وأخيرا صادق مجلس المستشارين على قانون توفير الحماية القانونية للضحايا والشهود والخبراء والمبلغين في ما يخص جريمة الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ عبر تعديل المسطرة الجنائية، سعيا من المشرع المغربي إلى تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد الذي أصبح من المطالب الملحة للمجتمع المغربي، رفعت من ضمن شعارات حركة 20 فبراير التي ترددت صداها في جل المسيرات.
فمشروع القانون رقم 37.10 يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 يتضمن عدة تدابير لحماية المبلغين وأفراد أسرهم وأقاربهم، كلما تعرضت حياتهم أو ممتلكاتهم أم مصالحهم للخطر أو لضرر مادي أو معنوي.
القانون في جوهره ينص أيضا على أنه يحق للشاهد أو الخبير في أي قضية، إذا ما كانت هناك أسباب جدية من شأنها أن تعرض حياته وسلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية أو مصالحهم الأساسية للخطر أو لضرر مادي أو معنوي إذا ما أدلى بشهادته أو إفادته، أن يطلب من وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أو قاضي التحقيق، تطبيق أحد الإجراءات الكفيلة بحمايته. بالمصادقة على هذا القانون سيصيح الشاهد أو المبلغ أو الخبير في منأى من الإنتقام في حالة التبليغ ،فيكفي تركيب رقم هاتفي خاص بالشرطة للتبليغ ، يكون رهن إشارتهم ، يتيح لهم الإبلاغ بالسرعة اللازمة أثناء وجود أي خطر قد يهدد سلامته أو سلامة أسرته . وإخفاء الهوية الصحيحة للشاهد أو الخبير أو المبلغ في المساطر ووثائق القضية بشكل يحول دون التعرف على هويتهم الحقيقية.
ففي الوقت الذي استشرى فيه الفساد، جاء القانون لتشجيع المواطنين على التبليغ وفي نفس الوقت منح الحماية ،التي غالبا ما تدفع الكثيرين إلى التزام الصمت بدل الشهادة ،لتمتثل أمامهم حالات مواطنين تعرضوا للإبتزاز والإنتقام لا لشيء سوى أنهم قاموا بالتبليغ عن المفسدين، محمد الموظف بالمحافظة العقارية لأكثر من عشر سنوات ،لا زمه الخوف والهلع فترة من الزمن حين أقدم على الإبلاغ عن الرشوة ،فبينما كان يقوم بعمله المعتاد إذ برجل أعمال يقف أمامه مبتسما، يطلب منه تحفيظ قطعة أرضية ،وهو يتفحص الوثائق إذ يتناهى إلى أسماعه « غير قاد المسائل وما يكون غير خاطرك » رفع رأسه وهو متجهم الوجه ،ليعود إلى تقليب الوثائق،فيما استمر رجل الأعمال في استفزازه « اللي حليتي عليه فمك تاخد» فانتفض محمد غاضبا » أنا ما كناخدش الرشوة » ليتعالى الصراخ الذي وصل صداه إلى المدير الذي وجد صعوبة في فض النزاع.
منذ تلك اللحظة ومحمد يعيش على أعصابه ،خوف وهلع مستمر ،تحول إلى تهديد متواصل له ولأسرته إن هو تجرأ على التبليغ،ليس محمد هو الوحيد الذي تحول من شاهد إلى ضحية وتحول المفسد إلى بطل بل حكايات تتناسل من هنا وهنا جعلت الشاهد والمبلغ يلزم الصمت مخافة الإنتقام . تفعيل هذا القانون سيضع حدا للإنتقام والإبتزاز من خلال حماية الشهود.
من جانبه القانون يلزم إشعار ضحية إحدى جرائم الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال، بحقه في الانتصاب كمطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق أو أمام هيئة المحكمة، كما يتعين إشعاره بالحقوق التي يخولها له القانون. كما خول للنيابة العامة باتخاد تدابير لحماية الشاهد أو الخبير أو المبلغ أثناء وجود أي خطر قد يهدد
سلامته وسلامة أسرته، و يوفر الحماية الجسدية للشاهد أو الضحية ولأفراد أسرته من طرف القوة العمومية، وضرورة عرضه على أنظار طبيب مختص، وتخصيصه بالرعاية الاجتماعية اللازمة عند الاقتضاء.
وإذا ظهرت أسباب، تؤكد أن حضور الشاهد للإدلاء بشهادته أو مواجهته مع المتهم من شأنها أن تعرض حياته أو سلامته الجسدية أو مصالحه الأساسية للخطر، أو حياة أفراد أسرته أو أقاربه أو سلامتهم الجسدية للخطر أو مصالحهم الأساسية، جاز للمحكمة، بناء على ملتمس من النيابة العامة، أن تأذن بتلقي شهادته بعد إخفاء هويته من وراء ستار بشكل يحول دون التعرف على صورته. كما يمكنها الإذن باستعمال الوسائل التقنية لتغيير صوته من أجل عدم التعرف على صوته، أو الاستماع إليه عن طريق تقنية الاتصال عن بعد.
أماالنيابة العامة فقد خول لها القانون الجديد إما تلقائيا أو بناء على طلب، إذا تعلق الأمر بجريمة الرشوة أو استغلال النفوذ أو الاختلاس أو التبديد أو الغدر أو غسل الأموال، بقرار معلل، اتخاذ واحد أو أكثر من التدابير الواردة في النص وهي، الاستماع شخصيا للشاهد أو الخبير، وإخفاء هويته وعدم الإشارة إلى عنوانه الحقيقي، في المحاضر والوثائق التي تتعلق بالقضية المطلوب فيها شهادته، بشكل يحول دون التعرف على هويته على عنوانه الحقيقي، مع الاكتفاء بالإشارة في عنوان إقامته إلى مقر الشرطة التي تم فيها الاستماع إليه أو المحكمة المختصة في النظر في القضية إذا ما كان قد استدعي لأول مرة أمام قاضي التحقيق أو المحكمة.
المشروع يستمد مرجعيته من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة « المادتان 24 و 25 » واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد« المادتان 32 و33 » والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية « القاعدة 87». وهو مشروع يتعلق بجرائم الرشوة واستغلال النفوذ والاختلاس والتبديد والغدر وغسل الأموال، والمس بأمن الدولة، والإرهاب والعصابات الإجرامية والقتل والتسميم، والاختطاف وأخذ الرهائن وتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، والمخدرات والمؤثرات العقلية، أو الأسلحة والذخيرة والمتفجرات وحماية الصحة.
مع هذا القانون ستوفر الحماية القانونية للضحايا والشهود والخبراء والمبلغين في ما يخص جريمة الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ عبر تعديل المسطرة الجنائية ، غايته تشجيع أفراد المجتمع على التبليغ عن جرائم الفساد والادلاء بشهادتهم أمام القضاء بكل حرية ودون خوف .