولوجيا على اعتبار علاقتهما الوطيدة بها أيضا .
1ـ علاقة المادة بعلم الاجتماع:
لتحديد العلاقة بين علم الاجتماع والمادة يتعين أولا تعريف علم الاجتماع، و رغم أنه لا يوجد تعريف محدد لهذا العلم. فالفرق كبير بينما عناه المصطلح في بداية ظهوره وبين ما هو عليه الآن، قد تم تصنيفه ليشمل فقط البحوث والدراسات الاجتماعية التي تستخدم الوسائل العلمية كالمناهج وطرق البحث العلمية ولعل ذلك ما يظهر لنا التقاطع بين المادة وعلم الاجتماع غير أن عاملين اثنين يميزان بينهما:
ـ تقوم الدراسة الاجتماعية على التركيز على ظاهرة أو علاقة أو سلوك اجتماعي معين.
أما دراستنا فينصب اهتمامها بشكل أكبر على تلك النظم أو المؤسسات الاجتماعية بهدف إعطاء صورة شمولية عن تطورها ومن خلال ذلك عن تطور المجتمع الإنساني
ـ مكانة التاريخ في الدراسة الاجتماعية أقل منها في مادة تاريخ القانون والمؤسسات.
فعلم الاجتماع يعنى أساسا بالحاضر و يتعاطى مع التاريخ بالقدر الذي يساعده على فهم الظاهرة محل الدراسة. أما في مادتنا فإن التاريخ يدخل جزءا أصيلا أو جوهريا في الدراسة .
2ـ علاقة المادة بالانتربولوجيا
تعرف الانتربولوجيا بشكل عام بأنها دراسة الإنسان من حيث أصوله وأجناسه و الأشكال الأولية البسيطة للمجتمعات الإنسانية وفي المراحل البدائية من تطورها.وهي بتعبير آخر دراسة الإنسان والمجتمعات البشرية. أما الانتربولوجيا الثقافية فهي دراسة تمييزية للمعتقدات والنظم والهياكل الاجتماعية.كما أنها تعرف على أنها نوع من الدراسات الاجتماعية الهادفة على وجه الخصوص إلى دراسة الشعوب البدائية سواء كانت تلك البدائية عائدة إلى أنها وجدت في فترات سحيقة أو أنها ما زالت موجودة ولكنها حافظت على بدائيتها ولم تتفاعل مع عناصر التحديث التي عرفتها المجتمعات الأخرى.
وجدير بالذكر أن الدراسات الانتربولوجية قد تجاوزت هذا التعريف لتدخل في مجال اهتمامها المجتمعات القروية الحديثة وقطاعات من المجتمعات الصناعية المعقدة التركيب، وفي جميع الحالات لا تقتصر دراسة الانتربولوجيا على ظاهرة محددة بل تشمل المجتمعات المقصودة بكاملها.
الفصل الأول: تطور القوانين والنظم في حضارة بلاد ما بين النهرين
خدمة لهدفنا في الوقوف على أهم النظم والمؤسسات التي عرفتها هذه الحضارة يرمي هذا الفصل إلى إعطاء لمحة موجزة عن ما بين النهرين، تتطرق للإطار الاقتصادي والاجتماعي لهذه الحضارة، ثم نتناول أهم الشرائع التي عرفتها المنطقة في تلك الفترة قبل أن نتناول مؤسسات القانون العام والخاص في تلك الحضارة.
المبحث الأول: في المعطيات التاريخية والاجتماعية
يدرس هذا المبحث التطورات التي مرت بها المجموعات البشرية الأولى التي سكنت هذه المنطقة ثم المعطيات الاقتصادية والاجتماعية التي هيأتها الظروف الجغرافية والمناخية.
المطلب الأول : لمحة تاريخية عن بلاد ما بين النهرين
ساعدت العوامل الدينية والمناخية على أن تكون منطقة ما بين النهرين(دجلـة-الفرات ) موطنا لأهم وأعرق الحضارات الأولى. فقد شكل شعبان أساسيان الفاعل الأهم في هذه الحضارة وهما: السومريون الذين استوطنوا عند رأس الخليج وانتشروا شمالا وأصولهم غير معروفة. أما الشعب الآخر فهم الساميون الذين وفدوا إلى تلك المنطقة من الجزيرة واستوطنوا بالأساس إلى الشمال من مدينة سومر. والذين ترجع أقدم هجراتهم إلى الألف الرابعة قبل الميلاد.وهي الهجرة التي حملت العموريين إلى الاستقرار في أكاد في جنوب العراق وكونوا إمبراطورية بابل الشهيرة وإمبراطورية آشور فيما بعد، وإليهم ينتسب البابليون والأشوريين.
ومنذ الألفية الثالثة قبل الميلاد كون هذان الشعبان إمارات ومدنا ظل الطابع التصادمي المظهر البارز لعلاقاتها لسعي كل واحدة منها للسيطرة على الأخرى. وفي الربع الأخير من الألف الثالثة توحدت مدن وإمارات سومر تحت حكم واحد ’غير أنها ما لبثت أن سقطت وضعفت وخضعت لحكم العموريين وخضعت بذلك سومر وأكاد لدولة واحدة لكنها سرعان ما انهارت تحت تأثير هجمات القبائل الكردستانية في أواخر الألفية الثالثة ثم ما لبث أن عاد الأمر إلى أبناء سومر في ظل حكم ملوك أور في نهاية الألفية الثالثة وفي بداية الألفية الثانية قبل الميلاد.
وفي هذا العصر صدرت مدونة (أور نامو) ثم أزيحت هذه الدولة بسبب الهجرة السامية من الجزيرة و والشام وهكذا ظهرت إمارة أشنونا في أكاد وفي تلك الفترة صدرت مدونة أشنونا
أما في سومر فقد شهدت تلك العصور صدور مدونة (لبت عشتار) غير أن الفترة البارزة في توحيد الحكم بدأت مع حكم الملك (حمورابي) الذي وحد ما بين النهرين سومر في الجنوب تليها أكاد شمالا وبابل مستقبلا – وفي أقصى الشمال آشور.
ويذكران بابل حكمت فترة من الزمن استمرت حتى 1550 قبل الميلاد تاريخ انهيارها بفعل ضربات الحيثيين، والذين تمكنوا من تخريب بابل وإخضاعها لسلطانهم، فاختفت بابل كقوة سياسية كبرى. وهكذا تميز النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد بأفول نجم بابل بسبب ظهور الآريين على مسرح الأحداث في آسيا وإخضاعها لسلطانهم. لتبدأ مرحلة جديدة من الضعف والتشرذم سادت خلالها قبائل الكاسيين الذين لم يكونوا أهل حضارة .و كانت فترة حكمهم غير ذات أهمية فيما يتعلق بموضوعنا.
عاد الحكم إلى بابل ولكنه ظل ضعيفا حتى ظهر شعب آخر هم الآشوريون الذين كونوا إمبراطورية في القرن الثامن قبل الميلاد. فكانت آشور و في شمال العراق مركزها. وقد أخضعت لسلطانها كل بلاد ما بين النهرين وسوريا وفينيقيا ومصر. وبعد سقوطها عاد الحكم لبابل مع شعب سامي آخر هو (الكلدانيين ما بين663-539) قبل الميلاد وشمل سلطانهم كل العراق وسوريا وفلسطين.واستمر حكمهم حتى 539 قبل الميلاد حيث سيطر الفرس على جميع المنطقة في عهد ملكهم كورش وابنه قمبيز إلى سقط حكمهم على أيدي الإغريق 333قبل الميلاد حل الحكم الروماني محل حكم هؤلاء في القرن الأول قبل الميلاد.

المطلب الثاني: الإطار الاقتصادي والاجتماعي لحضارة بلاد مابين النهرين

ساد نمط الإنتاج الآسيوي في بلاد واد الرافدين حيث كان الملك على الأقل اسميا هو المالك الوحيد لجميع الأراضي. وعرف هذا الاقتصاد انتشار الرق على نطاق واسع وقد تميز هذا الاقتصاد وكما الاقتصاديات المائية باشتغال أغلب السكان بالزراعة وأعمال السقي، مما استدعى القيام بحفر وإنجاز شبكات متعددة من قنوات الري لزيادة الأراضي المستغلة زراعيا.
ورغم الجفاف الذي عرفته المنطقة فقد ازدادت قدراتها الزراعية واستفادت من الاستقرار النسبي الذي افتقرت إليه تجمعات الرحل والمتنقلين. وإلى جانب النشاط الزراعي نشطت التجارة في الداخل والخارج وتعددت المعاملات وأسهم النشاط التجاري واتساع نظام الرق بتحضر المجتمع البابلي وإرساء الملكية الخاصة وتثبيتها حيث كانت الملكية العقارية مثلا لا تفوق مساحتها أكثر من 8 هكتارات ويختص بها الأشراف – الكهنة- التجار الكبار.
وقد أسهمت الوفرة التي عرفها اقتصاد هذا المجتمع في خروج جزء من إنتاجه إلى الخارج وفي نفس الوقت الذي أدى نقص بعض السلع والموارد إلى الدخول مع الخارج في علاقات اقتصادية طورها المجتمع البابلي ووصل بها إلى أقاصي الهند وكابول شرقا وإلى مصر و فلسطين غربا وانحدر بها مع الفرات إلى البحر جنوبا.
لقد بلغ التطور الاقتصادي في بلاد ما بين النهرين مبلغا جعل البعض يعتبره مجتمعا تجاريا أكثر منه زراعيا ومدنيا أكثر منه ريفيا.
لقد فرض مستوى التطور الاقتصادي تأسيس الشركات، وعرف نظام الإيداع والقرض بنوعية الفائدة والرهن. وقد عمل الموقع الجغرافي في تنشيط حركة التجارة الخارجية كما ساعدت الأنهار والقنوات على تنشيط حركة السلع داخليا.
وبفضل هذا النشاط تمكن المجتمع البابلي من تجاوز مرحلة (المقايضة) وصولا إلى مرحلة الاقتصاد (النقدي)، فبعد أن كانت وسيلة التقويم المستعملة سلعية ،وهي (الشعير) وكانت وحدة التعامل هي (المد) وهو مكيال تكال به الحبوب ويستعمل في نفس الوقت كوحدة تقويم لكافة السلع، ظهرت النقود المعدنية، عبارة عن سبيكة من البرونز أو الفضة ، توزن أثناء إجراء المبادلات.
ووحدة الوزن التي استخدمت في هذا الشأن هي (الشاقل) \\\"أو الشاكل\\\" وبأجزاء مختلفة : فنجد أن أصغرها حبة القمح وتزن 47 ملغرام وتسمى (تشي)، ثم الشاقل نفسه وهو عبارة عن 180 حبة قمح أي ما يعادل حوالي 8 أغرام ، ثم المينا ويساوي 60 شاقلا أي ما يعادل حوالي 500 أغرام، ثم البيلو وهو 60 مينا ويزن حوالي 30 كغ .
و يجدر بالذكر أن ظهور العملة النقدية لم ينهي التعامل بالشعير كعملة سلعية بل كان كلاهما مستعملا حتى العصر الفارسي ،إذ جرى التعامل بالشعير في الريف أساسا، وبالنقود في المدن مع عدم وجود ما يمنع من استعمال أحدهما في أي مكان كان.
أما ما يخص المجتمع البابلي القديم فقد عرف ثلاث طبقات هي: طبقة الأحرار- طبقة العامة- وطبقة العبيد .
وقد تشكلت طبقة الأحرار (أوليم) من الأشراف والكهنة والتجار والعسكريين وهي تتمتع بحماية قانونية كاملة.
أما طبقة العامة (المشكينو) فتتألف من التجار الصغار والعبيد القدامى والأشراف الذين أقصوا لأسباب اقتصادية من طبقة الأحرار.
رغم أن أفراد هذه الطبقة يتمتعون بكثير من الحقوق إلا أنهم لا يحوزون نفس الحماية القانونية للسادة الأحرار.
أما طبقة العبيد فهي طبقة عريضة نظرا لتطور التجارة وإفلاس التجار والفلاحين وانتشار البؤس والحروب وعدم الوفاء بالدين فأصبحت هذه الطبقة الأوسع في المجتمع والأقل حماية قانونية.
المبحث الثاني :الشرائع المسمارية ومصادرها
يتناول هذا المبحث الدور التاريخي الذي لعبته اللغة والثقافة الساميتين ليس فقط في نشر وتوحيد القوانين وإنما في التوحيد السياسي.ثم يتطرق للشرائع التي كشفت عنها أثار تلك الحضارة بعد إن يتناول أهم مصادر معلوماتنا عنها.
المطلب الأول: الشرائع المسمارية ودورها التوحيدي
تطلق الشرائع المسمارية علي القوانين التي كانت مطبقة في غرب آسيا القديمة في الفترة التي تبدأ من الألف الثالثة قبل الميلاد حتى منتصف الألف الأولي قبل الميلاد، تاريخ خضوع المنطقة لحكم فارس. وهذه التسمية ترجع إلي انتشار الكتابة المسمارية في كل المنطقة حتى حلت محلها الكتابة بالحروف الهجائية في النصف الثاني من الألف الأولي قبل الميلاد.
وواقع الأمر أن الكتابة ظهرت لأول مرة في سومر في الألف الرابعة قبل الميلاد ثم انتشرت إلي كل المنطقة وذلك ما تدل عليه الوثائق التي اكتشفت في بقية بلاد ما بين النهرين.
وقد تقوت الوحدة في طريقة الكتابة من الألف الثانية ق.م بانتشار لغة أكاد ( بابل وآشور) وهي لغة سامية في كل بلاد ما بين النهرين وحلولها محل السومرية فضلا عن انتشارها في مجال القانون والإدارة خارج ما بين النهرين لأسباب سياسية ولتفوق هذه اللغة علي غيرها من اللغات ,وهي ظاهرة شبيهة بتلك التي حدثت مع اللغة اللاتينية في العصور الوسطي عندما تفوقت اللغة الفرنسية عليها خلال القرنين السابع والثامن عشر, وبما حدث للغة الفرنسية بعد ذلك في القرنين الماضي والحالي.
وقد ساعد ذلك الوضع إلي ترسيخ الوحدة الثقافية (طريقة الكتابة واللغة السائدة في مجال القانون ) والوحدة اللغوية في جميع المجالات لان اللغات التي سادت في المنطقة كانت من أصل سامي وكانت جذورها في اللغة الأكادية وقد أدى ذلك إلي انتشار الأخيرة تماما مثل ما حلت اللغة العربية محل أخواتها اللغات السامية بعد انتشار الإسلام.
وقد تعززت الوحدة الثقافية بوحدة قانونية حيث ظهر في تلك المنطقة منذ أواخر الألف الثالثة قانون مشترك يعكس حضارة ذات خصائص مشتركة . فالموقع ساعد علي ازدهار تلك الحضارة حيث شكلت حلقة الوصل بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى.إضافة إلي العوامل التي مرت سابقا كما أدى تشابه ظروف البيئة إلي تشابه المشاكل الاجتماعية وتشابه الحلول القانونية في المنطقة سالفة الذكر فظهرت مجموعة من القواعد القانونية تتشابه في الأصول والأحكام وان اختلفت في بعض الحلول الجزئية في الأزمنة والأمكنة المختلفة.
وكان لأحداث سياسية أثرها الهام في تعذر نسبة هذا القانون إلي احد شعوب هذه المنطقة دون غيره من الشعوب. فأطلق عليه القانون المسماري نسبة إلي طريقة كتابته . وذلك نتيجة للصراعات الدائمة التي لم يستقر فيها الحال لحاكم مدة طويلة إلا في فترة قصيرة ومتقطعة ومن أبرزها فترة حكم بابل والذي ظل قانون ملكها حمو رابي هو القانون العام لكل المنطقة في شرق البحر الأبيض المتوسط حتى أثناء خضوعها للاحتلالين الفارسي والروماني.
وقد اجتمعت في ذلك القانون عصارة قوانين أقوام عديدة منها السومريون ، والأكاديون ، البابليون والعيلاميون والأشوريون وغيرهم . غير أننا نستطيع أن نطلق على تلك الشرائع اسم الشرائع السامية كما يمكن أن نطلق عليها اسم شريعة بابل لان قانون حمو رابي في بابل كان هو خاتمة المطاف في تطور النظم القانونية التي سادت كل بلاد ما بين النهرين بعد أن وحدتها.
المطلب الثاني : مصادر معلوماتنا عن الشرائع المسمارية
ونقصد بها الوثائق التي كشفت عنها البحوث الاثارية والتي سنتكلم عن أهمها عند الحديث عن قانون حمو رابي . وتتميز الوثائق الأثرية عن بلاد ما بين الهرين بتنوعها وكثرتها فضلا عن أنها مكتوبة علي ألواح من الطين وظلت مدفونة داخل الأطلال دون أن يعتريها تلف وهي مكتوبة بالكتابة المسمارية بلغة أكاد.
وقدر الباحثون الأثريون عدد الوثائق المسمارية بحوالي 150 ألف وثيقة محفوظة في مختلف متاحف العالم في أوروبا وأمريكا وآسيا لم يترجم منها إلا العدد القليل .
وقد تعرضت هذه الوثائق لمختلف أوجه النشاط الحضاري كالدين والطب والفلك والرياضيات الخ أما ما تعرض منها للقانون والاقتصاد فهو يمثل تسعة أعشارها تقريبا. و تقسم مضامين هذه الوثائق القانونية إلى عدة أنواع أهمها:
ـ وثائق مثبتة للمعاملات اليومية بين الأفراد:
وهي أكثر الأنواع عددا وتشمل سائر التصرفات القانونية كالبيوع والزواج وغيرها، وجميع الوثائق تعطينا صورة واقعية لحالة المجتمع من النواحي القانونية والاجتماعية والاقتصادية من بداية الألفية الثالثة وحتى آخر القرن الرابع قبل الميلاد.
