أصدرت التنسيقية الرباعية للنقابات التعليمية: النقابة الوطنية للتعليم (ف د ش) والنقابة الوطنية للتعليم (ك د ش) والجامعة الحرة للتعليم (ا ع ش م) والجامعة الوطنية لموظفي التعليم (ا و ش م) بإنزكان أيت ملول، بيانا يوم 27 أبريل المنصرم تطالب فيه بإسقاط المخطط الاستعجالي، وتدعو إلى مقاطعة مقاربة بيداغوجيا الإدماج، ووقف العمل بالمذكرة 204 المتعلقة بالتقويم والامتحانات.
وحسب البيان، فقد أجمعت كل تقارير الشغيلة التعليمية المرفوعة إلى النقابات على استحالة تطبيق مقاربة بيداغوجيا الإدماج. إن هذا الإجماع يفيد أن نتائج العمل الميداني والتطبيق العملي لهذه المقاربة في المؤسسات التعليمية أكدت وجود الهوة الواسعة بين واقع التنظير البيداغوجي وواقع الممارسة الديداكتيكية.
وهنا نتساءل هل توصل المسؤولون محليا وجهويا ومركزيا بتقارير مماثلة؟ !!!
لقد عللت التقارير استحالة التطبيق باختلالات وارتباكات شابت عملية إرساء بيداغوجيا الإدماج ومرحلة تعميمها وتتمثل فيما يلي:
1 ـ عدم استكمال التكوين:
المثير للاستغراب أن الوزارة قررت تعميم مشروع مقاربة بيداغوجيا الإدماج وتطبيقه في عموم مدارس التعليم الابتدائي مع العلم أنه لم يتم بعد استكمال تكوين الفاعلين التربويين وتكوين الأساتذة في تخطيط وتقويم التعلمات والمعالجة وتدبير الأقسام المشتركة بالإضافة إلى عدم انتداب أساتذة في بيداغوجيا الإدماج وتكوينهم؛ وحسب علمنا لا وجود لهم في المؤسسات. ومن مهامهم «مصاحبة الأساتذة داخل المؤسسة من أجل تطوير ممارستهم المهنية بهدف إنماء الكفاية لدى كل متعلم تخطيطا وتقويما ومعالجة»، كما جاء في المذكرة الوزارية رقم 10 /1700 الصادرة في 09 دجنبر 2010. مع الإشارة أن دورات تكوينية لفائدة أساتذة الموارد من المفترض أن يكون قد تم تنظيمها على المستوى الجهوي بداية من شهر يناير 2011 .
2 ـ غياب رؤية واضحة وموحدة في الفهم والتنزيل لدى المدرِّسات والمدرسين نتيجة سوء التأطير:
إن تنظيم دورات تكوينية لفائدة المدرس باعتباره الممارس الفعلي والحجر الأساس في الفعل التعليمي التعلمي والتجديد التربوي، شرط أساسي في إنجاح أي إصلاح وتجديد بيداغوجي لتجويد التعليم بالمدرسة العمومية. فهل مدة التكوين في خمسة أيام مكنت المدرِّسة والمدرس من امتلاك الكفايات اللازمة لإرساء هذه المقاربة الجديدة؟ الإجابة عن هذا التساؤل نجد بعض عناصرها في نتائج استطلاع لرأي المدرسين والمدرِّسات بإنزكان أيت ملول:
عبَّر 84.85 بالمائة منهم بأن أداءهم البيداغوجي لم يتحسن بحيث لم يمتلكوا كفاية مهنية للتعامل مع بيداغوجيا الإدماج.
ويعزى ذلك إلى العناصر التالية:
ـ المداخلات النظرية: لم تَرْقَ إلى المستوى الذي يؤهل المدرس للتعامل مع بيداغوجيا الإدماج، 39.39 بالمائة من المدرسين اعتبروها دون المتوسط و36.36 بالمائة اعتبروها ناقصة.
ـ الورشات التطبيقية(كتابيا): عبر %75.75من المدرسين أنها كانت دون المتوسط بحيث لم يتم التمكن من الربط العضوي بين التطبيقي والعروض النظرية، هذه الأخيرة شابها الإبهام والضبابية.
