مدخل:
في إطار تنويع المدرس للتقنيات والمنهجيات والبيداغوجيات المستعملة داخل حجرة الدرس،قصد تحسين أدائه،وتنشيط جماعة القسم،وإشراك المتعلمين في بناء الدروس،وتفاديا لإيقاع المتعلم في الخطأ ذي المصدر الديداكتيكي،يمكن الاستفادة من تقنية الوضعية المسألة،أو الوضعية المشكلة.
الوضعية المسألة
إن الحديث عن الوضعية المسألة،أو الوضعية المشكلة يجرنا للحديث عن شقيها،المتكون من:"الوضعية" و"المسألة".
1-أ-مفهوم الوضعية:
الوضعية التعلمية هي:
"مجموعة من الظروفv التي يوجد فيها الفرد،وتفرض عليه إقامة علاقات محددة ومضبوطة،مجردة وملموسة،مع الجماعة والبيئة التي يعيش ويتحرك فيها".
"إنها مجموعة من المعطيات الذاتيةv والاجتماعية والمدرسية التي لها علاقة بالكفاية المراد تحقيقها."
"إنها تحيلv إلى شخص في علاقته بسياق أو بحدث معينين."
يدخل في الوضعية التعلمية العامل الذاتي للمتعلم،من حيث خصوصياته النفسيةوالاجتماعية:من اهتمام بالموضوع،وميل إليه،واستعداد لتعلمه ومناقشته.كما يدخل العامل الديداكتيكي،من حيث كل الجوانب الميسرة للتعلم:[من أدوات تعليمية،ومقاربات بيداغوجية،ومحتويات وأنشطة].
1-ب-المسألة أو المشكلة:
تتمثل في مناولة معلومات،أو إنجاز مهمة،أو تخطي حاجز.
2-الوضعية المشكلة:
" وضعية تتضمن صعوبات لا يملك المتعلم حلولاv جاهزة لها."
" عبارة عن وضعية يواجهها المتعلم،وحالة يشعر فيها أنه أمام موقفv مشكل،أو سؤال محير،لا يملك تصورا مسبقا عنه،ويجهل الإجابة عنه،مما يحفزه على البحث والتقصي،من خلال عمليات معينة للتوصل لحل المشكلة."
"تعتبر طريقة حل المشكلاتv من الطرائق الهادفة في التدريس،تعود إلى المربي الأمريكي"جون ديوي" الذي يرى أن الإنسان يتعلم عن طريق حل المشكلة،وتعتمد على التفكير العلمي السليم للوصول إلى الحل،تسمى أيضا بالطريقة العلمية للتفكير".
تشكل الوضعية المشكلة منطلقا لبناء المفاهيم العلمية من طرف المتعلم،باعتبارها تقنية من تقنيات التعلم الذاتي،تتمثل وظيفتها الأساسية في استدراج المتعلمين من خلا ل مشكل أو تساؤل محير، يطرح عليهم لإعمال التفكير والقيام بسلوكات واستراتيجيات وعمليات معرفية وذهنية،وتنظيم خطوات العمل والبحث والتقصي عن مصادر المعرفة،بهدف الوصول إلى حل مناسب.
3-أنواع المشكلات:
أ-مشكلات تلقائية:
ليست مصطنعة أو محدثة،بل تطرح من طرف المتعلم،ونابعة من إحساسه وتجربته الخاصة، وحاجاته في ذاته،وفي علاقته بالواقع وحياته اليومية.
ب-مشكلات محدثة:
يتولى المدرس استدراج المتعلم ومساعدته على وضع المشكلة بنفسه،وذلك من خلال إحداث جو مناسب لذلك،على أن ترتبط بالمقررات والبرامج.
ج-مشكلات مبنية:
يتم تحضيرها والتخطيط لها من طرف المدرس،ثم يتولى طرحها وتوجيه خطوات حلها،حتى تنسجم مع أهداف الدرس.
4-مراحل الوضعية المسألة:
♠ طرح المشكلة.
♠ صياغة الفرضيات انطلاقا من خبرات المتعلم
♠ تمحيص الفرضيات.
♠ التجريب
♠ القانون أو القاعدة أو الاستنتاج.