ـ نصوص تشريعية: وهي تشمل عدة مدونات قانونية من أشهرها مدونة حمورابي وتلك التي أصدرها الملوك والحكام في عهود مختلفة.
- المراسلات الملكية: وهي تعطينا صورة عن القانون الإداري في ذلك الوقت. - المدونات العرفية : ومن أشهرها قوانين آشور
- الأحكام القضائية: وهي نادرة وفي الغالب لا تأخذ شكل الأحكام المتعارف عليها عندنا اليوم .
و من الجدير بالذكر أننا لا نجد أي أثر للكتابات الفقهية.
المطلب الثالث: مصادر ومضمون شريعة حمورابي،
إن دراسة شريعة حمورابي والتمعن في محتواها تتطلب من الدارس البحث في مصادر وأصول تلك القواعد القانونية التي عمد هذا المشرع إلى الاسترشاد بها من أجل بلوغ هدفه في نشر قوانينه وتنظيم المجتمع البابلي من خلالها.
أولا:مصادر شريعة حمورابي
إن شريعة حمورابي هي محصلة جمع ما استقته من القوانين السابقة عليها، بمعنى ما تم تنقيحه من تلك القوانين لتنسجم ومصلحة المجتمع الجديد سياسة دولته التشريعية، فضلا عن ما تم استحداثه من مواد لم تكن موجودة في تلك القوانين. وعلى ذلك تكون التقنينات السابقة لشريعة حمورابي قد شكلت أهم مصادرها.
- إصلاحات اوركاجينا: لقد تم اكتشاف تلك الإصلاحات في العام 1878 في مدينة لكش في جنوب العراق، التي ازدهرت في حكم أشهر ملوكها اوركاجينا 2280-2109 ، وقد تمت ترجمتها من قبل العالم الفرنسي تورود انجان.
ويبدو أن لتلك الإصلاحات استهدفت القضاء على بعض الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي نتجت عن ممارسات غير قانونية في تلك الفترة، خاصة ما يتعلق منها بالضرائب، ورفع المظالم والاستغلال وسعت إلى تحقيق الحرية والعدالة بين الناس.
- قانون اورنمو 2111 – 2003 ق.م: يعتبر هذا القانون أقدم قانون مكتشف لحد الآن، وقد عثر على مواده على ألواح موزعة بين مدينة نفر ومدينة أور.. واشتمل هذا القانون على 31 مادة، رغم عدم وصولها كاملة.
ويظهر أن حمورابي في تشريعاته تأثر بهذا القانون في جوانب متعددة منها حقوق المرأة عند الطلاق (المادة 6،Cool، واتهام رجل زوجة رجل آخر بالزنا، وكذلك علاقة الخطيب بخطيبته، وعقوبة الأمة التي تساوي نفسها بسيدتها، وعقوبة الشهادة الكاذبة أو شهادة الزور، وعقوبة إغراق الحقل المزروع من قبل الغير، وكذلك إهمال زراعة أرض مستأجرة.
- قانون لبت عشتار: تم اكتشافه في مدينة نفر 1947، وهو صادر حوالي 1934-1924ق.م. من قبل خامس ملوك سلالة أيسن. وقد تضمن مقدمة، أكدت الطابع الإلهي للقوانين ، حيث اعتبر أن حكمه للبلاد هو تلبية لرغبة الآلهة في تحقيق العدالة، واحتوى متنه (القانون) على 37 مادة متنوعة بخاتمة يتعهد فيها الملك بالقضاء على البغضاء والعنف وتحقيق الرفاه. كما تتوعد المتلاعبين بالقانون بحلول اللعنة الإلهية عليهم.
ومن الواضح أن الملك حمورابي قد استفاد من هذا التقنين حين وضعه لشريعته خاصة في ميدان تأجير القوارب والأراضي الزراعية والبساتين، وعقوبة الوالد الذي يزوج ابنته لغير خطيبها.
وفي ميدان العقوبات .. مثل عقوبة الاحتفاظ بأمة أو عبد يعودان لشخص آخر، وعقوبة تأخير دفع ضريبة العقار.
وفي مجال الأسرة يبدو تأثير هذا التقنين واضحا خاصة، في قضايا حقوق أولاد الزوجتين الأولى والثانية، وحقوق الأمة التي تنجب أطفالا، ومصير الأطفال اجتماعيا، وإرث أولاد الأمة، وأولاد الزوجة غير الشرعية وغير ذلك.
- قانون اشنونا (بلالاما): لقد عثر على نسخة من هذا القانون 1945، ومن حيث تاريخ صدوره يتقدم صدور قانون حمورابي بحوالي نصف قرن.
وقد احتوى مقدمة ومتنا مكونا من 61 مادة، ويتضح تأثر حمورابي بهذا القانون من خلال قضايا الإيجار خاصة أجرة العربة وثورها والقارب وسائقه، وأجرة الخاصة والذاري وأجرة الحمار والأجير.
وفي ميدان العقوبات.. مثل عقوبة السائق الذي يتسبب في غرق القارب، عقوبة سرقة حقل أو دار ليلا، وعقوبة سرقة العبد وعقوبة من يطلق زوجته التي لها أولاد.
وفي حالات الأسرة، يتضح التأثر من خلال مصير المهر عند وفاة أحد الزوجين، والزواج وإجراءاته، والرضاعة والتربية، وغيرها..
ثانيا: مضمون مدونة حمورابي
صدرت مدونة حمورابي في بابل 1738-1668 ق .م .وهو الملك الذي وحد كل دويلات ما بين النهرين تحت سلطانه وانشأ إمبراطورية تمتد من صحراء سوريا حتى جبال زاجروس ومن الخليج العربي حتى أعالي نهر الفرات وكان مركزها مدينة بابل على نهر الفرات. وكان لهذه الإمبراطورية سلطان ونفوذ سياسي وتجاري وثقافي واسعين في منطقة الشرق الأدنى سواء على الساحل السوري من البحر الأبيض أم في بلاد عيلام علي حدود الهضبة الإيرانية من ناحية الغرب، وقد اصطبغت بلاد ما بين النهرين كلها بالصبغة السامية منذ الألف الثالثة قبل الميلاد وكتبت السيادة للجنس والثقافة الساميين حني سقوطها في أيدي الفرس بعد منتصف القرن السادس قبل الميلاد ولم تتحرر إلا علي يد الفاتحين المسلمين.
لقد عثر علي مدونة حمورابي في مدينة سوز (سوس) 1901 -1902 علي اليد البعثة الفرنسية التي قامت بتلك الحفريات وكانت نصوصها باللغة الأكادية وبالكتابة المسمارية. وتمت ترجمتها إلى اللغة الفرنسية .
وجدت نصوص هذا القانون منقوشة علي حجر أسود اللون يبلغ ارتفاعه مترين، وما يزال محفوظا في متحف اللوفر بباريس. ولما كان ملك عيلام قد احتل بابل في العام 1170 كان ذلك سببا لوجود المسلة في عاصمته لأنه اعتبرها غنيمة . وقد تم الحصول علي أكثر 20 نسخة من هذه المدونة، في بلاد ما بين النهرين وخارجها.
مدونة حمورابي تعتبر أهم المدونات التي ظهرت في العراق القديم ،وإن لم تكن هي الأولي بل تعتبر أشهر مدونة في تاريخ الشرق القديم و من أعظم المدونات في العالم القديم كله.
لقد تم تطبيق تقنين حمورابي في العهود التالية لعهد دولة بابل بدليل وجود نسخ بلغات غير الأكادية مثل الأشورية والكلدانية .كما أن البلاد المجارة قد تأثرت بأحكامها مثل بلاد عيلام والساحل السوري وبلاد وادي النيل.ونظرا لدوره في الشرق الأدنى اعتبره الكثير من الكتاب بمثابة قوانين نابليون في العصر الحديث.
أما الغرض من وضع المدونة فهو السعي إلي توحيد البلاد من الناحية القانونية خاصة وإن سكان تلك البلاد مثل ما مر علينا كانوا موزعين على دويلات خاضعة لأمراء وملوك متعددين ولكل منها قانونها وديانتها الخاصة.ورغم نجاح بعض الملوك في إخضاع المدن والإمارات المجاورة له ،وتكوين دولة واحدة قوية تضم كل أو بعض بلاد ما بين النهرين، إلا أن اختلاف الأجناس يعوق اندماج السكان وانصهارهم في بوتقة واحدة (السومريون،الساميون وحتى قبائل الهند التي كانت تجتاح البلاد من وقت لآخر).
إن اصطباغ البلاد بالصبغة السامية بلغت ذروتها في عهد حمورابي حيث الحكومة المركزية الواحدة واللغة الأكادية هي اللغة الرسمية الوحيدة وظهرت ديانة عامة واحدة هي ديانة مزدوك اله بابل، بذلك أصبحت كل بلاد ما بين النهرين تكون دولة قومية واحدة ذات طابع سامي.
واستكمالا لتحقيق وحدة البلاد اتجه حمورابي إلى تحقيق الوحدة القانونية بين كل أجزاء ما بين النهرين ليس فقط بتجميع التقاليد العرفية التي كانت سائدة قبله بل قام بدور المصلح الاجتماعي إلى جانب دوره كمشرع.
وهو من ناحية وضع حلولا مبتكرة تستجيب للتطور الاجتماعي والاقتصادي وعمم تطبيقها، ومن ناحية أخرى عمد إلى انتقاء بعض العادات والتقاليد العرفية ليعمم تطبيقها أيضا ،وغالبا ما كان يفصل العادات السامية عن العادات السومرية ،لكنه كان في بعض الأحيان يضطر إلى وضع حكمين مختلفين للمسألة الواحدة أحدهما من أصل سامي ،والثاني من أصل سومري مراعاة لمشاعر وتقاليد السومريين وخاصة في مسائل الزواج.
كما عمد حمورابي من ناحية ثالثة إلى تقرير أحكام صريحة في خصوص الموضوعات التي كان العرف غامضا بشأنها أو كانت أحكامها تثير خلافا بين المفسرين .
-من حيث الشكل : تتكون نصوص مدونة حمورابي من 282 مادة مسبوقة بديباجة وتليها خاتمة. وفي أعلى النقش نجد رسما يصور إله الشمس \\\"الإله شمس\\\" القاضي الأكبر للسماوات والأرض ممسكا بكتاب وأمامه حمورابي ينصت في خشوع واحترام إلى ما يمليه عليه من نصوص القانون .
وفي ديباجة القانون يعلن الملك حمورابي و بأسلوب أدبي رائع،الأسباب الموجبة التي دفعته إلى إصدار قانونه كما تناول تمجيد الآلهة التي اختارته لنشر العدالة \\\"أسمياني الإلهان آنو وانليل باسمي حمورابي، الأمير التقي الذي يخشى الآلهة، لأوطد العدل في البلاد، لأقضي على الخبيث والشر، لكي لا يستعبد القوي الضعيف... ولكي ينير البلاد من أجل خير البشر، أنا حمورابي الراعي المصلح الورع، المنقذ لشعبه من البؤس.. الذي ساعد على إظهار الحق.. المنتصر على المشاغبين، وضعت القانون بلسان البلاد لتحقيق خير الناس...\\\"
وفي الخاتمة يطالب الناس باحترام قانونه ويعد من ينفذه مثوبة الآلهة، وتوعد المخالفين بعذاب عظيم منها .
أما مواد القانون فقد تعرضت بإيجاز للتنظيم القضائي وإجراءات التقاضي القانون الجنائي ، ملكية الأراضي ، أهم العقود، الزواج والأسرة والإرث.
و يمكن القول أن المدونة لم تختلف كثيرا عن الهيئة التي ظهرت بها المدونات المنسوبة لأسلافه، حيث ظهرت في صورة وحي الهي صادر من الآلهة إلى الملك،فسلطات الملك ذات أصل ديني ومنها سلطته التشريعية مما أثار البحث حول طبيعة مدونة حمورابي . وبالرغم مظهرها الديني إلا أن الرأي السائد بين الباحثين ينفي عنها صفة القانون الديني فهي تكاد تكون خالية من الأحكام الدينية ولا تخلط بين الجزاء المدني و الجزاء الديني.
- من حيث المضمون : سبق وأن قلنا أن حمورابي رغم استفادته من القوانين التي سبقته إلا أنه لم يقتصر عليها، بل إنه عدل وبدل وأضاف لها الكثير مما رآه مناسبا وخادما هدفه في توحيد القوانين ونشرها، ولذا يمكن القول أن التقنين تضمّن:
- ما وجده حمورابي صالحا من القواعد العرفية والتشريعية التي سادت العهود السابقة له.
- الإصلاحات والتعديلات التي أجراها على بعض الأحكام الشرعية والعرفية.
- الأحكام المبتدعة التي وضعها لمعالجة الحالات المستجدة والتي استمدها من إصلاحاته أو من الأحكام القضائية.
- القواعد العرفية والتشريعية التي أزال غموضها وسد النقص الذي اعتورها. فرغم أن المدونة خلت من القواعد والمبادئ العامة فقد اتجهت إلي وضع الحلول الفردية حيث تعرضت لكل حالة علي حدة لتعطي الحكم المناسب.
ومن هنا فهي (المدونة) تعطينا صورة كاملة لحالة المجتمع البابلي وأحكامها تظهر أنها أحكاما سبقت زمانها،وان المجتمع البابلي وصل إلي درجات متقدمة من المدنية إذ اعترفت المدونة بالملكية الفردية وحرية التعاقد وقررت الأهلية للمرأة.
وقد تميزت مدونة حمورابي وعدت متفوقة في عدالتها وتقدمها علي أحكام كثير من المدونات التي صدرت في بلاد الغرب بعد ذلك بقرون عدة مثل (مدونة الألواح ألاثني عشر عند الرومان في القرن 5ق م).
هذا وقد توزعت مواد شريعة حمورابي على ثلاثة عشر قسما وهي على الوجه التالي :
القسم الأول : يحتوي علي المواد 1-5 وهي تتعلق بالقضاء والشهود
القسم الثاني : يحتوي على المواد 6-25 وهي تتعلق بالسرقة والنهب
القسم الثالث : يحتوي على المواد 26-41 وهي تتعلق بشؤون الجيش
القسم الرابع : يحتوي على المواد 42-100 تتعلق بشؤون الحقول والبساتين والبيوت
القسم الخامس: يحتوي على المواد 100-107 يتعلق بالقروض ونسبة الفائدة والتعامل مع التجار
القسم السادس : يحتوي على المواد 108-111 ويتعلق بالخمر
القسم السابع : يحتوي على المواد 112-126 يتعلق بالفرد والديون
القسم الثامن : يحتوي على المواد 127-194 خاص بشؤون الأسرة الزواج ، الطلاق الإرث ، التبني ، التربية وكل ماله صله بالروابط العائلية والإنجاب
القسم التاسع : يحتوي على المواد 195-214 وتتعلق بعقوبات القصاص والغرامات المفروضة على الأضرار التي يحدثها الأفراد بعضهم لبعض عند التشاجر
القسم العاشر : يحتوي على المواد 215- 227 وهي تتعلق بالطب والطبيب البيطري و الواسم
القسم الحادي عشر : 228-240 وتتعلق بالأسعار وتعين أجور بناء البيوت والقوارب والصناع والرعاة وعقوبات الإخلال بالالتزام
القسم الثاني عشر : يحتوي على المواد 241-277 ويتعلق بأجور الحيوانات والإجراء
القسم الثالث عشر : يحتوي على المواد 278-282 وتتعلق بشراء العبيد وعلاقتهم بأسيادهم .
***********
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهرة المنتدى
Admin
Admin
زهرة المنتدى


العمر : 28

الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية   الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية Emptyالأربعاء 18 أبريل 2012 - 12:32

مميزات قانون حمورابي:
عموما يمكن القول ان شريعة حمورابي تميزت بما يلي:
- القسوة في الأحكام: لقد اعتمد حمورابي مبدأ القصاص في العقاب بعد أن كان مبدأ الدية سائدا قبله لاسيما في قانون وأرنمو، كما أنه اتسم بطابع القسوة في العقوبات الجنائية. حيث جاءت عقوبة الإعدام في حالات كثيرة، وفي حالات أخرى إحكام بتر الأعضاء.
- إغفال مسائل مهمة: لم يتعرض القانون لبعض المسائل المهمة، بل ذكرها عرضا ونظمها أحيانا ضمن معالجة حالات ووقائع أخرى، بحيث يستشف عدم اهتمامه بتلك المسائل المهمة رغم أهميتها، من ذلك عدم تعرضه لجريمة الشروع في القتل. ولم يجرم خطف الرقيق.. و لم يعالج موضوع سرقة المياه.. ولم يتطرق إلى عقد البيع بشكل مناسب.
- ثنائية الحلول: قد يوجد حكمان مختلفان لمسألة واحدة في تقنين حمورابي، أحدهما مستمد من أصل سومري والآخر أكدي خاصة في مسائل الأسرة كالزواج، الطلاق وغيرها.
- عدم وجود قواعد ومبادئ عامة: لم يتضمن قانون حمورابي مبادئ وقواعد عامة يمكن الاستناد إليها في تفسير جميع الحالات التي تنطبق عليها شروطها، بل جاء بحالات محددة عملية ووضع لها أحكامها الخاصة، ولعل غياب مثل تلك القواعد ناتج عن عدم القدرة على إدراك الكثير من التجريد والتعميم والابتعاد عن الخوض في النظريات العامة.