ـ النقاش الجماعي: كان هو الآخر دون المتوسط بنسبة %31.18 بسبب عدم التحكم في تقنيات التنشيط وسوء استعمال الوسائط السمعية البصرية التي تحولت إلى كتاب مفتوح تم الاكتفاء بقراءته، هذا بالإضافة إلى الوثائق والبيانات التي شابها أحيانا الغموض.
ولهذا كانت نتائج النقاش الجماعي سلبية بحيث لم تنتج عنه حلول عملية لمجموعة من الإشكاليات وأجوبة لمجموعة من التساؤلات التي ما زالت عالقة.
ـ مدة الدورة التكوينية بالنسبة لـ 90.91 % من المستفيدين لم تكن كافية وشابها نوع من الاستعجال إلى درجة أن بعض مراحل الورشات التطبيقية تم تجاوزها، وكان الهم هو إنهاء الخمسة أيام طبقا للتوجيهات الوزارية.
فمن الواضح أن بروز تناقضات وتضارب على مستوى الممارسة التطبيقية بين الأساتذة كان نتيجة سوء تدبير التكوين.
3 ـ غياب الأجهزة والفرق للتتبع والمصاحبة والتصحيح في الميدان المباشر مما شوش على الممارس داخل القسم:
إن أغلب الحلقات في سلم وتراتبية المسؤولية تتملص من مهامها ولا تقوم بدورها مما أحدث انزعاجا وتشويشا على الممارس، حيث اختزل المشروع في سؤال متداول: هل قمت بالإدماج؟
لقد برز تضارب وتناقضات على مستوى الممارسة التطبيقية بين الأساتذة نتيجة:
أ ـ تباعد المسافة بين المرجعية النظرية والواقع التعليمي في غياب الشروط الأساسية والضرورية للفعل التربوي والتجديد البيداغوجي.
ب ـ غياب تكوين مواز من طرف الهيئات والفرق المحدثة والمفترض فيها تتبع التجريب والتعميم ومواكبة عمليات الأداء الصفي للمشروع لمصاحبة الأستاذة / الأستاذ الممارس سواء على مستوى عملية التخطيط لإرساء التعلمات والإدماج والتقويم بناء على شبكات وآليات معينة ومحددة، أو على مستوى تقديره (جعله قادرا) على تصنيف الخطإ ومعالجته واستثماره في التعلمات.
ج ـ تجاهل وإغفال الفاعل الأساس والمحوري في العملية بعدم إشراكه وإهمال التواصل الرسمي معه من خلال المذكرات والتوجيهات الرسمية عبر القنوات الإدارية الرسمية وليس عبر مواقع الأنترنيت. فبناء على نتائج الاستطلاع المشار إليه سابقا فإن 84.85 % لم يطلعوا بتاتا على المذكرات الوزارية المرتبطة ببيداغوجيا الإدماج ونظام التقويم والامتحانات. ( المذكرة 204 نموذجا).
د ـ غياب برمجة اللقاءات التربوية على مستوى المدارس أو المقاطعات أو الإقليم أو الجهة لمناقشة تجربة مقاربة بيداغوجيا الإدماج وتبادل الآراء ووجهات النظر بين المدرِّسات والمدرسين والمسؤولين.
ه ـ غياب نتائج دراسة تقويم الأثر لحصيلة مشروع بيداغوجيا الإدماج المسجلة بمواقع التجريب حسب ما جاء في المذكرة 174 الصادرة بتاريخ 08 نونبر 2010 في موضوع إرساء بيداغوجيا الإدماج; للاستئناس بهذه النتائج...
لماذا إذن يُطالَب الأساتذة بتنفيذ المشروع، والمسؤولون إقليميا وجهويا ومركزيا يتملصون من مهامهم؟!
4 ـ عدم التوصل بالعدة البيداغوجبة:
لم يتوصل الأساتذة بالدلائل المرجعية (دليل بيداغوجيا الإدماج، دليل المقاربة بالكفايات، دليل التقويم )، مما حال دون مواكبتهم للمستجدات. أما بالنسبة لكراسات الإدماج فقد عرفت تعثرات حيث هناك من الأساتذة من لم يتوصل بها نهائيا في المرحلة الثانية، مع الإشارة إلى أن أغلب المؤسسات التعليمية لم تنجز المجزوء الأول للإدماج، وتأخر تسلمها بالنسبة للمرحلة الثانية والثالثة.