5-سيرورة الوضعية المسألة:
إن كل وضعية مشكلة ينبغي أن تنتظم حول تجاوز العائق من طرف جماعة القسم،عائق تم تحديده سلفا ليشكل عائقا هدفا،حتى يفضي تجاوزه إلى حدوث تعديل في تمثلات المتعلم،وتغيير في شبكته المفاهيمية،ويتم بالتالي بناء المفهوم العلمي بشكل سليم،لأن العوائق تمثل النواة الصلبة للتمثلات،ومن شأن رصد وتحديد هذه العوائق،وأخذها بعين الاعتبار قصد تجاوزها،أن يضفي حيوية جديدة على التعلم،باعتبار التقدم الذهني المفاهيمي الناتج عن تخطيها هو الهدف المنشود،إذ أن كل وضعية مسألة تتميز-حسب "أورانج" بمرحلتين أساسيتين هما:
أ- مرحلة خلخلة التوازن وزعزعة الاستقرار المعرفي.
ب- مرحلة إعادة التنظيم والاستقرار.
تتم سيرورة الوضعية المسألة على الشكل التالي:
طرح مشكل محير تشخيص التمثلات الكشف عن العوائق الكامنة جعل العائق هدفا خلخلة التوازن المعرفي التشكيك فيه بروز التمثل المغلوط إثبات قصور التمثلات إعادة التنظيم والتوازن تعديل التمثل بناء المفهوم العلمي.
من خلال الحديث عن سيرورة الوضعية المسألة يظهر لنا أننا في حاجةلاستجلاء مفهوم "التمثلات"،ومفهوم "الهدف العائق".
أ-التمثلات:
"معارف أولية مكتسبة خارج إطار العلوم المختصة".
"معلومات عامة استوعبها الفرد في محيطه الاجتماعي الثقافي،قد تفتقر،على المستوى العام،لسند علمي،يعطيها مصداقيتها وشرعيتها كمعرفة مقبولة.سواء من طرف اللجنة العلمية المختصة،إن كانت ترتبط بنتائج علمية جديدة لباحث في مجال اختصاص معين.أو من طرف المعلم باعتباره المسؤول المباشر على مكتسبات المتعلمين،وما ينسجم والأهداف التربوية المسطرة داخل النشاط التعليمي المنشود".
"كون التمثلات نماذج تفسيرية عفوية تستمد أسسها من نمط تفكير معين لا يعني أنها لا تحتوي إطلاقا على بعض خصائص النماذج التفسيرية العلمية وذلك لعدة أسباب منها:
- لأنها معرفة حسية.
- لأنها إبداع شخصي.
- لأنها ليست نتاجا لتفكير خاطئ،بل هي خطأ في التفكير.
يعتبر غاستون باشلار أن"التمثلات التي تترسخ في ذهن المتعلم على شكل أفكار مسبقة والتي تم اكتسابها من خلال التجارب المباشرة المرتبطة بالمجال الثقافي والاجتماعي تكون حمولة معرفية على شكل مجموعة من العوائق الابستمولوجية التي تضمر وتقاوم اكتساب المعرفة العملية الجديدة".
إن التمثلات تنفي فكرة أن الطفل صفحة بيضاء،يمكن تسويدها من طرف الراشد بما شاء.
ب-تطبيق:
إذاً التمثل هو التصور الذي في ذهن المتعلم عن مفهوم ما.فإذا كان تمثله عن البدل والنعت خاطئا خلط بينهما،ويكون مصدر الخطأ هو المشترك بين النعت والبدل من كونهما تابعان،أي أن الخطأهنا ذو مصدر معرفي نابع من صعوبة المفهوم ذاته،بحيث لا يستطيع تمثل ما يميز بينهما.
ج-العائق الهدف:
إن هذا المصطلح وضعه الباحث الفرنسي "مارتينالد" ، وهو مفهوم يرتبط بحقل ديداكتيك العلوم الفيزيائية و الطبيعية ، ولقد وظفه العديد من العلماء . وهو مصطلح مركب يتألف من :لفظ هدف المأخوذ من بيداغوجيا الأهداف، ولفظ عائق المستمد من إبستمولوجيا باشلار .
العائق الهدف هو ببساطة:عائق يُجعل هدفا،ليس لتكريسه،بل لتجاوزه.
د-تطبيق:
في المثال السابق يحدد المدرس العائق،ألا وهو الخلط بين تابعين،ويجعله هدفا،قصد تجاوزه،وذلك من خلال خلخلة التوازن المعرفي لدى المتعلم ثم التشكيك فيه،هنا يبرزالتمثل المغلوط،الذي يبنى عليه لإعادة التنظيم والتوازن،قصد تعديل التمثل في أفق بناء بناء المفهوم العلمي،المتمثل في التمييز بين النعت والبدل.