- الأسلوب الموجز والصياغة الفردية: وقد تميز القانون بأسلوبه الموجز إيجازا شديدا مثل \\\"إذا اتهم رجل آخر بقتل ولم يقم البينة عليه فسوف يقتل متهمه \\\" المادة (1). أما المادة 14 \\\" إذا اختطف رجل ابنا صغيرا لآخر يحكم عليه بالموت\\\" .
وصيغت أحكام هذا القانون في صورة حالات فردية حقيقية أو مفترضة ،وكل فقرة من فقراته تتكون من جمل شرطية مثل \\\"إذا ... فإن ...\\\" وقد سار واضع المدونة على خطة منطقية تقوم على أساس الجمع بين الحالات التي ترتبط فيما بينها بوحدة الفكرة التي تدور حولها.. وهذه الخطة تختلف عن التبويب السائد في التقنينات الحديثة ولذلك تبدو لنا المدونة كما لو كانت غير محكومة بأي ترتيب فني أو منطقي .وذلك لان البابليين اقتصروا علي البحث عن الحلول العملية للمشاكل اليومية دون بذل أي محاولة لاستخلاص قواعد عامة من هذه الحلول الفردية.
المبحث الثالث : النظم و المؤسسات في بلاد ما بين النهرين
وستتوزع دراستها إلى محورين رئيسيين سيتناول الأول نظم القانون العام وتشمل نظام الحكم، التنظيم الإداري، التنظيم القضائي، نظم العقوبات، أما المحور الثاني فيتطرق إلى نظم القانون الخاص ويتضمن الشخصية القانونية، نظام الأسرة الذي يشمل الزواج، التبني الإرث، نظام الملكية، نظام العقود والالتزامات.
المطلب الأول: نظم القانون العام
بما إن الباحثين في القانون استقر بهم التفكير إلى تقسيم قاعدة القانون العام إلى مجموعة من النظم الفرعية كالقواعد الدستورية والإدارية والمالية..الخ، فإننا سنبحث عن أصول هذه القواعد عند العراقيين القدامى من خلال دراستنا لما يلي:
ـ أولا: نظام الحكم
تميز نظام الحكم في بلاد ما بين النهرين، في جميع العصور بأنه حكم إلهي مطلق. فالسلطة والسيادة للآلهة. والملك يتولاها بصفته ممثلا له، ونائبا عنه وأحيانا يعتبر الملك هو نفسه إلها بين البشر.وتترتب على تصوير الملك باعتباره وسيطا بين الناس والآلهة العديد من النتائج.
ففي عهد الدويلات كانت السلطة تنبع من الآلهة, والأرض ملكا له ,أما الملك ويسمى \\\"إنصاج\\\" فالسلطة وديعة لديه ويستغل الأرض نيابة عنه سواء في ذلك كانت السلطة دينية أم زمنية ,ولذلك كان الملك كبيرا للكهنة فضلا عن سلطاته الزمنية التي بموجبها يعتبر حافظ النظام والأمن، ويحمي الضعفاء ويعمل على كفالة تقدم مجتمعه وهو الذي يتولى القضاء بين المواطنين. والقانون لا يخرج عن كونه معبرا عن إرادة الآلهة توحي به إلى الملك.
ولأن الملك ممثل الآلهة فهي التي تختاره وتوعز إلى الكهنة العلامات الدالة عليه، ومن هنا كانت شرعية تولى الملك للسلطة مردها اعتراف الكهنة به ونتيجة لتلك الصفة تمتع الملك بسلطات مطلقة في مواجهة شعبه.ولا تتم محاسبته إلا من قبل الآلهة والقيد الوحيد على السلطة الملك هو خشية الآلهة وطلب المثوبة منها.
ومما يترتب على ذلك أيضا أن كسب رجال الدين مكانة ممتازة في المجتمع، واصطبغ الحكم بصبغة دينية.غير أن الصراع المرير بين الملوك والكهنة ظهر مبكرا, و أثمر انفصال السلطة الدينية عن السلطة الزمنية في زمن حمورابي.
لقد تجلى ذلك الانفصال ،بعد توحيد البلاد في دولة واحدة منذ الحكم البابلي رغم استمرار فكرة الملك الوسيط بين الآلة و الشعب ، أن الملك ،في بعض الفترات,قام بتجريد أمراء المدن والدويلات من سلطاتهم الزمنية واحتفظ لهم فقط بالسلطة الدينية ،وأحل محلهم في السلطة الزمنية موظفين يعينهم لذلك الغرض.
واحتفاظ الملك بطابعه الديني لم يمنع انفصال السلطتين عن بعضهم البعض فالكهنة لا يتولون سلطات مدنية ولا يشتركون في القضاء ولا في وضع القوانين بل القضاء من شأن الملك أو من ينوب عنه من موظفين مدنيين.
- ثانيا: التنظيم الإداري:
للحديث عن هذا التنظيم نميز بين مرحلتين هما ما قبل دولة الوحدة وما بعدها للدور الذي لعبه جهازان منفصلان في إدارة شؤون المجتمع.
- المعابد: بما أن السيادة كانت للآلهة قامت المعابد والكهنة بدور رئيسي في التنظيم الاقتصادي الإداري, ذلك أن الأرض التي كانت ملكا إلهيا كان الكهنة يقومون بتوزيع العمل بين الأفراد حسب مقدرة كل منهم وتوزيع ريعها بينهم كل حسب حاجته ولذلك أطلق البعض على هذا النظام بالشيوعية الدينية.
وبعد الوحدة ظهرت الإدارة المركزية بفعل انفصال السلطتين الدينية والزمنية فانكمشت سلطات المعابد والكهنة واحتفظت بدور اقتصادي, حتى بعدما أصبحت الأرض ملكا للملك, من خلال استغلال ما تم اقتطاعه لها من الأراضي في أعمال العبادة والبر العام, فقد كانت ممتلكات كل معبد تشكل وحدة اقتصادية متكاملة حيث نجد العمال الزراعيين الأحرار أو الأرقاء والكبسة والمستخدمين والصناع ولكل منها مخازن غلالها وتموينها وحساباتها.
ومن أعمل البر التي تقوم بها المعابد قرض الحبوب في أوقات المجاعات, وتمد الرقيق بقروض مالية يدفعون منها فدية لأسيادهم لعتقهم وغيرها.و أصبحت الوظائف الدينية تكون عنصرا من عناصر الثروة المالية للشخص تنتقل إلى ورثته من بعده وتستطيع أن تتصرف فيها حال حياته بالبيع أو الهبة بصفة نهائية أو مؤقتة.
-الإدارة والوظائف المدنية: بعد ان كانت مرافق المدينة تخضع للمعابد أصبحت كل مرافق الدولة تدار من قبل السلطة المركزية بواسطة موظفين يعينهم الملك.
ويبدوا من الوثائق أن الملوك أحلوا محل الأمراء موظفين مدنيين يشرفون على مرافق البلاد ويخضع هؤلاء بدورهم لإشراف وتوجه وزير الملك وتسميه النصوص (أ شاكو) وقد عرفت البلاد عددا كبيرا من الموظفين يجوبون البلاد وبرفقتهم رجال الشرطة لنقل تعليمات الملك إلى حكام الأقاليم.
وتشير الوثائق إلى أن تلك الرسائل والتعليمات تناولت تنظيم أدق التفاصيل فالملك على سبيل المثال كان يؤشر على شكاوى الأفراد ضد استغلال الموظفين لهم، وكان بصفته رأس السلطة التنفيذية يصدر التعليمات التي تضمن حقوق الأفراد في الانتفاع بالمرافق العامة مثل الصيد في الأنهار والقنوات.. إلخ.
وكان الموظفون في مقابل خدمتهم يحصلون على قطع أرضية ينتفعون بها طال لما بقي الموظف في وظيفته ولا يجوز له التصرف بها، وكانت تلك القطع تعود إلى الملك بعد وفاة المنتفع إلا أن الوضع تطور مما أدى إلى انتقال هذه الأرض إلى ورثت الموظف من حيث الواقع ثم أصبح لورثته حق إرثها بقوة القانون.
وتجدر ملاحظة أن أرض الدولة وإن كانت للملك من الناحية النظرية إلا أن الوثائق تدل على وجود الملكية الخاصة للأفراد.
- ثالثا: التنظيم القضائي
نؤشر في البدء أن ولاية القضاء مرت هي الأخرى بمرحلتين كانت في كل واحدة منها من اختصاص جهة معينة.
- القضاء الكهنوتي: كانت ولاية القضاء قبل الحكم البابلي من اختصاص الكهنة في المعابد في الوقت الذي كان الكهنوت من أعمال الرجال والنساء على حد السواء، وكان الحكم القضائي يصدر في المعابد إضافة إلى وجود قضاء مدني كان يتولاه ما عرف بمجلس الشيوخ قبل أن يندثر حتى قبل الحكم البابلي.
- سيادة القضاء المدني:لقد كان ذلك ثمرة من ثمار حكم دولة الوحدة التي أقامها حموربى إذ أصبح القضاء من اختصاص الملك بصفته صاحب الأمر والنهي وليس بصفته كاهنا وترتب على ذلك تعيين موظفين من قبل الملك لممارسة القضاء في دار المحكمة ويفصلون في المنازعات باسمه.
أما اختصاص مجلس الشيوخ فقد بقي إلا أن مساحته ضاقت جدا بل انحصرت في خصومات قليلة القيمة و قضايا النصح. أما الكهنة فقد احتفظوا بجزء يسير جدا تمثل في الاستماع لمن يطلب منه أداء اليمين.
- وحدة جهة التقاضي وتعدد درجاته: كان القضاء المدني يتميز بوحدته بالنسبة لجميع المواطنين وبتعدد درجاته وكانت محاكم أول درجة توجد في النواحي والقرى والمدن وتتكون من عدة قضاة يتراوح عددهم بين أربعة وثمانية ويعاونهم عدد من المحققين والكتبة ورجال الشرطة وتستأنف أحكام هذه المحاكم أمام محكمة عليا مقرها مركز الإقليم برئاسة المحافظ أو الأمير ، وهنا تختلط او تند مج الاختصاصات القضائية والتنفيذية فالموظفون الذين يجلسون للقضاء هم من يتولون أعمال السلطة التنفيذية والإدارية في دوائر اختصاصهم وتشير النصوص إلي وجود محكمة أعلى هي محكمة الملك تعرض عليها بعض القضايا دون أن تتحدد اختصاصاتها.
وقد دلت النصوص علي نزاهة القضاة وحياديتهم حيث تأكد حرص أولئك القضاة علي نزاهة القضاء وقد قضت المحاكم ببطلان الأحكام القضائية التي يتحيز فيها القاضي لأحد الخصوم.
أما في ما يتعلق بالإثبات فتشير النصوص إلي وصوله مستويات متقدمة فكانت الكتابة تقوم بدور رئيسي في الإثبات وكذلك كان دور الشهود واليمين ولم ترد أي إشارة إلي التعذيب للحصول علي اعترافات المتهمين كما كان موجودا عند اليونان والرومان خاصة في معاملة الرقيق.
- رابعا:نظم العقوبات
لقد تميز التقنين المنسوب إلى حمو رابي بجملة من الميزات لعل من أبرزها:
- قسوة العقوبة مع اختلافها:وذلك تبعا لاختلاف مركز الجاني والمجني عليه إذ عرفت بلاد ما بين النهرين تطورا في نظم العقوبات مما أدي إلي الانتقال من الانتقام الفردي إلي عقوبات تفرضها الدولة. فقبل عهد حمو رابي كان نظام العقوبات يقوم علي أساس العقوبات المالية، فحددت مدونتا اورنامو واشثونا قائمة بالاعتداءات البدينة والغرامة التي يلتزم الجاني بدفعها للمجني عليه أو لأهلة، ويلتزم هؤلاء بقبضها وكان مقدارها يختلف تبعا لمركز الجاني والمجني عليه ودرجة خطورة الفعل . و بعض الأفعال قد تعاقب بالإعدام ومنها ما قد يقوم المجني عليه بالقصاص لنفسه من الجاني دون انتظار للحكم ( وهي من بقايا الانتقام الفردي ) ومنها الاعتداءات التي تقع ليلا، كزنا المرأة ).
- الاعتداد بالقصد الجنائي :وفي قانون حمو رابي تطورت نظم العقوبات إذ تم استحداث مبدأ جديد هو الاعتداد بالقصد الجنائي بينما تقضي قوانين اشنونا بتطبيق غرامة مالية واحدة في حالة الضرب والجرح دون تفرقة بين حالات العمد وغيرها فان قانون حمو رابي يقضي بعدم تطبيق عقوبة في حالة الجروح غير العمدية ويكتفي بإلزام الجاني بدفع نفقات علاج المجني عليه وهذا يعتبر تقدما بالمقارنة بما سبق من قواعد.
- إحلال العقوبات البدنية محل العقوبات المالية: احل قانون حمو رابي عقوبة الإعدام والقطع في أكثر من الحالات محل الغرامات المالية مما أضفي علي العقوبات طابع القسوة والشدة فعقوبة الإعدام وردت فيه في 34 حالة .وفي بعضها ينفذ الإعدام شنقا وفي بعضها ينفذ حرقا للجاني وعقوبة القطع تنفذ عن طريق قطع اليد أو اللسان أو صلم الأذن أو سمل العين.
- الغرامة جمعت بين العقوبة والضمان: فقد كانت تؤول إلى المجني عليه لجبر الضرر وكانت تقدر بمقدار أعلى من قيمة الضرر فتصل مثليه أو ثلاثة أمثال قيمته لتكون بذلك ضمانا له.
المطلب الثاني : مؤسسات القانون الخاص
يتناول هذا المبحث الأسرة و أهم العلائق التي ربطت بين الأفراد و تجليات ذلك متمثلة في العقود بأنواعها المختلفة،بعد أن نتطرق لمراكز هؤلاء الأفراد القانونية.
- أولا:الشخصية القانونية :
الشخصية القانونية هي الصلاحية لاكتساب الحقوق والتحمل بالواجبات. فمن كان صالحا لأن تجب له أو عليه الحقوق والواجبات اعتبر شخصا في لغة القانون.وهنا يكفي أن يكون الشخص صالحا لاكتساب الحقوق وأداء الواجبات وليس شرطا أن يمارسها بنفسه، إذ من الجائز أن يحول حائل دون ذلك مثل صغر السن أو ضعف العقل..الخ
والشخصية القانونية لا يكتسبها الآدميون وحدهم بل هناك أشخاصا قانونية اعتبارية أو معنوية. وهذه الشخصية لم يكن يعترف بها للإنسان على إطلاقه وإنما اقتصر منحها للمواطنين الأحرار كقاعدة عامة وللأحرار من الأجانب في حدود معينة.ولذلك لم يكن الرقيق شخصا في الشرائع التي كانت تأخذ بنظام الرق.
ولما المجتمع في بلاد ما بين النهرين قد تميز بقيامه على أساس الطبقات الاجتماعية ذات المراكز القانونية المختلفة. وهذه الظاهرة سادت في الهند، وتشير بعض المصادر إلى أنها لم توجد في مصر الفرعونية إلا في عهود الإقطاع وانقسام المجتمع إلى طبقات.وهذه الظاهرة لم تكن مجرد تقسيم اجتماعي بل كانت تترك أثرا قانونيا بينا. فحالة الشخص، وما يتمتع به من حقوق وما يلتزم به من التزامات يختلف تبعا للطبقة التي ينتمي إليها.
وإذا تركنا جانبا رجال الدين والأسرة المالكة الذين ظلوا يتمتعون بعدة امتيازات نجد أن المجتمع في بلاد ما بين النهرين ينقسم إلا ثلاث طبقات رئيسية: الأحرار والأرقاء وطبقة وسطى بينهما تطلق عليها النصوص تعبير مشكينو أو المساكين كما مر علينا ،وهي ظاهرة طبعت تاريخ البلاد ما بين النهرين، وهذه الطبقات وراثية ومقفلة فلا جوز الانتقال من طبقة إلى أخرى حسب ما تذكر بعض المصادر وقد سبق أن تناولنا تلك الطبقات وتعرضنا لمراكزها القانونية.
- ثانيا: نظام الأسرة : الأسرة في بلاد ما بين النهرين ذات كيان مستقل تتألف من الزوج والزوجة والأولاد وعائلات الأولاد، أحيانا يتصدرها الأب صاحب السلطة المطلقة علي جميع أفرادها وصاحب الحق الوحيد في الأموال العائدة إليها ولكنه في المقابل يلتزم بإعالة أسرته.
الأولاد في الأسرة ينتسبون إلي الوالد، فالنظام المتبع فيها هو نظام الأبوة ولكن المرأة بالرغم من ذلك تتمتع بمركز لائق في المجتمع كما يستدل من الرجوع إلي شريعة حمو رابي.
ا- الزواج: تقوم الأسرة علي الزواج الذي ساد فيه مبدأ الزوجة الواحدة.ولكن يوجد إلى جانبه نظام تعدد الزوجات ونظام التسري. وقد كان الهدف من الزواج إنجاب الأطفال. و هذا الغرض هو ما يفسر وجود تعدد الزوجات وبعض صور التبني. فعادة عندما تكون الزوجة الأولي عقيما أو مريضة مرضا مزمنا ، يحق للزوج أن يتخذ زوجة ثانية وتسمى \\\" شوجيتم\\\". ولا توضح الوثائق وضعها القانوني بشكل دقيق، ولكن يتضح أنها في مركز أدني من الزوجة الأولي بالرغم من أنها تعتبر زوجة شرعية وأن أولادها يعتبرون أولادا شرعيين.