إن هذا الارتباك في تدبير عملية توفير الكراسات خلق تباينا واختلافا في وجهات النظر والمواقف من إرساء بيداغوجيا الإدماج بين مبادرين مبادرة فردية وممتنعين عن الإنجاز.
وبالتالي كان من نتائج هذا الارتباك والتعثر انطلاقة غير موحدة في جميع المؤسسات التعليمية بل على مستوى المؤسسة الواحدة إضافة إلى أسباب أخرى منها التفاوت الحاصل في انطلاق إنجاز المقرر أو إرساء الموارد نتيجة التغيبات الاضطرارية بسبب المرض أو الدورات التكوينية أو الإضرابات الاحتجاجية...
5 ـ إشكالية إدماج مادتي النشاط العلمي والجغرافيا:
خلال تعميم تدريس اللغة الأمازيغية بجميع مستويات التعليم الابتدائي بتخصيص ست حصص في الأسبوع، تم تعديل في جدول الحصص وذلك بتكليف مدرس اللغة العربية بتدريس اللغة الأمازيغية، ونقل تدريس مادة النشاط العلمي إلى مدرس اللغة الفرنسية. لكن عند إقرار مشروع مقاربة بيداغوجيا الإدماج، لم يأخذ المسؤولون بعين الاعتبار هذا التعديل وأدرجوا ضمن كراسات الوضعيات إدماج مادة النشاط العلمي (مدرس اللغة الفرنسية) ومادة الجغرافيا (مدرس اللغة العربية). والسؤال من سيتكلف بتدبير عملية إدماجهما: مدرس اللغة العربية أم مدرس اللغة الفرنسية؟ ومن سيضع نقط كفايات المرحلة الثالثة والرابعة؟
إن هذا الخلل يؤكد مجددا على أن حضور الأستاذ، الممارس الأساس والفاعل التربوي المحوري، وتمثيليته في كل مراحل ومحطات إعداد مشروع بيداغوجيا الإدماج وتنفيذ مخطط إرسائه، أمر ضروري.
6 ـ إخضاع مادة اللغة الأمازيغية لنظام التقويم:
يشكل إخضاع اللغة الأمازيغية لنظام التقويم والامتحانات (المراقبة المستمرة، الامتحان المحلي الموحد لنيل شهادة الدروس الابتدائية، تقويم الكفايات في المرحلة الثالثة والرابعة) نوعا من الحيف والإجحاف في حق المتعلم لما يعرفه تدريس الأمازيغية من تعثر وارتباك نتيجة ضعف أو غياب التكوين ونتيجة إسناد تدريسها إلى المدرس غير الناطق بالأمازيغية (عربي اللسان) فكيف يمكنه تدريس لغة يجهلها؟ !!! بالإضافة إلى مشاكل أخرى بيداغوجية وديداكتيكية.
ونؤكد أنه ليس صحيحا البتة أن اللغة الأمازيغية معممة في جميع المدارس. فهناك بعض المدارس يقتصر فيها على تدريس اللغة الأمازيغية في المستوى الأول والثاني فقط.
7 ـ نظام التقويم والامتحانات بالتعليم الابتدائي:
أ ـ المراقبة المستمرة:
طبقا لمقتضيات المذكرة 179 الصادرة بتاريخ 13 دجنبر 2010 فإن إجراء فروض المراقبة المستمرة تتم خلال الفترات المبرمجة لأسابيع الإدماج، ولحد الآن لم يتم حل الإشكال. وهذا ناتج عن غياب تنظيم لقاءات تربوية تأطيرية للأساتذة من أجل مدارسة ومناقشة مضامين ومقتضيات المذكرات الوزارية (نموذج المذكرتين 175 و 204 وهذه الأخيرة لم تتوصل بها معظم المدارس)، وعن غياب انعقاد المجالس التربوية والتعليمية ومجالس الأقسام لمناقشة نظام التقويم عموما والمراقبة المستمرة على وجه الخصوص من أجل إعداد جدولة زمنية دورية للفروض المحروسة انطلاقا من مقرر تنظيم السنة الدراسية.