6-خصائص الوضعية المسألة:
• أن تكون ملائمة للأهداف المرسومة.
• أن تكون ملائمة لتفكير المتعلمين.
• أن تكون ملائمة لحاجات المتعلمين وميولاتهم.
• أن لا تقدم أثناءها حلول جاهزة.
7-دور المدرس:
• تسهيل التعلم.
• تسيير الحوار.
• إتاحة فرص المشاركة.
• تشجيع روح المبادرة:ب(المحاورة والإنصات والدعم والتوجيه والتنظيم والترتيب..).
8-دواعي الوضعية المسألة:
• استدراج المتعلم لبناء معرفته الخاصة.
• تنمية روح التواصل.
• تنمية روح التعاون.
• تنمية روح الاستقلالية .
• تنمية روح المبادرة.
• تنمية روح المسؤولية.
• إدراك نسبية المعرفة،وقبولها للتطوير والتجديد.
• إثارة دافعية المتعلم الداخلية للتعلم.
• جذب انتباه المتعلم واهتمامه.
• إضفاء جو من المتعة والحماس على الدرس.
9-أهداف الوضعية المسألة:
• تذوق الحجة والبرهان.
• الدفع نحو الشك العلمي.
• بناء الثقة بالنفس.
• تفجير الحس النقدي .
• التفكير في الأخطاء.
• تطوير التمثلات الشخصية.
10-القيمة التربوية للوضعية المسألة:
لا تكمن القيمة التربوية للوضعية المسألة في الحلول المتوصل إليها بقدر ما تكمن في:
• السبيل الشاق الذي يسلكه المتعلم للتوصل إلى هذه الحلول.
• مساعدة المتعلم على تعلم كيف يتعلم.
• أنها أداة فعالة في تجاوز العوائق من طرف جماعة القسم.
• ربط المفاهيم والمعارف الجديدة بالإطار الدلالي للمتعلم،بنوع من التدرج.
• جذب انتباه التلميذ واهتمامه،وإثارة دافعيته الداخلية.
• إضفاء جو من المتعة والحماس على الدرس.
ولكي تضمن الوضعية المسألة مشروعيتها،وتستحق المصادقة عليها لا بد من تعاقد ديداكتيكي،يكوِّن
معها وضعية ديداكتيكية.
11-تطبيق الوضعية المسألة:
الوضعية:" تناولت الفطور مسرعا"v ،هذه الجملة في إطار فصل معين،وظروف محددة[حجرة،تلاميذ،شخصياتهم،أستاذ معين،ظروف الزمان والمكان....].
طرح المشكلة:ماهو الاسم المنصوب فيv الجملة؟
الفطور/مسرعا.
من منهما حال؟
صياغة الفرضيات انطلاقا من خبراتv المتعلم:هل "الفطور" حال،أم شيء آخر؟
تمحيص الفرضيات:ماهو الفعل في الجملة؟ماv هو الفاعل؟ما علاقة "الفطور" بالفعل؟
"الفطور":اسم وقع عليه الفعل،إذاً فهو مفعول به.
التجريب:"مسرعا"هل وقع عليه الفعل؟هل هو نكرة أو معرفة؟ماذا يبينv هذا الاسم؟
القانون أو القاعدة أو الاستنتاج:الحال اسم نكرة منصوب،يبين هيئةv اسم قبله.
ختاما: لا تبخلوا علي إخوتي الكرام بملاحظاتكم،وإضافاتكم،حتى نسير بسفينة التربية والتعليم إلى بر الأمان،قبل أن تهلكها الأمواج العاتية، والعواصف المدمرة،وكي نعذر إلى الله.
المراجع:
- سلسلة علوم التربية9-10"معجم علوم التربية:مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك"/عبدالكريم غريب-عبد اللطيف الفاربي-عبد العزيز الغرضاف-محمد أيت موحى
- دليل الامتحانات المهنية-2-الكتاب التطبيقي/إشراف:عبد الفتاح ديبون/الطبعة الأولى:شتنبر2006/مطبعة النجاح الجديدة الدارالبيضاء.
- مقال:"الكفايات والتمثلات:سؤال في الوظائف البيداغوجية" لإسماعيل هموني/مجلة علوم التربية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]