إلا انه من الجدير بالذكر أنه كان للزوج أن يتخذ ما يشاء من الجواري. وهذه الجواري أقل مركزا من الزوجة الثانية. والجارية تظل أمة إلي وفاة زوجها حيث تصبح حرة هي و أولادها بقوة القانون.
ويتم الزواج بعقد مكتوب واضح الشروط تحدد فيه واجبات الزوجين وينعقد الزواج بتراضي أولياء الزوجين كشرط انعقاد العقد. كما ثار خلاف حول تراضي الزوجين.
ولا يكفي التراضي لانعقاد الزواج بل لا بد من الكتابة أيضا فعقد الزواج المكتوب يسمى \\\"ريسكاتي\\\" يوقعه الشهود، وهذا العقد ليس دليلا للإثبات فقط بل هو شرط لازم لصحة العقد.وفيه ينص على الهبات المالية التي صاحبت الزواج ومصيرها، وعقوبة خيانة أحد الزوجين للآخر، وشروط حدوث الطلاق... الخ.
وعدم تحرير العقد يجعل العلاقة بين الزوجين علاقة غير شرعية لا يترتب عليها أي أثر قانوني.
وقد جرت العادة على أن يدفع الزوج لأولياء زوجته مهرا وهو عبارة عن مبلغ قليل من المال أو منقول قليل القيمة يدفع وقت الخطبة.و تم تكييفه على أنه بمثابة ثمن شراء المرأة أو إنه يقوم بوظيفة العربون في عقد الزواج.إلا أن البعض اعتبره هبة من الزوج إلى الزوجة أو إلى وليها. والزواج الخالي من المهر يكون زواجا صحيحا وينتج آثاره القانونية.
ب- الهبات المرافقة للزواج :هناك ثلاث هبات تصاحب الزواج في بلاد الرافدين ومن الملاحظة أن هذه الهبات لا تأتي كشروط لانعقاد الزواج وإنما هي كلها آثار له. فالزواج ينعقد صحيحا من دونها وهذه الهبات هي : المهر، \\\"النودينو\\\" و\\\"الشريقة\\\".
- أما المهر فبالإضافة إلى ما ذكر نقول أنه هدية تعطى للزوجة أثناء الخطبة وتصبح ملكا لها إذا تم الزواج ،و إذا فسخت الخطبة من طرف الزوج لا ترد. أما إذا كان الفسخ ناتج عن أسباب تتعلق بالزوجة حق للزوج استرداد عطيته وفي هذه الحالة ترد بمثليها حسب قانون حمو رابي .
- أما \\\"الندينو\\\" فهي منحة من الزوج لزوجته وهي عبارة عن منحها حق الانتفاع ببعض أموال الزوج (منقولات أو عقارات) في حالة وفاة الزوج قبلها ويحرر بها عقد سواء كان ذلك في الخطبة أو بعد قيام الزواج.وإذا لم يقرر الزوج هذا المكسب يقرره لها القانون بمقدار يعادل ربع نصيب أحد الأبناء شرط استمرارها مقيمة في منزل الزوجية.
- وأخيرا \\\"الشريفة\\\" وهي منحة تتلقاها الزوجة من أبيها أو وليها بمناسبة الزواج، فقد تكون عقارا أو منقولا أو رقيقا أو حليا.وتعتبر هذه الأموال ملكا للزوجة فترة الزواج، مع عدم التصرف فيها، ولكنها تدار من قبل الزوج ويتم الاستفادة من ريعها.
وفي حالة وفاة الزوجة قبل الزوج تعود الأموال إلى الأولاد، أما إذا لم يكن لها أولاد آلت إلى أسرة الزوج . وفي حالة ما إذا انتهت الحياة الزوجية بفعل وفاة الزوج أو الطلاق فإنها تحتفظ بأموالها وعند وفاتها تعود الأموال إلى الأولاد، أما إذا تزوجت من زوج آخر اقتسم الأولاد هذه الأموال.
ج- آثار الزواج: من أهم الآثار المترتبة على الزواج هي ولاية الزوج على كل من زوجته وأولاده وإن كانت أخف مما عرفه الرومان كما سنرى لاحقا.
إن ولاية الأب على الأولاد هي حق له إلا أنه في حالة عدم وجوده تكون هذه الولاية للأم أو الإخوة الذين بلغوا سن الرشد ولا حدود لتلك الولاية زمنيا. وهذه الولاية لا تسمح للأب ببيع أولاده ولا رهنهم ما لم يرتكبوا خطا جسيما، ولا يستطيع حرمانهم من الميراث ولا إنقاص نصيبهم في التركة، إلا في حالات استثنائية رغم ثبوت خروج الآباء على هذه المحرمات.
أما ولاية الزوج على الزوجة فإنها مقيدة حيث تدل النصوص على أن المرأة كان لها الحق في الاستمرار بالإقامة في منزل الزوجية بعد وفاة الزوج.
كما تشير إلى أهلية المرأة بمباشرة التصرفات القانونية دون الحاجة للحصول على أذن زوجها، ولها حق الملكية وممارسة التجارة وسائر المهن.
وليس للزوج أن يبيع زوجته أو يرهنها ولكن لدائن الزوج أن يضع يده على الزوجة أو الأولاد كرهن لدينه ومن ثم لهذا الدائن أن يبيعهم أو يرهنهم بدوره إلى الغير.
والمرأة تستطيع أن تباشر بنفسها رفع الدعوى أمام القضاء.
د- انحلال الزواج: تنتهي الرابطة الزوجية في بلاد ما بين النهرين بالطلاق أو بوفاة أحد الزوجين.
- الطلاق: تشير النصوص إلى حق الزوج بتطليق زوجته وأنه حق مطلق لا تعتريه القيود ولا يخضع لرقابة السلطة العامة ويتم من دون أي إجراءات شكلية. غير أن النصوص تفرق بين الطلاق المشروع والطلاق اللامشروع وغير المقر في القانون، وفي هذه الحالات يقع الطلاق إلا أنه يرتب بعض الآثار المالية .
ومن الأسباب المشروعة للطلاق نذكر الطلاق بسب عقم الزوجة ولها النفقة التي يطلق عليها \\\"اوزوبو\\\" ومنها ارتكاب الزوجة خطأ كالطيش والنزق وفي هذه الحالة لا تستحق النفقة.
أما في الحالات التي يكون فيها الطلاق بدون سبب مشروع ففيها يلتزم الزوج بإرجاع \\\"الشريقة\\\" فضلا عن حق الانتفاع للزوجة ببعض أموال الزوج، وتكون لها حضانة الأولاد.
أما الزوجة فليس لها حق الطلاق إلا في حالات محددة كغياب الزوج دون أن يترك في بيته نفقة،او اتخاذه زوجة ثانية حال مرض الأولى مرضا مزمنا وهنا يقع الطلاق بحكم من القاضي وفي هذه الحالة تسترد المرأة \\\"شريقتها\\\".
لقد تضمن قانون حمو رابي وضعا خاصا بالزنا.فزنا الزوج لم يكن محلا للعقاب أما الزوجة فتعاقب بشدة وفي حالة التلبس تعاقب بالإعدام شنقا أما إذا ترددت عنها شائعات ألقيت في النهر، أما إذا اتهمت من قبل زوجها فلها أن تبرئ نفسها باليمين ، وللزوج في كل الحالات العفو عن زوجته.
ه- التبني: عرفت بلاد ما بين النهرين نظام التبني الذي يتم شكلا في صورة عقد ينعقد بين المتبني ومن له الولاية على الشخص المتبنى أو المتبنى نفسه.ويشترط أن يكون العقد مكتوبا وان يصاحبه تسليم المتبنى.
وفي نظام التبني الحقيقي يكون المتبنى بمثابة ابنا لمن تبناه بنفس الحقوق التي يتمتع بها ابنه من صلبه.
هذا وهدف التبني إلى تحقيق عدة أهداف من أهمها تحقيق الأغراض الحقيقية للتبني ومنها أحداث الرابطة الأبوية التي تربط بين الآباء والأبناء، أو لتحقيق أغراض أخرى يكون فيها التبني صوريا وهدفه التحايل على القوانين.ومن الأغراض التي يحققها التبني تصحيح النسب والعتق ويستعمل بديلا عن الوصية الخ..
و-الإرث:الإرث عند البابليين محصور في الأبناء الشرعيين وتحرم منه الإناث وللشخص الحق في أن يوصي بماله.أما الزوجة الأرملة فالأصل أنها لا ترث و يعتبر الندينو نصيبها من التركة،وإذا لم ينص على حق الانتفاع ذاك يكون لها بحكم القانون نصيب احد الأبناء من التركة
والوارث يعتبر خلفا عاما للموروث فيخلفه في حقوقه والتزاماته والعبادة التي كانت الأسرة تمارسها فهو يعتبر امتدادا لشخصية المورث.والتركة قد يتم اقتسامها بالتساوي إذا قرر الأبناء ذلك وقد تظل ملكيتها مشاعية بين الأبناء.وفي حالة عدم وجود فرع وارث من الذكور تعول التركة إلى الإخوة الذكور.
ز-الوصية: لقد تم تقييد حرية الشخص في الوصية من ماله وذلك على اعتبار أنه لا يجوز له حرمان ورثته من التركة ولا العمل على إنقاص نصيب أي منهم ما لم يرتكب الوارث خطأ جسيما ولا يكون ذلك إلا بحكم قضائي وقد يعمد المورث إلى تقسيم تركته بين أبنائه حال حياته وقد يعمد إلى تقسيمها ما بينهم عن طريق الوصية.
ثانيا: نظام الملكية
رغم ما وصل إليه المجتمع البابلي من تطور ورقي في مجال المعاملات التجارية إلا أن ما كان لخصوبة الأرض من اثر يتضح في الاستغلال الواسع للزراعة مما انعكس في ارتفاع غلة الأرض وهو ما سمح بانتشار الملكية الصغيرة و إلى جانب هذه الملكية وجدت الملكيات الكبيرة .والملكية قد تكون مقيدة وقد تكون مطلقة،وعموما تتوزع الملكية عند البابليين إلى ثلاثة أشكال: الملكية الجماعية، الملكية العائلية، والملكية الفردية.
- الملكية الجماعية: هي أقدم الأنواع وهي الأموال المنقولة أو غير المنقولة التي يصار إلى استعمالها للمصلحة العامة، وإلى توزيع غلالها وعائداتها في الأزمات أو لدى الحاجة، أنها ملكية المدينة.وقد اعتبرت ارض المدينة أو الإمارة ملكا للآلهة ويتوب عنه الكهنة في استغلال الأرض.فالملكية جماعية و الاستغلال جماعي أيضا.
- الملكية العائلية: وهي ملكية الأسرة وقد ظهرت في أكاد، فالأرض تعتبر للأسرة. و رغم حق التصرف المحفوظ لأفراد الأسرة فيها، إلا انه بالمقابل كان لأي عضو من أعضاء الأسرة حق الاسترداد أي أن يكون له الحق في أسبقية شراء الحصة المراد بيعها.وفي نظام الملكية العائلية تكون الأموال تحت إشراف رب العائلة.
- الملكية الفردية: وتعني حق الأفراد بالتملك مستقلين عن المؤسستين السابقتين وقد شاعت في بلاد الرافدين في عصور مبكرة. بل إن كل خصائصها كانت قد اكتملت غي عهد حمو رابي .فيجوز للمالك الاستغلال والتصرف في ملكه دون قيد .والقيد الوحيد الذي يرد عليه هو حق الاسترداد.لكن عقد البيع يمكن ان يتضمن شروطا تؤدي إلى عدم إمكانية ممارسة حق الاسترداد.
وقد ثبت أن هذه الملكيات كان من الممكن أن تتواجد في الآن نفسه مع غلبة إحداها على الأخريات تبعا للظروف السياسية والاجتماعية السائدة.
ثالثا: العقود
لقد مارس أصحاب هذه الحضارة أنشطة ومهارات عكست درجة التقدم التي وصلت إليها ،فعرف هذا المجتمع التجارة والحرف والصناعات التي تعاطت صناعة المعادن كالذهب والفضة و ا لقصدير.مما أدى إلى تطور مستوى المعاملات بين الإفراد سواء كان في الداخل البلاد او خارجها.فظهرت الشركات والنقود وحتى أن تطور النظام الاقتصادي وتقدمه أدى إلى وجود نظام شبيه بنظام البنوك.
ان ما سبق أدى إلى تطور العقود ،ومن الواضح أنها ،في عمومها ،كانت تتضمن أمورا عامة يجب توفرها في العقد ومن أهمها تحرير العقد والشهود ووضعهم لأختامهم عليه رغم عدم تحديد عددهم.والتحرير لا يعتبر ركنا في العقد وإنما هو مجرد وسيلة إثبات،وكذلك بالنسبة للشهود.وعلى فان البابليين لم يعرفوا العقد كفكرة مجردة وإنما عرفوا أنواع العقود المختلفة ووضعوا لكل منها أحكامها مثل : البيع والإيجار و الوديعة والمقايضة والشركة وغيرها وقرروا أن كل واحد من هذه العقود تتولد عنه آثار قانونية دون انب صوغوا منها نظرية عامة للعقد. ومن الملاحظ أن العقود كانت تحاط بشكليات كثيرة وكان دور الإدارة ضعيفا في البداية إلا أن مفهوم التعاقد تطور وتعزز سلطان الإدارة في إنشاء العقد وتفسيره فيما بعد.
الفصل الثاني: التطور القانوني ونظمه في الحضارة الفرعونية
أثبتت الدراسات الحديثة أن مصر كانت مأهولة بالسكان منذ أقدم العصور. فمنذ العصر الحجري الحديث استقر المصريون القدماء علي ضفاف وادي النيل واستفادوا من مياهه وطميه، اللذان شكلا مصدر الخصب والثروة، ومكنا، بالتالي من ظهور حضارة تعتبر من أطول التجارب الحضارية التي عرفها الماضي، إذ دامت أكثر من 3500سنة، استمرت خلالها نفس اللغة والثقافة والمجتمع والآلهة. ولم يكن ذلك وليد الصدفة لا لوجود مياه النيل وطميه بل كان في الواقع نتيجة أداء المؤسسات التي ابتدعها ذلك الشعب للإيفاء باحتياجاته المجتمعية، وقدرة تلك المؤسسات علي الإيفاء بتلك الحاجيات هو السر وراء ذلك الاستمرار .
وسنتناول في هذا الفصل ما عرفته هذه الحضارة من تنظيمات فيما يتعلق بحياتها المجتمعية وما أقامته من تنظيم لإدارة شؤونها وكيف نصبت جهازها القضائي والنظام الذي ابتدعوه لتسيير أمور حكمهم .
علي أن نعقب ذلك بدراسة بعض المؤسسات الخاصة كالأسرة والميراث والتبني ونظام الملكية.
المبحث الأول:التطور السياسي و البنية المجتمعية في مصر القديمة
وستتم من خلال هذا المبحث دراسة أهم التطورات السياسية التي عرفتها الحضارة المصرية الفرعونية في مطلب أول، ونتناول البنية الاجتماعية للمجتمع الفرعوني في مطلب ثاني.
المطلب الأول:التطورات السياسية في مصر الفرعونية
يشير علماء تاريخ القانون إلى أن عصور تاريخ القانون الفرعوني تتطابق مع عصور التاريخ السياسي وغالبيتهم تقسم هذه الأخيرة إلى ثلاثة عصور أساسية، كانت تزدهر فيها الحضارة الفرعونية،وكل فترة ازدهار كانت تعقبها فترة انهيار وضعف للحضارة. وكانت الفترتان تمثل دورة كاملة.وكل دورة تنقسم إلى مرحلتين متميزتين: مرحلة تزدهر فيها المدينة وتقوى فيها السلطة المركزية وتسودها النزعة الفردية ،ومرحلة ثانية تضمحل فيها المدنية وتتجزأ وحدة البلاد وتتحول إلى إمارات شبه مستقلة يسودها النظام الإقطاعي.
وهكذا فالعصر الأول عرف بعصر الدولة القديمة وقد دامت فترة ازدهاره حوالي خمسمائة عام أي من العام 2780 ق.م.الى2270ق.م. وقد عرفت نزعة فردية وخاصة في عهد الأسرتين الثالثة والرابعة.أما في المرحلة الثانية فقد عرفت النظام الإقطاعي في فترة حكم الأسرة الخامسة إلى الأسرة العاشرة أي 2134 ق.م.وفي هذا العصر عرفت الحضارة الفرعونية أوج لحظات قوتها حيث وجد المؤرخون أن ما عرفته من تطور لم تبلغه في أي فترة من فترات ازدهارها الأخرى.
أما العصر الثاني من عصور الحضارة الفرعونية فقد امتدت فترة ازدهاره أيضا قرابة 500سنة و هي فترة حكم الأسرتين الحادية عشرة والثانية عشراي من2134الى1780ق.م وقد تسمت هذه الدولة بالدولة الوسطى.أما فترة الانهيار والفوضى فقد تم فيها احتلال البلاد من قبل الهكسوس الذين نشروا الفوضى والرعب فيها.وانتهت هذه الحقبة بنهاية حكم الأسرة السابعة عشرة أي سنة 1570ق.م.