ب ـ الطابع التقني المعقد لاتخاذ قرار الانتقال من مستوى إلى آخر ( المذكرة 204 ):
في الحقيقة نعتقد أن الوزارة أرادت « أن تفعل كل شيء دون أن تفعل أي شيء ». وكأن الوزارة مستعجلة للتخلص من هذا العبء « صداع الراس » بأي طريقة !!!
لقد كان من المفيد العمل بمبدإ التدرج أي أن تترك الفرصة للأساتذة لاستيعاب هذه المقاربة الجديدة وهضمها مع العلم أنها مشروع ما زال في طور التجريب ( المذكرة 174 ).
فكيف يمكن تنفيذ هذه المذكرة في غياب الشروط الملائمة وفي الوضع الذي أشرنا إليه سابقا؟
تساؤلات:
ـ هل بيداغوجيا الإدماج هي الجواب المناسب لحل أزمة التعليم بالمغرب؟
ـ هل بيداغوجيا الإدماج هي الجواب الملائم لتجاوز « المراتب المتدنية التي احتلها المغرب مثلا في الأداء العام في الرياضيات حسب الدراسة الدولية 2007 timss(31 من أصل 36 دولة مشاركة) حيث جاء متوسط الأداء أقل من المعدل الدولي، وبالنسبة لتطور الأداء بين دورتي 2003 timss و2007 timss سجل تراجعا يصل إلى 6 نقط. كذلك الشأن بالنسبة لنتائج التقويمات المنجزة في إطار البرنامج الوطني لتقويم التعلمات 2008 pnea، فقد أبانت على أن البرنامج الدراسي لم يتحقق إلا بنسبة 34 بالمائة في السنة الرابعة ولم تتجاوز 44 بالمائة في السنة السادسة، ونفس الأمر بالنسبة للعلوم واللغات. أما الأداء حسب المجالات القرائية فالمعدل الوطني يقارب الصفر على مستوى التفسير والدمج والتقييم بعيدا جدا عن أدنى معدل تحقق على المستوى الدولي».
ـ كيف يمكن إرساء مقاربة بيداغوجيا الإدماج داخل بنية تنعدم فيها أدنى الشروط التربوية والديداكتيكية. فمدارسنا تفتقد إلى التجهيزات التكنولوجية وإلى الخزانات المدرسية وإلى الملاعب الرياضية... حيث نجد مدارس الواجهة هي المحظوظة وهي التي تستخدم لاستقبال أعضاء اللجان الوزارية الذين يشبعون فيها نرجسيتهم ويعتبرونها نموذجا لتنظيراتهم المكتبية في دواليب الوزارة، غير عابئين بحقيقة الواقع المر في مجموع المدارس حيث الاكتظاظ الذي يمنع تكافؤ الفرص في تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب على الأقل، والذي يقف حجر عثرة ضد كل تجديد بيداغوجي !!!
كيف لأكثر من عشرين تلميذا من أصل خمسين في الحجرة الدراسية أن يدمجوا معارف ومكتسبات وهم أصلا لا يمتلكونها وفاقدين للغة التواصل عربية أو أمازيغية أو فرنسية ؟!
إن مقاربة بيداغوجيا الإدماج هي فعلا نموذج صارخ يعكس تردي الأوضاع التعليمية بالمدرسة العمومية، وغياب إرادة حقيقية في إصلاح المنظومة التربوية، ويعكس فشل المخطط الاستعجالي الذي أصبح عنوانا عريضا موازيا لهدر المال العام.
لقد أقر السيد وزير التربية الوطنية بفشل المخطط الاستعجالي في معرض جوابه عن سؤال في إطار جلسة للأسئلة الشفاهية بمجلس المستشارين، ونحن نتفق معه تماما في ذلك، لكن لا نتفق معه بأن إضرابات نساء ورجال التعليم هي التي أفشلت مخططه. للأسف أن السيد الوزير همه هو البحث عن مشجب يعلق عليه فشله للتنصل من المسؤولية.
فعندما تحضر لدى مسؤولينا الجدية اللازمة والإرادة السياسية الحقيقية والقناعة بالمقاربة التشاركية وعمادها المدرس، آنذاك يمكننا أن ننفذ مشاريع نحن من ضمن صناعها.