أما العصر الثالث وهو عصر الدولة الحديثة،فقد بدأت فترة ازدهاره بوصول الأسرة الثامنة عشرة إلى الحكم 1570ق.م. والتي استمرت حتى العام1090ق.م.لتبدأ فترة الوهن للمدنية الفرعونية حتى بداية عهد الأسرة الخامسة والعشرين.
ورغم أن بعض المصادر تشير إلى انه ابتداء من حكم هذه الأسرة شهدت الحضارة الفرعونية الانتعاش وهي الفترة التي عرفت بالعصر الصاوي نسبة إلى العاصمة صا الحجر والعصر الديموطيقي لكثرة الوثائق المكتوبة بهذه اللغة، والذي لم ينتهي إلا بالغزو الفارسي سنة525ق.م. إلا أن المؤرخين لم يقروا بقيام دولة رابعة. و بمجيء الأسرة الثامنة و العشرين تم طرد الفرس واستمر حكم الفراعنة إلى نهاية الأسرة الثلاثين 341ق.م حيث تم القضاء على آخر الفراعنة \\\"نختبو\\\" ولم تعد الحضارة الفرعونية إلى الازدهار بالرغم من الاستقلال.


المطلب الثاني:التركيبة الاجتماعية للمجتمع الفرعوني
المصريون القدماء يعودون إلي الجنس الحامي الذي كان منتشرا في أرجاء القارة الإفريقية وان كانوا اختلطوا خلال تاريخهم الطويل بشعوب سامية وهندو- أوروبية ليتشكل من ذلك خليط فريد هو الشعب المصري .
ولم يشذ هذا المجتمع عن المجتمعات الإنسانية قديمها وحديثها إذا انقسم إلي طبقات متمايزة من حيث مهنها وثرواتها وباختصار من حيث مكانتها من السلطة، وعلي ذلك الأساس انقسم المجتمع المصري القديم إلي طبقتين أساسيتين هما طبقة العامة والطبقة العليا أو بعبارة أدق الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة.
-أولا : الطبقة العامة: وتضم هذه الطبقة السواد الأعظم من المصريين كالفلاحين والعمال وأفراد الجيش ومجموعة العبيد.
أ -الفلاحين :وهم يقومون بمجموعة من الأعمال أهمها دورهم الرئيسي وهو فلاحة الأرض في موسم البذر والحصاد، غير أنهم خارج تلك الأوقات يعملون في خدمة الملك أو حاكم الولاية التي ينتمون إليها وقد ضرب هؤلاء مثلا في الجلد والصبر وقد كانت ظروفهم غاية في القسوة، ويكفي أنهم كانوا بمثابة جزء من الأرض التي يعملون عليها فهم عبيد الأرض ينتقلون معها من مالك لآخر.
ب- العمال والحرفيين : ولم يكن حالهم في الأغلب الأعم من الحالات بأحسن من حال الفلاحين وان نعم بعضهم بحياة رغيدة بفضل تميزهم في مجال حرفهم وصنعتهم وهم كذلك في وضعهم متفاوتون بحسب الزمان والمكان، فمن حيث المكان يختلف وضعهم إذا كان محل عملهم في المدينة أو في المعبد أو في ورشة الفرعون أو من حيث الزمان ومدى اهتمام الحكام ومدي احتياجهم لعمل هؤلاء.
ج- الجيش : علي الرغم من قدم مؤسسة الجيش وكونها المؤسسة الوحيدة التي عرفتها كل الحضارات القديمة إلا أنها كمؤسسة نظامية قد تأخرت في الظهور في مصر الفرعونية .ومع قيام الدولة الحديثة صمم الفراعنة علي الاحتفاظ بجيش دائم واختاروا أفراده منذ حداثة سنهم، ولم يسمحوا للفلاحين بالانخراط فيه خشية تأثير ذلك علي النشاط الرئيسي \\\" الزراعة\\\" وشمل هذا الجيش إلي جانب العناصر الوطنية مرتزقة بينهم الليبيون والسودانيون والسوريون والأحباش.
د- الأرقاء أو العبيد : وتتكون هذه الشريحة من أسرى الحرب ومن الذين تم شراؤهم بواسطة تجار متخصصين بالإضافة طبعا إلى الذين يولدون وهم عبيد ولم يكن عددهم كبيرا جدا بالمقارنة مع الحضارات الآخرين، وكان لهم الحق في الزواج ولهم حق تعاطي بعض الأعمال التي تعود عليهم بالثروة.
وامتازت الحضارة المصرية بكون استخدام الرقيق بها لم يتم بشكل واسع وبالتالي كان شكل علاقة الإنتاج السائدة مغايرا بسبب غياب الملكية الفردية للأرض. ورغم كون ملكية الأرض ملكية مطلقة للملك، توحي بغياب ملكية الأفراد للعبيد ،فإن الواقع يشهد أن الفرعون كان يعطي لبعض موظفيه عبيدا لخدمتهم ويرفهون عنهم، وكان يطبق على هؤلاء أقصي أنواع العقوبات إذ حاولوا الخروج من قبضة سادتهم .وتشهد الكتابات الفرعونية على مدى الاحتقار والقسوة الجسدية التي كان هؤلاء عرضة لها.
- ثانيا : الطبقة العليا أو الارستقراطية
يأتي على رأس هذه الطبقة الفرعون وتتكون من الأسرة الملكية والنبلاء والموظفين وقادة الجيش وكبار الكهنة .
أ- الفرعون : ولفظة فرعون مشتقة منPERAA برعا وحرفتها التوراة وكتبتها PHARAA وقلبت اللغتان العربية والعبريةP إلى ف وأخذت عنها اللغات الأوربية الحديثة ذلك التحريف فأصبح فيها PHARAONومعناها الصرح الكبير وقد عنت هذه التسمية في الأصل القصر الملكي ثم ما لبت أن دلت على الفرعون نفسه.
ب- النبلاء : وقد تكونت هذه الطبقة تدريجيا من ذوي الفرعون و أقربائه والمخلصين له و المحظيين عنده ومن بين أفراد هذه الطبقة علي الملك أن يختار كبار مساعديه في تسيير الشؤون العامة.
ج- الموظفون : اقتضي اتساع رقعة البلاد واستطالة وادي النيل تقسيم الدولة إلى مقاطعات يرأس كل منها موظف يمثل الفرعون ثم ما لبث أن تكاثر عدد هؤلاء الموظفين واختلفت صلاحياتهم وعلا شأنهم وزادت مداخيلهم ،وعدت هذه الوظائف الوسيلة الوحيدة لتحقيق مكانة مرموقة والملاذ الوحيد للإفلات من قبضة العمل اليدوي القاسي والمهني، غير أن اشتراط القدرة على الكتابة والقراءة كانت اكبر عائق أمام العامة للوصول إلي هذه المرتبة.
د- قادة الجند : حظي كبار القادة برضا الملك نظرا لحاجته لمجهوداتهم فكان يغدق العطايا عليهم، لضمان ولائهم وتفانيهم في خدمته وتدعيم ملكه.
ه- الكهنة : خدم الآلهة وقد كان اختيارهم يتم أساسا من الطبقات العليا في المجتمع وعادة ما كانت تجري في عروقهم دماء ملكية. وهي مهنة متوارثة كما أن زوجة الكاهن غالبا ما تكون هي الأخرى كاهنة .
و بالنظر إلي تحكم هؤلاء في أموال المعابد وما يتلقونه من هبات فقد أثرى الكثير منهم ثراء فاحشا فقد وظفوا المال والعلم والسحر حتى غدا بعضهم منافسا خطيرا للفراعنة.
و رغم ما لهذه الشرائح داخل طبقة النبلاء من مزايا إلا أن وضعيتهم الاقتصادية لم تكن قارة إذ تتغير بتغير الأسر الحاكمة. فالدولة الاستبدادية كانت تستطيع في أحيان كثيرة إخضاعهم أو تنحيتهم ومصادرة ممتلكاتهم وإعدامهم بأبشع الوسائل.
المبحث الثاني :القانون ومصادره في الحضارة الفرعونية
يقسم المؤرخون تاريخ القانون المصري إلى مجموعة من الحقب نوجزها في:
- العصر الفرعوني : وهو عصر يمتد على أكثر من ثلاثة آلاف عام إذ يمتد من 3200قبل الميلاد إلى العام 332قبل الميلاد وهو تاريخ تأسيس الدولة البطلمية.
- العصر البطلمي: وهو الصر الذي يبدأ فيه احتلال مصر من قبل الإغريق سنة332ق.م. ولم ينتهي إلا باحتلالها من قبل الرومان عام 31ق.م.
- العصر الروماني:وهو الذي يبدأ من العام 31ق.م . وهو تاريخ احتلال البلاد من الرومان وقد انتهى بطردهم من قبل الفاتحين العرب المسلمين عام 641م. إضافة إلى العصر الإسلامي. وجدير بالذكر إن الدراسة ستقتصر على دراسة القانون في العصر الفرعوني وذلك من خلال الحديث عن مصادر معلوماتنا عن هذا القانون من جهة والوقوف على أهم تلك القوانين من جهة أخرى..
وعموما سيتوزع هذا المبحث إلى مطلبين ،يطلعنا الأول بدراسة مصادر القانون عند المصريين القدامى في يحدثنا الثاني عن أهم تلك القوانين.
المطلب الأول:مصادر القانون الفرعوني
لا يزال من غير المقدور عليه تحديد ملامح بارزة عن القانون و مصادره في العهود المصرية القديمة، منذ نشأة المجتمع المصري الأول وحتى فتوحات لاسكندر، رغم أن بعض المصادر كالمؤخر الإغريقي \\\" ديودورالصقلي\\\" أشار إلى أن مصر القديمة عرفت تشريعات كان أولها تقنين \\\" تحوت\\\" إله القانون والملك \\\"مينا\\\" وغيرهما ،إلا أن آخرين يرون أن التشريعات المدونة لم تظهر إلا في القرن الثامن قبل الميلاد نتيجة للضغط الشعبي وتململ الطبقات الدنيا، ولعل هذا الوضع ما جعل العرف المصدر الأبرز، إن لم يكن الأوحد للقانون المصري في الفترة الزمنية المشار إليها . وقد كان العرف مقدسا لا تجوز مخالفة أحكامه علي الإطلاق، وعلي الجميع الالتزام بحكمه بما في ذلك الفراعنة أنفسهم، وقد كان الدين متغلغلا في حياة المصريين اليومية مما يفسر تقديس العرف و تولي رجال الدين مراقبته وتفسيره.
وعلى العموم تشير بعض المصادر إلى مجموعة من الوثائق التي أظهرتها الحفريات والتي تعود إلى ما يعرف بفترة العصر الصاوي ،بعد أن تقرر أنها كانت قليلة قبلها ،وأنها كتبت بالهيروغليفية والهيراطيقية في عصر احدث نسبيا ، لما وثائق العصر الصاوي فكتبت بالديموطيقة التي شاع استعمالها في ذلك العصر،وان تلك الوثائق كانت مكتوبة على ورق البردي بينما كانت الوثائق السابقة على هذه العصر منقوشة على الجدران المعابد وغيرها أو على الحجارة.ومصادر القانون المصري القديم تتوزع على عدة أقسام أهمها:
ا- النصوص التشريعية: وهي قوانين تحفظ سجلات دار العدالة بالقصر الملكي.وفي هذا الصدد تشير لعض المصادر وجود بعض المدونات وان كان التاريخ لم يحفظ لنا منها شيئا ،ومن أشهرها مدونة بوكخوريس.وهناك المراسيم الملكية التي تم العثور على بعض منها واعتبرت نصوصا تشريعية.
ب- وثائق مثبتة للمعاملات اليومية بين الأفراد: كعقود الزواج والبيع وأقدمها مل يعود إلى ملوك الأسرة الرابعة بناة الأهرام.وهذا النوع من الوثائق نادر وجوده قبل العصر الصاوي.
ج- ترجمة حياة الملوك وعظماء الدولة:عثر على بعض اللوحات منقوشة على جدران المعابد تبين أسماء الملوك وأعمالهم السياسية والاجتماعية والدينية، كما تم العثور على بعض الوثائق التي تترجم حياة بعض عظماء الدولة. وغم ما نراه من ضعف لإسهام هذه النوع من الوثائق في تنويرنا حول القوانين المصرية القديمة فإن البعض يراه مصدرا مهما لتلك القوانين.
المطلب الثاني:أهم التشريعات المصرية القديمة
إن حديثنا السابق يؤكد أن الآثار المصرية لم تسعفنا بالكثير من الوثائق عن الحياة القانونية للمصريين القدامى فلا يزال الغموض يعتري الكثير من جوانب تلك الحياة وعلى ذلك فإننا ستقتصر في دراستنا على القانون الوحيد الطي حملته لنا تلك المصادر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهرة المنتدى
Admin
Admin
زهرة المنتدى


العمر : 28

الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية   الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية Emptyالأربعاء 18 أبريل 2012 - 12:33

قانون بوكخريوس
صدر هذا القانون في عهد ملوك الأسرة الرابعة والعشرين عام 746 ق. م. بعدما اشتد الضغط علي الفرعون بوكخريوس من الطبقات الشعبية الناقمة علي تعسف رجال الدين الذين دأبوا على تفسير العرف لمصلحة الارستقراطية.
جمع هذا الفرعون في قانونه النظم والقوانين المصرية التي كانت سائدة قبل عصره مع إدخاله بعض التعديلات عليها وقد تأثر في تشريعه بقوانين بابل خاصة قانون حمو رابي.
ومن أبرز الإصلاحات التي أدخلها بوكخوريوس تلك المتعلقة بالمرأة حيث حق المساواة للرجل، وأصبح الزواج يقوم علي حرية التعاقد ،وبما أن للزوج أن يطلق زوجته فللزوجة أيضا أن تطلب فسخ الزواج.
وقضي في هذا القانون علي الآثار المترتبة علي السلطة الأبوية، فاقتصرت ولاية الأب على أولاده الصغار ولم تعد الوصاية مقررة إلا على مال الصغير... وغير ذلك.
كما الغي بوكخوريوس نظام استرقاق المدين الذي كان سائدا والذي كان يخول الدائن حق التنفيذ على جسم المدين وإجباره علي العمل لصالحه بل وبيعه أحيانا وفاء للدين.
وقد عالج هذا القانون شؤون العقود والموجبات بشكل تفصيلي ولم يتناول شؤون الملكية إلا قليلا، لأنه توجه في الأساس إلي إرضاء العمال والتجار الثائرين في المدن دون أن يهتم بوضع الفلاحين القابعين في الأرياف، ألقليلي المطالبة بالتغيير.
ومن مميزات هذا القانون ابتعاده عن الطابع الديني ولعل ذلك تأثرا بالبابليين في إخراجهم القواعد القانونية من دائرة القواعد الدينية.
لقد دون هذا التقنين باللغة الشعبية السائدة المعروفة ب \\\"الديموطيقية\\\" وهو مظهر من مظاهر الانصياع لإرادة الطبقات الشعبية التي يسهل عليها فهم هذه اللغة، بعكس الهيروغليفية التي كانت اللغة المقدسة ،التصويرية ،الصعبة ،الموقوفة علي الكهنة والمثقفين .
المبحث الثاني:المؤسسات والنظم القانونية في مصر القديمة
و ستتم دراسة نظم الحضارة الفرعونية حسب توزيع يقتضي تقسيمها إلى قسمين يتناول الأول نظم القانون العام والآخر نظم القانون الخاص.
المطلب الأول:نظم القانون العام
وسيتوزع هذا المطلب إلى مجموعة من الفقرات التي تتناول نظام الحكم، ونظام الإدارة، ونظام القضاء.
أولا: التنظيم السياسي:
تطورت الدولة الفرعونية عبر مراحل مختلفة شهدت خلالها فترات من المركزية المطلقة وأخرى اتسمت فيها بضعف في سلطتها المركزية بل وتفككها إلى إدارات وممالك.
وتطلعنا المصادر إلى إن الملك مينا هو من وحد القطرين حيث كانت هناك دولتان إحداهما مصر العليا والأخرى مصر السفلى. وليبدأ مع هذا الملك عصر الأسرات التي حكمت مصر قرابة 3000 سنة .
لقد مرت الدولة الفرعونية ،حسب المؤرخين ،عبر حقب تاريخية متعددة أهمها الدولة القديمة والدولة الوسطى وأخيرا عهد الإمبراطورية وذلك على النحو التالي:

1090-1570 1780-2134 2270-2780
الاسرات:18-19-20 االاسرات:11-12 الاسرات:3-4-5-6

الدولة الدولة الدولة





الحديثة الوسطى القديمة
1580-1780 2134 -2270 2280 -3200
الاسر 21 -22-23-24 الاسر-13-14-15-16-17 الاسر:7-8-9-10 الاسر:1-2
المصدر:يعقوب ولد محمد، محاضرات في مادة تاريخ المؤسسات و الوقائع الاجتماعية،لطلبة السنة الأولى قانون ،جامعة نواكشوط 2003


لقد قام نظام الحكم في عصر الدولة القديمة على مذهب الملك الإله حيث كان الفرعون إما إلها يعبد أو ابنا له أو ممثلا له أو ظلا له.ولذلك اعتبر المصريون القدماء أن فراعنتهم يتحكمون بالطبيعة و فكرة الملكية الإلهية مرتبطة بفكرة أخرى يتضمنها التعبير المصري \\\"موت\\\" التي تترجم بكلمة الحق أو العدل أو الاستقامة أو النظام وكان يوصف بها الفكر الصالح أو الإرادة الصالحة.
ويمكن الوقوف على سلطات الفرعون من خلال مظاهرها المختلفة مع الإشارة مبدئيا إلى أنها سلطات مطلقة، فهو مالك البلاد والعباد وكل الموجودات في الدولة، إذ الدولة هي الفرعون .وهذه السلطات هي:
ـ السلطة الدينية: بصفته إلها أو ابنا للآلهة كان يتمتع بسلطة دينية قاهرة نظرا لماله من قدرة خارقة، فيتصرف في الطبيعة حسب مشيئته. فهو باعتقاد المصريين القدامى من يفجر الماء وينظم فيضان النهر....وكذلك هو الكاهن الأكبر حيث يعين الكهنة ويعزلهم.
ـ السلطة التشريعية:لم تكن هناك قواعد قانونية مكتوبة أو مفصلة، ولم تكن هناك حاجة إليها ما دامت كلها متمثلة في شخص الإله الذي كان المركز الوحيد لإصدار الأوامر اللازمة لتنظيم البلاد وهو الذي يحلل ويحرم.
ـ السلطة العسكرية:كان الفرعون هو القائد الأعلى للجيش ولذلك كان يشترط فيه القدرة العسكرية و الجسمية. ولم تكن مهمة الجيش تقتصر على الدفاع عن الحدود فحسب بل كانت مهمته الأساسية هي توفير الأمن و فرض نظام مستتب داخليا على جميع الأقاليم.
- السلطة القضائية:
اعتبر الفرعون قاضيا أعلى للدولة لأنه كان مسئولا عن إقامة العدل بين الناس. وهي من أهم وظائفه لارتباطها بالعقيدة الفرعونية التي كانت تقوم على مفهوم العدالة والحقيقة والاستقامة متجسدة في آلهة العدل.
ثانيا: التنظيم الإداري:
إن التنظيم الإداري في الحضارة الفرعونية جدير بالدراسة والتمحيص ذلك أن المصريين الأوائل أبدعوا في هذا المجال بدرجة تفوق ما عرفته حضارات قديمة أخرى. فقد ارتبط التنظيم الإداري في مصر بنظام الحكم كما ارتبط تقدمها بقوة السلطة المركزية وتركز الإدارة.
فتنظيم الفراعنة الإداري لا يضاهيه إلا ما نعرفه اليوم، و مجرد مشاهدة الأهرام التي خلفتها هذه الحضارة تكشف أن انجازا من هذا القبيل ما كان ليتم دون تنظيم دقيق للأدوار بالنسبة للمشاركين في بناء تلك الصروح. إذ مجرد إدارة وتسيير العمال القائمين علي ذلك البناء يحتاج إلي تنظيم فريد، أضف إلى ذلك الحاجة إلي أن تتولي الدولة تنظيم وتقنين الاستفادة من وسيلة الحياة الرئيسة في تلك الحضارة ،والتي لخصها هيرودوت: بأنها هبة النيل، إذ النيل مصدر الحياة،بحاجة إلي تقنين القنوات وتقنين الاستفادة من مياهه .ثم إن طبيعة تشكيل الدولة العصرية التي كما رأينا جاءت نتيجة لتوحيد كيانين متمايزين مصر العليا ومصر السفلى، وقيامها علي مساحة شاسعة مسكونة بساكنة كثيرة العدد استدعى وجود تنظيم دقيق لمواجهة ذلك الاتساع وذلك التعداد .
وفي سبيل ذلك ابتدع المصريون أساليب متعددة للإدارة أساليب كانت تتأثر في وجودها بشكل النظام السياسي السائد ،وبحسب ما إذا كان ذلك النظام مسيطرا بشكل قوي ومركزي على الإقليم أو ما إذا كان مصابا بالوهن ومقتصرة سيطرته على المركز .ويمكن إجمال تلك الأساليب في:
ا- أسلوب الإدارة المركزية و يسود فترة الحكم المطلق.
ب- الإدارة المحلية وهو أسلوب يزدهر حين تحكم الأقاليم، وحينها تتجزأ الإدارة.
ج- نظام الحكم المحلي هو الأسلوب الأخير ويكون حين تنهار الإدارة المركزية ويقوم نظام الإمارات وسنتناول هذه الأساليب بشيء من التفصيل.
الإدارة المركزية
نظرا للحاجة إلى تضافر الجهود للسيطرة علي مياه النيل والاستفادة منها اوجد المصريون نظاما إداريا دقيقا وفعالا. ويشهد لذلك أنه كلما قامت هناك سلطة مركزية قوية عرفت مصر تقدما وازدهارا.
و لا ننسي أن العامل الأهم في بروز الحضارة المصرية لا يقتصر على النيل، ولا على ما تجود به الأرض المصرية من معادن،ولا تجارتها المفتوحة مع البلاد المجاورة ،وإنما أساسا على أسلوبها التنظيمي الذي استطاع الإفادة من كل تلك المقومات في بناء تلك الحضارة الخالدة.
وفيما يتعلق بالإدارة المركزية فإنها قامت على وجود تنظيم هرمي على رأسه يأتي الملك الذي يقرأ البريد ويقيم التقارير وترفع إليه التظلمات ويصدر المراسيم والقرارات النافدة.
والملك في كل ما يقوم به يكون محلا للمساعدة من عدد المساعدين الذين يتم اختيارهم بعناية، والذين و إن كان اختيارهم يخضع لإرادة الملك إلا أن تلك الإرادة يجب أن تخضع للنظام المطبق في مجال تنظيم عمل الموظفين الذي يقضي بان يتدرج الموظف من مجرد وظيفة كاتب إلي أعلى المناصب الإدارية..
- المستشار الأكبر أو الوزير
ورثت دولة الوحدة عن سابقتها منصب المستشار الأكبر الذي استمر في الوجود حتى عهد الأسرة الرابعة حيث حل محله وزير الملك \\\"تاتي\\\" أي الرجل الممتاز. ويظهر التقاطع بين عمل المنصبين ، فالمستشار الأكبر كانت له اختصاصات ذات طبيعة تنفيذية وإدارية يمارسها نيابة عن الملك من دون أن تكون له اختصاصات في المجال التشريعي والقضائي،وهو المنصب الذي اختفى .و اختصاصاته انتقلت إلى الوزير الذي أصبح بالإضافة إلى كونه رئيس السلطة التنفيذية يحمل لقب أمير، ويحمل أختام الإدارات الملكية مختلفة.
بالإضافة إلى ذلك أصبح كبيرا للقضاء ولقب بقاضي البابين لأنه يرأس المحكمة العليا نيابة عن الملك .وهي محكمة من ستة أعضاء . كما أصبح للوزير الحق في ممارسة السلطة التشريعية نيابة عن الملك وبذلك كان يعتبر رئيسا للكهنة ، كما أن توقيعه كان شرطا لإنفاذ القانون الصادر عن الملك .
ونظرا لخطورة هذه الوظائف فقد كان الوزير يعين عادة من أبناء الفرعون أومن أسرته الضيقة. و مع مرور الوقت أصبح التعيين يتم على أساس قدرة العضو المعين على الاطلاع بالمهام الجسيمة المسندة إليه.ويكون هذا التعيين من قبل الملك دون مراعاة لقواعد اللوائح الإدارية في التعيين.وكان يحمل لقب أمير دلالة على ممارسته للسلطات العليا بتفويض من الملك،ولذلك كان يحمل أختام الدولة.
- مجلس العشرة:
وهو، مثل سابقه، موروث عن ممارسات مملكة الجنوب فيما قبل الوحدة. وتتكون هذه الهيئة من عشرة من كبار الموظفين الذين يختارهم الملك من بين رؤساء الدواوين وبعض رؤساء الأقاليم ولا يضم أحدا من رجال الدين ولا من العسكريين.. و رغم أن هذا المجلس ينعقد تحت رئاسة الوزير إلا أنه ليس عضوا فيه ،والمجلس يسهر على إدارة جميع مرافق الدولة في الشمال والجنوب دون أن يكون له اختصاص تنفيذي أو تشريعي أو قضائي. و المجلس يستقبل توجيهات الملك ويقوم بتنفيذها.
ـ كاتمو أسرار الملك:
وهم الحاشية المباشرة للملك والذين كان يتم انتقاؤهم من كبار الموظفين الذين شغلوا مختلف الوظائف، مما اكسبهم ميزة هامة تساعد في تقديم الاستشارات الضرورية التي قد يطلبها منهم الملك. فهؤلاء لم يكن لديهم اختصاص محدد بعينه، إذ قد يعهد إليهم بتحضير القوانين وإبداء الرأي فيما يعرض عليهم من أمور الدولة. وبذلك فهم لا يختصون بإدارة شؤون الدولة بل كانوا معاونين شخصيين للملك.
ـ الإدارات الحكومية أو الدواوين الحكومية:
وهي تقوم بإدارة مرافق الدولة، ومقرها السراي الملكي فهي تمارس عملها تحت إشراف المباشر للفرعون. ولها مقرات في مختلف الأقاليم.ويوجد على رأس كل منها مدير يخضع مباشرة لمجلس العشرة. باستثناء ديوان الرسائل الذي خضع لإشراف الوزير مباشرة. ومن أهم تلك الإدارات:
- ديوان الرسائل و يخص أيضا بتنسيق العمل بين جميع الدواوين الحكومية.
- ديوان الخاتم ويقوم بتسجيل وتوثيق المراسيم الخاصة بتعيين الموظفين واختصاصاتهم وفيه دفاتر الإحصاء والحالة المدنية وسجلات لإثبات أسماء الملوك.
- ديوان المحفوظات ويحتفظ بكافة الوثائق الصادرة عن ديوان الخواتم.
- ديوان الضرائب ويختص بربط الضرائب وتحصيلها و كانت مجالس الأعيان هي من يحدد مقادير الضرائب.
- ديوان الشؤون الدينية (البيت الأحمر)وهو بأمور عبادة الملكية وإدارة أموالها وهي أموال محبوسة يتم التصرف فيها.
- ديوان الخزانة(البيت الأبيض) و هو يحتفظ بالمعادن النفيسة والضرائب النقدية والعينية ودفع أجور الموظفين.
وهناك دواوين الأشغال العامة، الأملاك العامة، الجند، مياه النيل
ـ الإدارة المحلية أو نواب الملك
حظيت باهتمام كبير من طرف السلطة المركزية نظرا لعزلة المناطق عن بعضها البعض وانعدام المواصلات. وهكذا كان الملك ينيب بعض كبار الموظفين ليؤدوها أعمالهم بعيدا عن العاصمة، ويعطي لتصرفاتهم الصبغة التنفيذية ببصمها بخاتم الملك .وهؤلاء المندوبون يتصرفون حسب ما يرونه صالحا للفرعون مقتنعين بأنهم ينفذون أوامره و أنهم خاضعون لرضاه الإلهي.
لقد انطبق التقسيم الطبيعي لمصر علي تقسيمها الإداري بحيث كان بها 42 إقليما 22 في الجنوب و20في الشمال. وهو التقسيم ذاته الذي كان قائما قبل قيام دولة الواحدة. وفي بعض فترات ما بعد الوحدة تم تقسيم البلاد إلي قسمين هما الدلتا و الصعيد حيث يوجد علي رأس كل منهما حاكم يمثل الإدارة المركزية وتنضوي تحت سلطته التقسيمات الجزئية التي تشمل المراكز،و التي تضم هي الأخرى مدنا تحتوي بدورها قري ولكل منهما حاكم وفق تسلسل هرمي شبيه بالنظام القائم لدينا اليوم \\\" الوالي ، الحاكم ، رئيس المركز الإداري\\\"
وقد تقتضي الظروف الدينية والسياسية بان تعامل مدنا معاملة خاصة وتمنح وضعا إداريا خاصا تحكم فيه من قبل تائب للملك.مثل مدينة نخن في الجنوب،مدينة بأوزوريس... الخ
الحكم المحلي:
بالإضافة إلى الجهازين السابقين احتفظ حكام الدولة الموحدة بمجالس الأعيان التي كانت قائمة في مصر السفلى بل إنهم عمموه ليشمل إقليم مصر العليا ، وان كان دوره قد تراجع بشكل كبير. إذ لم يعد دوره يتجاوز وضع كشوف الضرائب كما انه بأعضائه العشرة يشكل المحكمة الابتدائية. لكن أعماله سواء كانت الكشوف أو الأحكام القضائية لا تأخذ صفة الإلزام إلا حين تزكى باعتمادها من طرف حاكم الإقليم أو ديوان الضرائب في العاصمة، ومع ذلك فقد شكلت متنفسا هاما للمواطنين المحليين الذين استفادوا من التعامل مع أبناء الإقليم الإداري بالنظم المحلية واجبة المراعاة.
ثالثا:التنظيم القضائي:
ارتبط النظام القضائي في ظل الدولة الفرعونية بالسلطة المطلقة للملك الإله، الفرعون، حيث كان يعد مصدر العدالة والساهر علي تحقيقها.
لقد تميز النظام القضائي بأنه لم يأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وبذلك تولى ممثلو السلطة التنفيذية رئاسة محكمة الإقليم الخ.كما تميز القضاء بأنه مدني يتولاه مدنيون ،وفي إحدى الفترات وعندما تحولت الدولة إلى دولة دينية اعتبر رجال القضاء كهنة لآلهة العدالة \\\"معات\\\" وكان القضاء موحدا بالنسبة إلى جميع المصريين وخاصة قبل الأسرة الخامسة. إلا انه بظهور الإقطاع ظهرت محكمة خاصة هي المحكمة الإقطاعية.وعلى ذلك تميز القضاء بوجود نظامين للتقاضي أحدهما عادي والأخر خاص:
فالقضاء العادي يخضع له المصريون دون ما تمييز، وامتاز بكونه يتم علي درجتين: أولاهما المحكمة الابتدائية أو محكمة الدرجة الأولي، ومقرها المحافظة، وتتكون من مجلس الأعيان في المحافظة بالإضافة طبعا إلي المحافظ الذي بدون توقيعه لا يمكن تنفيذ الأحكام على اعتبار انه ممثل السلطة في الإقليم.
إما المحكمة العليا فمقرها العاصمة ورئيسها هو الوزير وأمامها تستأنف أحكام المحاكم الابتدائية في الأقاليم.
وتشترك هاتان المحكمتان فيما يتعلق بإجراءات التقاضي التي تكون دائما كتابية وتشمل عريضة يقدمها المدعي كتابة .ويقوم الطرفان بتقديم المستندات الدالة على صحة دعوى كل منهما ، كذلك تشترك المحكمتان في كون كل منهما تشمل إدارتان إحداهما للمحفوظات والثانية هي قلم المحكمة .
وجدير بالذكر انه بعد صدور الحكم يتولى مساعدو السلطة القضائية تنفيذه كما انه كان من الملاحظ أن أحكام الإعدام كانت نادرة وان عقوبة الضرب بالعصا هي الأكثر انتشارا.
أما القضاء الخاص: فهو الذي يعنى بمجال خاص أو بفئة خاصة، أو في حالة ما إذا أراد الأفراد اختيار نمط تحكيمي معين. فبالنسبة للمجال الخاص كانت النزاعات التي يكون الأفراد والإدارة طرفيها فان ولاية الاختصاص تكون لهيئة خاصة مشكلة من كبار موظفي الخزانة والضرائب ويترأسها المحافظ. و يتظلم من قرارات هذه الهيئة أمام هيئة قضائية تتكون من كبار القضاة ومقرها الإدارة المركزية في العاصمة.
أما بالنسبة للفئة كأساس للخصوصية فان تاريخه يعود إلي ظهور الإقطاع حيث لم يعد أبناء الطبقات الإقطاعية يخضعون لذات المحاكم التي تخضع العامة لها بل اختصت محكمة الإله الأعظم محكمة الملك أو المحكمة الإقطاعية بمحاكمتهم. و تتشكل هذه المحكمة من الملك رئيسا وعضوية بعض كبار رجال البلاد من الإشراف.وتختص هذه المحكمة بنظر المنازعات يبن الأشراف وبنظر المسائل المتعلقة بعهد الولاء الذي يربط الشريف (ايماخ) بالملك. توقع هذه المحكمة عقوبات من قبيل الحرمان من الدفن في المقابر الملكية ،أو سحب الإقطاعية أو الطرد من الطبقة.
أما الخصوصية بسبب اختيار الأطراف المتنازعين فبمقتضاها يكون للأفراد الحق في اختيار التحكيم وسيلة للفصل في النزاع الدائر بينهما، ويتضمن ذلك الاختيار بيان أسماء المحكمين وموضع النزاع ،والإجراءات المتبعة ،والجزاءات ،وحكم هيئة التحكم نهائي ولا يستأنف.
وقد تحولت هذه الاختيارية إلي إلزامية بعد سيادة نظام الإقطاع حيث أصبح الشريف الإقطاعي هو الحكم الإلزامي في النزاعات الدائرة داخل إقطاعية.
المطلب الثاني: نظم ومؤسسات القانون الخاص
سيدرس هذا المطلب المراكز القانونية في المجتمع المصري القديم من خلال التعرض للشخصية القانونية، ثم نتناول نظام الأسرة والأحوال الشخصية، ونبحث في العقود والالتزامات.
أولا: في الشخصية القانونية
يثور جدل وخلاف في بعض الأحيان بين الباحثين حول درجة وأهمية الرق في المجتمع المصري القديم، خاصة في دورته الأولى. وتشير المصادر إلى أن هذا المجتمع إذا كان قد عرف الرق فانه كان في فضيق الحدود. فالوثائق تشير إلى أن المزارعين والعمال كانوا يرتبطون بعقد مع الملاك ويقومون لحسابهم الخاص بالزراعة ويوفون ما عليم من التزامات لصاحب الأرض.غير أن بعض الوثائق تدل على أن اسري الحرب من الأجانب كانوا يعملون بدون اجر في المزارع الملكية أو في المحاجر وهم في هذه الوضعية لا يختلفون عن الرقيق، بل أن البعض اعتبرهم نوعا من الرقيق العام.
لكن تطور المجتمع المصري وظهور الإقطاع وامتيازات الأشراف أدى إلى تغيير النظام الاجتماعي فضلا عن الشخصية القانونية إذ انقسم المجتمع إلى طبقات كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وعلى لم يعد المصريون في مركز قانوني واحد بل أصبح هذا المركز مختلفا باختلاف الصبغة التي ينتمي إليها الشخص. فالأشراف كانوا يتمتعون بالعديد من الامتيازات .وكل من لم بكن ينتمي إلى هذه الطبقة كان ينتمي إلى الطبقة الثانية وهي طبقة أنصاف الأحرار. وهذه الصفو ناتجة عن انتقال العلاقة التعاقدية بين الفلاح والمالك من علاقة الإيجار أو المزارعة إلى علاقة تبعية دائمة للأرض تلزمه هو وورثته بالبقاء في الأرض لا ينتقل منها أبدا ولا يخرجه منها مالكها. وتنتقل تبعية الفلاح للملك الجديد في حالة انتقال ملكية الأرض .والتبعية تختلف عن نظام الرق في مون التابع يلتزم بالتزامات تقيد حريته وتحد منها .
ثانيا:نظام الأسرة
هناك شح كبير في المعلومات المتعلقة بهذه المؤسسة، إذ لم يعثر الأثريون على وثيقة تتعلق بالزاج قبل الأسرة العشرين.أما في الدورة الأولى فلم يتم العثور على أية وثيقة تبين بدقة وبتفصيل حالة الأسرة . غير أن العلماء توصلوا إلى فهم للهيكل العام لنظام الأسرة من خلال التصرفات الأخرى مثل الوصايا وبعض الكتابات التاريخية.
إن مدلول الأسرة في ذلك المجتمع لم يبق على معنى واحد ،فقد عنى في مرحلة الدولة القديمة حيث ساد المذهب الفردي الأب والأم و أبناءهم المباشرين، ولكن سرعان ما توسع المفهوم في العصر الإقطاعي حيث أصبحت الأسرة تضم إلى جانب الأصول الفروع والحواشي وتطور مع الدولتين الوسطى والحديثة حيث ضمت إلى جانب من سبقوا (الأصهار ، العبيد، الخدم، والحظايا و أولادهم ).
وتشير المصادر إلى أن الولاية الأبوية كانت على النفس والمال .وان أهلية كل من الزوجة والأولاد كانت كاملة ولكل منهم ذمة مالية مستقلة .
كما تشير المصدر إلى أن المرأة كانت تشتطي عان تكون طرفا في العقد أو شاهدا في تصرف قانوني،وان بإمكانها أن ترفع الدعاوي باسمها وكل ذلك بدون إذن من زوجها.
ودراسة الأسرة تتطلب دراسة نظام الزواج والتطرق إلى بعض النظم ذات الصلة الوثيقة بنظام الزواج مثل نظام الميراث والوصية والتبني.
ـ نظام الزواج :لقد عرف المجتمع الفرعوني مؤسسة الزواج فكان نظام الزوجة الواحدة قاصرا على الكهنة أما نظام تعدد الزوجات فكان سائدا بين أوساط الشعب ،فقد كشفت وثائق متأخرة عن رسوم تظهر الزوج محاطا بست زوجات وكلهن شرعيات وأولادهن شرعيين.ولعل اكبر الزوجات حجما كانت المفضلة لدى الزوج. وبجانب الزوجات الشرعيات انتشر نظام التسري وكان محل فخر للرجل .و أبناء المحظيات غير شرعيين ولا ينسبون إلى آبائهم وإنما إلى أمهاتهم.
وفي العصر الإقطاعي تدنى مركز المرأة، وأصبحت غي عداد ناقصي الأهلية، فلم يعد بمقدورها ممارسة التصرفات القانونية لوحدها لان لزوجها الولاية على أموالها في حياته وللوصي الذي يختاره لذلك بعد وفاته.وإذا لم يختر لها وصيا خضعت لولاية ابنها الأكبر.
أما عقد الزواج فلم توجد أي مؤشرات عليه ولا على شروط تكوينه وإنما كان يعتقد انه رضائي وانه يتم وفق مراسيم معينة داخل أروقة المعابد بحضور الشهود وأقارب الزوجين.
لقد عرف المصريون القدماء المهر الذي يلتزم الزوج بدفعه مثلما عرفوا \\\"الدوطة\\\" أو\\\"الشريقة\\\" البائنة التي تصطحبها الزوجة إلى دار زوجها. وقد عرفوا موانع الزواج واختصرت عندهم أساسا في القرابة وذلك في أضيق الحدود، إمكانية زواج الرجل من ابنة أخيه وأخته إضافة إلي ذلك كان صغر السن عائقا للزواج كذلك عدم امتلاك الجنسية واختلاف الطبقة الاجتماعية.
- انحلال الزواج:
وتنهي رابطة الزواج بموت احد الطرفين، كما عرف قانونهم فكرة انتهاء الرابطة الزوجية بالإرادة المنفردة، إذ كان من حق الرجل ومن حق المرأة المطالبة به. ولما كان التطليق بدون مبرر يرتب أعباء مالية كبيرة للزوج الراغب فيه فان اللجوء إليه يقتضي التروي أكثر من مرة لدرجة أن الزوج كان يفضل هجر زوجته والزوج مرة أخرى بدل أن يطلقها.
- نظام الإرث : امتازت الحضارة الفرعونية في بداية عصرها أنها ورثت الأبناء المباشرين دون تمييز بينهم علي أساس العمر والجنس لكن الأمر تغير مع ظهور الإقطاع حيث أصبح هناك امتياز للابن الأكبر الذي يتولي إدارتها نيابة عن أخوته . وظل هذا الحق للابن الأكبر الذي يتولي إدارتها نيابة عن أخوته حتى قيام الدولة الوسطي والحديثة حيث تمت العودة إلي مبدأ المساواة حتى قام عصر الإقطاع الثاني الذي أعاد امتياز الابن الأكبر من جديد .
أما الأبناء غير الشرعيين فلم يورثوا إلا في عهد الدولة الحديثة التي اتسمت بالطبعة الإنسانية فقد ورثتهم في حالة انعدام الأولاد الشرعيين .
وتشير بعض المصادر إلى أن الإناث حق لهن الإرث في الأموال التي تؤول إلى المورث من غير الإرث. بل أن البعض ذهب إلى أنهن كن يرثن الأموال مثلهن مثل الذكور على حد سواء، ولا يوجد خلاف في أنهن كن يرثن في حلي أمهاتهن.
- نظام الوصية:
وهي وسيلة اختيارية بموجبها يتولي المالك توزيع ماله كلا أو بعضا في حياته وهي علي ذلك تختلف عن الميراث من حيث كون المورث لا يتحكم في الأنصبة بينما الموصي يتحكم في ذلك.والوصية تخضع لبعض الشروط منها الكتابة وصحة العقل والبدن،وقد أضيف مبدأ كتابتها بحضور الشهود. وقد أعطي القانون المصري للمالك الحق في الوصية في أمواله، ولكن ذلك الحق قد تم تقيده في العصر الإقطاعي إذ أصبحت الوصية مقصورة علي الابن الأكبر أما لغيره فلا.
ثالثا:نظام الملكية وضعية الأموال
كانت الملكية الخاصة محدودة في المجتمع الفرعوني ومؤقتة ومحتكرة على بعض كبار رجال الدولة حيث كانت جميع الأراضي ملكا للإله الفرعون وكان العاملون بها مجرد إجراء ومنتفعين.ورغم طلك فهناك من أنكر وجود ملكية فردية خاصة في العصر الأول ،إلا إن فريقا من الباحثين قال بوجودها إلى جانب أراضي الدولة والأراضي الموقوفة على المعابد وتلك التي يتمتع أصحابها بملكية المنفعة فقط دون الرقبة. وبذلك يمكن القول انه وجد نوعان من الملكية: تامة وهي الملكية الفردية وملكية ناقصة وهي الملكية التي تقتصر على حق الانتفاع.
ولقد عرفت بعض فترات العصر الفرعوني – خصوصا أثناء ضعف السلطة المركزية وتفككها- إشكالا متعددة من الملكية الفردية: مطلقة حيث يمكن لصاحب الملكية التصرف فيها أما بالبيع أو الإيجار أو الهبة أو الوصية.والملكية المقيدة وهي التي تمنح بموجبها قطع أرضية لرجال الدين لا يتصرفون إلا في جزء من ريعها ،وذلك ضمانا لولائهم وتسمى حقول الآلهة.ونوع آخر من الملكية و هو ذلك الذي بموجبه تمنح قطع أرضية إلى بعض كبار موظفيها للانتفاع بها مؤقتا مدى الحياة مع إمكانية انتقاله إلى الورثة مع احتفاظ الدولة بملكية الرقبة.وكانت هذه الأشكال من الملكية الفردية تسجل في دفاتر رسمية.
ثالثا:العقود والالتزامات
تفيد الوثائق بان الحضارة المصرية القديمة عرفت تقدما كبيرا ، وان اقتصادها انتقل من البدائية القائمة على المبادلة ،وتجاوز المرحلة الزراعية وأصبح مجتمعا تجاريا تتعدد فيه المبادلات في الداخل وله صلاته التجارية الوثيقة بآسيا وخاصة سوريا من حيث تأتي المعادن والأخشاب ،والسودان والنوبة من حيث تأتي قوافل الذهب والعاج .وظهرت في مصر القديمة العملة النقدية وكانت تسمى \\\"الشعت\\\"وكانت تعادل سبعة ونصف حراما من الذهب.
وعلى ما تقدم عرف المصريون القدامى عدة عقود كان من أهمها عقود البيع، إجارة الأشياء،إجارة العمل ،الوصايا.ويتضح من تلك العقود إن حرية التعاقد كانت مطلقة،وأنها كانت تدون كتابة وتسجل بسجلات ديوان الخاتم.وان الشهود كانوا يوقعون العقد . وتشير المصادر إلى أن التعاقد يتم بتبادل الإيجاب والقبول وان الالتزام ينشأ في ذمة المتعاقد فور التعاقد.
الفصل الثالث:تطور النظم والمؤسسات عند الإغريق
تمتاز اليونان بأنها ارض جبلية في اغلبها ولذلك لا تشك الأراضي الزراعية إلا بنسبة قليلة من المساحة الكلية ،ورغم وجود بعض المعادن إلا أنها ابعد ما بكون أن توصف بالغنى من حيث الثروات الطبيعية لذلك كان للملاحة البحرية أهمية كبيرة في تاريخ تلك البلاد.
و اليونان امتازت بنتاجها الفكري الذي ما يزال يشع على الإنسانية، فالديمقراطية موضوع العصر، هي نتاج إغريقي والفلسفة أم العلوم يونانية والشعر والملاحم والمسرح والنحت وحتى الرياضة كلها كانت إبداعا حضاريا يونانيا أو أسهمت فيه تلك الحضارة بشكل كبير.
وقد عرف اليونان نوعين من الدول-المدينة :دولة-المدينة في الارستقراطية في اسبرطة ودولة –المدينة الديمقراطية في أثينا. لذا ستراعي دراستنا لهذا الموضوع هذه الثنائية كلما كان ذلك ضروريا.
المبحث الأول :المجتمع اليوناني البنى والتاريخ
وسيتناول هذا البحث دراسة التطورات السياسية والتاريخية التي أدت إلى ظهور دولة المدينة في مطلب أول ويعرض للتركيبة الاجتماعية في مطلب ثاني.
المطلب الأول: نشأة وتطور الدولة المدينة
لقد تكونت قاطنة اليونان القديم من مجاميع بشرية عديدة في المقدمة منهم سكان البلاد الأصليين ذوي التاريخ الغامض، ويأتي الوافدون من جزيرة كريت، ثم الشعوب الهندو- أوربية وقد عرفت الموجة الأولى منهم بالآخائيين الذين استوطنوا وامتزجوا بشعبها. وعرفت الموجة الثانية بالدوريين الذين هزموا الآخائيين رغم تفوق هؤلاء على أولئك حضاريا ورغم أنهم من أصل واحد .
لقد انتظم أبناء البلاد الأصليون في عشائر وقبائل. وكذلك الآخائيون و الدوريون في أوائل عهدهم. وقد طور الشعبان الآخران تنظيما جديدا لم تنحل فيه الروابط القبلية
تماما بل تجمعت القبائل في رقعة الأرض التي تسيطر عليها، مشكلة مدنا تدين فيها بالولاء لشخص واحد هو الملك.
هكذا نشأت دولة المدينة بما لها من مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية وقانونية، وبما اتسمت به من نزعة استقلالية. وكانت طبيعة الأرض وتلك النزعة الاستقلالية سببا في نشوء حوالي الثلاثمائة مدينة في بلاد الإغريق.
وبالرغم من الروابط الثقافية والعرقية والدينية اتسمت العلاقات بين تلك الدول بالصراع بدافع من حب السيطرة والمنفعة الاقتصادية والطموح الشخصي وقد كان ابرز مثال على ذلك الصراع بين اسبرطة وأثينا.
عرفت الملكية أشكالا عديدة وحظيت بسلطات تتفاوت في قوتها وقد جاءت على أنقاض المجتمع القبلي، وكان مصدرها الوراثة تارة والقوة تارة ثانية وفي الحالتين فهي تنبع من الآلهة وقد يكون مصدرها الاقتراع.
أما سلطاتها فتأرجحت بين الاتساع والقوة، والضعف والانعدام أحيانا عندما كان الأرستقراطيون يتعاونون للحد منها آو إسقاطها.
ونتيجة للصراع الطبقي تضائل نفوذ الأشراف والطبقات الميسورة في القرنين السابع والسادس قبل المسيح، لصالح الطبقات الصغيرة والبرجوازية مما أدى إلي تحولات جذرية في مجال السياسة.
وقد جلبت تلك التحولات ظواهر عديدة منها ظاهرة المشرعين أمثال صولون وظاهرة الطغاة خاصة في مدينة أثينا، وكان في مقدمتهم بسيسترات الذي كان إقطاعيا انفصل عن جماعته لينضم إلي الطبقات المتمردة، وما لبث أن سيطر على الحكم وعرف بالطاغية، إلا أن مصدر سلطته الآلهية لم يتغير. كما اعتبر نفسه فوق القانون وفوق المؤسسات. إلا أن هذا الطاغية كان يعمل لخير البلاد فقد قام بإصلاحات عديدة وفي المجالات المختلفة .
مهد حكم الطغاة لإطلاق الديمقراطية في بلاد الإغريق والتي ترسخت في عهد كليستينس الذي تلا حكم الطغاة، وبلغت ذروتها، في عهد بريكليس إلا أن تلك الديمقراطية لم تكن بصورتها المثالية المتكاملة.
أما الديانة في المجتمع الإغريقي فمن المشهود إن الآلهة تعددت عندهم فبلغت المئات وكان لكل عشرة إلها خاصا يعلوه في المرتبة إله المدينة ثم الآلهة المشتركون، ثم الإله الأكبر الذي أسهم مع الآلهة المشتركين في تكوين ذهنية دينية واحدة.
وكان أرباب الأسر يقومون بالطقوس في إطار البيت، ورؤساء القبائل في نطاق القبيلة أما الملوك فكانوا يؤذونها في معابد المدينة.
وعموما كان الإغريق وثنيين تميزوا بنزعتهم الواقعية حيث كانوا ينظرون إلي الآلهة نظرتهم إلي البشر ويرون أنهم عاجزون أحيانا عن تفسير ظواهر الكون والموت والحياة ولعل ذلك ما دفع مفكرين إغريق إلي التشكيك بديانتهم وتفسير الوجود على هدى من العقل.
المطلب الثاني: البنية الاجتماعية اليونانية
مثل ما مر علينا فقد عرف المجتمع اليوناني المرحلة القبلية وانقسم فيها الشعب إلي مجموعات تدعى \\\" جينوس\\\" وهي تنتمي إلى جد مشترك ويخضعون لسيد واحد وهو زعيم القبيلة. ثم مرحلة المدينة التي عرفت قيام اتحادات يسيطر عليها الأقوى وقد كانت الطبقية أساسا ثابتا من أسس التنظيم فعرفت مدينة أثينا الطبقات التالية :
أ- المواطنون: أو طبقة الأحرار وهي الطبقة الوحيدة التي تمتعت بحق الإسهام في الحياة السياسية للمدينة.والمواطنون هم المولودون من أبوين أثينيين بزواج شرعي ويتمتعون بحقوقهم السياسية الكاملة لدى بلوغهم سن الثامنة عشرة. وقد تكتسب المواطنة الأثينية بالتجنس في حالة نادرة، بسبب مهنة المتجنس أو بلائه العسكري أو وفائه للبلاد. والمواطنون الأثينيون متساوون في نظر القانون ومن حيث العدد يعتبر المواطنون أقلية بين الساكنة.وصفة المواطنة تخول الأثيني حق المشاركة في الحياة العامة،وهي امتياز يخلع على صاحبه \\\"عضوية\\\"المدينة وتؤهله لحد ادنى من المشاركة في النشاط السياسي وفي الشؤون العامة.وقد قيدت صفة المواطنة سنة 593في عهد صولون بالأهلية المالية.
ورغم مبدأ المساواة بين المواطنين إلا أن هذه الفئة عرفت تفاوتا فعليا بين مكوناتها ففيها الطبقة الارستقراطية (كبار الملاك) وفئة الأوليغارشية (ممن راكموا الثروة)وفي الأسفل يوجد المواطنون العاديون (صغار الملاك) .وعلى تفاوتت درجة الإسهام في اتخاذ القرارات المهمة ،حيث إن ذلك الإسهام لم يتجاوز في أحيان عديدة مجرد حضور المواطن اجتماع المدينة. إن لم نقل أن اتخاذ القرار كان محتكرا وموجها.
ب ـ الأجانب: هم من سكان أثينا الأحرار، الأجانب بالولادة، وكانت أثينا سباقة في الترحيب بهم بفعل عاملين أثنين، الروح الديمقراطية والمصلحة الوطنية الاقتصادية.ونظرا لتزايد عددهم وللإسهامات الهامة التي يقومون بها يصالح المجتمع يتمتع الأجانب بطائفة من الحقوق منها ممارسة النشاط الاقتصادي، ولكنهم دون المواطنين تمتعا بالحقوق إذ لا يحق لهم الزوج من مواطنة ولا تقبل شهادتهم ولا حقوق سياسية لهم ولا يتمتعون بحق الملكية العقارية.
واستفادة من هامش الحرية حقق هؤلاء مراكز اقتصادية هامة وساهموا في تطوير الصناعة لأنهم كانوا أصحاب صنعة وحرفة،بل برز منهم فلاسفة ومفكرون ولعل اصدق مثال على ذلك ابيقراط الشهيرhippocrate.
ج ـ العبيد: تشكل هذه الطبقة قاعدة الهرم الاجتماعي لمدينة أثينا.ونسبة أفرادها إلى المجموع العام للسكان هي الثلث.ونظام الرق كان معترفا به كدعامة اقتصادية تعارف عليها سكان الجزر اليونانية القدامى. ومصادر الرق في أثينا ثلاث هي: الولادة، والأسر، والأحكام القضائية، وهم خاضعون للتملك، والبيع ،والإيجار، ولكن قتلهم يعتبر كقتل المواطن.
والعبيد لم يكونوا في وضع اجتماعي واحد فمنهم خدام البيوت أو العمال في المرافق العامة، أو مديرو الأعمال والمصارف، والاختصاصيون كالأطباء والموسيقيين. وهناك العبيد الخاصون والعبيد العامون(عبيد المدينة) الذين تتكفل المدينة بتأمين موارد عيشهم وهم في الغالب من البنائين ورجال البوليس وموظفين صغار.
وقد يتحرر العبد بإحدى الطرق التالية: بشراء الحرية، أو بإرادة السيد في حياته أو بوصاية السيد أو بمكافأة السيد تقديرا للأعمال التي قام بها العبد، وعندها يصبح في عداد الأجانب.
ومما لاشك فيه أن هذا التقسيم الاجتماعي كان انعكاسا للوضعية الاقتصادية في البلاد التي كان الاقتصاد فيها زراعيا في الأساس فقد استمر ذلك الوضع في بعض المدن مثل اسبرطة.
وقامت الزراعة على أكتاف صغار الفلاحين وطبقة العبيد وكلاهما استغل من الأشراف والميسورين. والملكية الزراعية كانت مشاعية بين أفراد القبيلة، إلا أنها أصبحت فردية.
و بفضل توافر الأيدي العاملة وبفضل طبقة الأجانب والطبقات الوسطى نهضت الصناعة وأصبح دور الزراعة ثانويا قياسا بدور الصناعة والتجارة في العالم اليوناني خاصة في أثينا حيث تم استغلال المناجم عامة ومناجم الفضة خاصة.
ولعبت التجارة دورا هاما ومثلت منبعا رئيسيا للاقتصاد، وفتحت التجارة البحرية اليونان واقتصاده على العالم القديم. مما جعل أثينا تتبوأ مركزا متميزا في التجارة الدولية انعكس على الوضع القانوني، فتطورت القوانين التجارية البرية والبحرية وظهر التحكيم التجاري الدولي.
وجدير بالذكر أن عبيد الخاصة يعرفون حالتين إما أن يتركهم السيد يعملون كما يرغبون على أن يسددوا له إتاوة محددة وهو وضع مثالي يحقق للعبد فرصة الاختيار وللسيد نصيبا من جهد عيده.وإما أن يقوم السيد بتوجيه العبد إلى عمل معين كأن يؤجره أو يعيره ووقتها قد تكون النتيجة للطرفين متساوية.
أما بالنسبة لعبيد الدولة فالفرق كبير وأكثر وضوحا بين حالة ما إذا وجهتهم الدولة للعمل في المناجم أو أشغلتهم في احد المصارف أو المخازن أو ألحقتهم بعمل الشرطة والإدارة.وفي جميع الأحوال تبقى الدولة مسؤولة عن مسكن وملبس ومأكل ونقود عبيدها.
المبحث الثاني: القوانين اليونانية
سيتناول هذا المبحث مصادر القانون عند اليونان الأوائل في مطلب أول ثم يدرس أهم التشريعات التي عرفتها الحضارة الإغريقية في مطلب ثاني.
المطلب الأول: مصادر القانون اليوناني
لم يعرف القانون اليوناني وحدة وتنظيما على غرار القانون الروماني ولم تنفصل مصادره عن بعضها البعض، بل تداخلت في أحيان كثيرة، وبالرغم من هذا التداخل يمكن أن نبين ثلاثة مصادر رئيسية هي:
- الأعراف: وقد كانت المصدر الجوهري للقانون في العهود الأولى، أي في إطار التنظيمات القبلية واستمرت فاعليتها في العهود اللاحقة.
ـ التشريعات: وهي أبرز وأهم المصادر خاصة في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد إذ درج الارستقراطيون على اختيار حكيما منهم لسن تشريعات أكثر إنصافا من الأولى تخوفا من الثورة عليهم، وهي تشريعات مكتوبة مما جعل القانون اليوناني قانونا مكتوبا في أكثر حالاته.
وتجدر الإشارة إلى أن عهد التشريعات مهد لظهور عهد الطغاة الذي قاد بدوره إلى عهد الديمقراطية.
- الأحكام القضائية: عدت في أحيان عديدة ضمن المصادر وإن بقيت في مكانة أدنى من الأعراف والتشريعات.
المطلب الثاني :أهم التشريعات اليونانية
ـ تشريع دراكون: صدرحوالي621ق.م من قبل الحاكم دراكون، حاكم مدينة أثينا بعد زوال العهد الملكي فيها وقد جاءت قواعده متأثرة بالقواعد الدينية، وتميزت بالشدة في تطبيق العقوبات حتى بالنسبة لأتفه الأسباب.
أسباب صدور القانون :
دراكون هو أثيني من طبقة النبلاء، قاد حركة إصلاحية هامة. قد منح نفسه صلاحيات تشريعية واسعة في طليعتها مهمة جمع القوانين السابقة وتنظيمها. حدث ذلك في أواخر القرن السابع ق م .و ترجع أسباب صدور هذه المدونة إلى مطالبة الطبقة العامة بتدوين التقاليد العرفية السائدة، حتى تتمكن من هذه الطبقة من الاطلاع على أحكام القانون الذي كان حكرا على طبقة الأشراف. ورغم أن القانون صدر في ظل صراع شديد بين طبقة الأشراف وطبقة العامة فإن أحكامه جاءت مخيبة لآمال الطبقة الأخير لما اتصف به من قسوة في أحكامه وبما اقتصر عليه من صياغة التقاليد القديمة دون تغييرها أو تطويرها. وفي الوقت نفسه اعترضت الطبقة الأشراف على القانون.
مضامين القانون:
لقد تميزت مدونة دراكون م.بأنها من حيث الشكل كانت ذات مظهر ديمقراطي إذ تكلم دراكون باسم الشعب وليس باسم الآلهة دون أن يخرج في هذه المدونة عن التقليد القائم آنذاك والمتعلق بتمجيد الآلهة. أما من حيث المضمون فقد امتازت المدونة بكونها تبنت الكثير من العادات والتقاليد العرفية وأخرجتها من طابعها المتحيز لفئة إلى الوضوح والموضوعية بعد أن أدخلت المساواة القانونية بين الناس سواء من حيث وحدة القضاء أم من حيث وحدة القوانين الواجبة التطبيق أم من حيث تنفيذ الأحكام القضائية.ورغم كون المدونة كانت مع المساواة بين المواطنين حتى في الحقوق السياسية بعد القضاء على احتكار الأشراف لها ،وكان دراكون يهدف في الأساس إلى إشراك طبقة العامة إلى جانب الأشراف في السلطة ونشر قواعد القانون ليطبق على الجميع بدون تمييز .إلا أن تلك المساواة لم تشمل الكل إذ لم يستفد منها سوى رجال الأعمال.
كانت المدونة من أهم التشريعات القانونية التي وصفت بقسوة العقوبات خصوصا وشدتها ، مما دفع البعض إلى القول بأن قانون دراكون كتب بالدماء. وقد ادخل القصد الجنائي للفاعل في جرائم القتل كما احل عدالة الدولة محل مبدأ العدالة الفردية، ونظم المحاكم ورتب اختصاصاتها.
وقد لوحظ عليه عدم اهتمامه بالجانب الدستوري في حين ركز على فروع القانون الخاص.وقد زادت أهمية هذه القوانين بإقرار مبدأ المساواة أمام القانون وإعطائها أسبقية علي القوانين القبلية، وعمل على جعل القانون سيدا على الجميع.
إن قوانين المدونة لم تصل إلينا في شكل أحكام ونصوص مباشرة بل وصلتنا عن طريق الخطب والمرافعات.وفي الأخير بمكن القول إن هذه القوانين لم تصل إلى جميع غاياتها ولم تكف لحل الأزمات الاجتماعية المتزايدة في زمن دراكون.
- قانون صولون:
مصلح آخر من أبناء أسرة نبيلة كان تاجرا ثريا وشاعرا مثقفا ، حظي بتأييد قوي بسبب وطنيته، فمنح صلاحيات استثنائية لمعالجة الوضع المشرف على الانفجار، اعتمد صولون على البرجوازية وتصدى للنبلاء دون أن يقر مبدأ العنف الثوري الشعبي ومهد لإصلاحاته بعفو عام عن المنفيين السياسيين. لقد اصدر صولون مدونته في أثينا بداية القرن السادس قبل الميلاد حوالي 594ق.م. أي بعد مرور عشرين سنة تقريبا على صدور قانون دراكون.
أسباب صدور التقنين: ترجع أسباب صدور القانون إلى محاولة أصلاح الفساد وإزالة الظلم عن طبقة الزراع والفلاحين بعد ما عجز قانون دراكون عن تحقيق هذه الإصلاحات، فقد بقيت طبقة الأشراف بشكل أساسي قابضة على أمور الحكم وعلى أمور الثروة في البلاد. كما جاء نشر القانون ليتمكن الناس من الاطلاع عليها. وتأتي هذه القوانين متممة للإصلاحات التي قام بها سلفه .كما أريدلها أن تكمل وتضيف مبادئ جديدة تتلاءم مع تطور المجتمع، وتبعده عن الصبغة الدينية.
لقد حكم صولون، مثل غيره من الطغاة، بفضل التأييد الشعبي لمدة تزيد عن 25سنة اعتزل بعدها الحياة السياسية وهو لا يزال في السادسة والستين.ورغم وضعه الاجتماعي إلا أن أهم انجازاته على الإطلاق كانت تحقيق المساواة بين الكافة وأمنها بفتح الهيئات المسيرة للدولة أمام الشعب.
مضمون القانون وخصائصه: لم يصدر القانون باسم الآلهة ولم يتعرض للإحكام الإلهية بل جاء بإحكام مدنية بعيدة كل البعد عن الطابع الديني. ومن أهم ما اختصت به مدونته هو منح الشعب سلطة تشريعية من خلال مجلس الشعب وإعطائه الحق في انتخاب قضاته وجعل مرجع الطعن في أحكام القضاة لمحكمة تتألف من جميع طبقات الشعب.
وفي مدونته حرم صالون الربا الفاحش وألغى رهن الأراضي وارجع الأراضي المرهونة إلي أصحابها وحرر المدينين من ديونهم وأطلق سراح المسترقين منهم ومنع استرقاق المدينين والتنفيذ على أجسامهم كوسيلة لإكراههم على الوفاء.وكان المدينون خصوصا الفلاحين قد استفادوا من إجراء آخر جاءت به المدونة وهو تخفيض وزن العملة من 6غرام إلى 4.75غرام مع الاحتفاظ بقيمتها. كما ادخل تعديلات في المقاييس والموازين لحماية التجار والصناع. وبذلك وأسهمت هذه المدونة في تحسين وضعية الطبقات الفقيرة وتوسيع الطبقة الوسطى وهو ما يشكل وسطا ملائما لنمو الديمقراطية التي لن تتحقق إلا في ظل إصلاح قاده كلينستيس عام 507ق.م .
أنهى صولون نفوذ أرباب الأسر بتفتيت الملكيات الكبيرة وذلك بتشجيع الملكيات الصغيرة، وكان حق الملكية يؤول إلى الابن الأكبر الذي يصبح ربا للأسرة بعد وفاة والده. و قد اقر حق الإرث وتوزيع ملكية الأرض بعد وفاة المورث بين أبنائه الذكور،إذا لم يترك المتوفى ابنا آلت التركة إلى العصبيات وتخفيفا من صولون من قاعدة تحريم الميراث على البنت ألزم الوارث من العصبيات الزواج من بنت المتوفى. وأجاز الوصية لمن شاء صاحب المال.
وأخيرا يلاحظ أن هذا التشريع أخرج فكرة القانون من نطاقها الديني وادخله في مجال سياسي يستوحيه العقل البشري من التطور الاجتماعي. ورغم أن هذا القانون صدر في شكل منشورات خشبية في العام 594 ق.م. فلم تصل إلينا تلك النصوص إلا عبر الخطب.
المبحث الثالث:النظم والمؤسسات اليونانية
وفيه ستتوزع الدراسة إلى مطلبين، يعالج المطلب الأول نظم القانون العام في الحضارة اليونانية،ويهتم المطلب الثاني بدراسة نظم القانون الخاص في الحضارة ذاتها.
المطلب الأول: نظم القانون العام
لقد برزت في اليونان القديم تجربتين متمايزتين كان لكل منها إسهاماتها في بناء و تطوير ا لنظم والمؤسسات وبتجربة خاصة لكل منها: اسبرطة وأثينا
أولا: النظم في مدينة اسبرطة
اتسم نظام الحكم في اسبرطة بكونه نظاما ملكيا عسكريا لم يعرف أي مظهر من مظاهر الديمقراطية.ومن أبرز أركان هذا النظام:
أ ـ الملكان: إذا كانت الملكية دينية وراثية فإنها اعتمدت نظاما قائما على ملكين اثنين من أبرز عائلتين فيها، ويحكمان بشكل مشترك ويتوزعان أعباء الحكم ويتمتعان بسلطات متعادلة. وإن جرت الحرب يقود أحدهم الجند ويبقى الثاني لتسيير شؤون المدينة.
وقد كانت سلطات هذين الملكين مقيدة بما يقوم به مجلسا القدماء والشعب من رقابة قد تصل إلى سلوكهما الشخصي.
ب ـ مجلس القدماء: ويتكون من ثمانية وعشرون عضوا ينتخبون مدى الحياة عن طريق كثافة التصفيق الذي يتلقونه عند استعراضهم داخل الاجتماع.
ج ـ مجلس الشعب: ويتكون من المواطنين الذكور الذين بلغوا سن الثلاثين وإن كان هذا المجلس يشكل ظاهرة ديمقراطية إلا أنه كان ضعيفا ولا قيمة لقراراته إذا لم تقترن بموافقة مجلس القدماء.
د ـ مجلس القضاء: ويتكون من خمسة أعضاء ينتخبهم مجلس الشعب لمدة سنة وهم عادة من الكهنة أو رؤساء القبائل وأبناء النبلاء. وقد تعزز نفوذه بتضاؤل سلطة الملكين مع الزمن.
ويدخل في اختصاصاته دعوة المجالس إلى الانعقاد، وحق اقتراع القوانين، ومراقبة القادة والملوك في الحرب والإشراف على البوليس السري، وعلى الشؤون التربوية والمالية العامة.
فضلا عن اختصاصه القضائي في شؤون الأسرة والملكية والعقود وفي بعض القضايا الجزائية.
هـ البوليس السري: وهو عبارة عن مجموعة من الشباب في سن العشرين من العمر، يوضعون تحت إمرة مجلس القضاء, ويكلفون بمهام أمنية كاغتيال الأشخاص غير المرغوب فيهم وتوقيف الشخصيات البارزة، وتهديد أبناء الطبقة الدنيا والعبيد ولإخضاعهم وإذلالهم.
ثانيا : النظم في مدينة أثينا:
قدمت أثينا من خلال تطوره
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الفصل الثاني / المؤسسات الاجتماعية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المؤسسات الاجتماعية
» دور المؤسسات الاجتماعية في التغيير
»  إستعمال الزمن الفصل الثاني .علم الإجتماع و الأنثروبولوجيا
» ملخصات مادة العقيدة الفصل الثاني الدراسات الإسلامية
» قائمة مراجع القانون الدستوري التي أدلى بها الأستاذ بوكير لطلبة الفصل الثاني :‬

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
oumelbanine guercif :: قسم التربية والتعليم :: منتدى التعليم العالي والبحث العلمي-
انتقل الى: