منذ التحاقه بالمدرسة الابتدائية، يجد التلميذ نفسه أمام وضعيات مسائل لا يعلم حلولها من الوهلة الأولى، وإنما يمكنه التوصل إلى حلول ممكنة لها بواسطة أساليب متنوعة. ولهذا، فإن الأستاذ مطالب بتهييء الظروف الملائمة لهذا النشاط الذهني والسيكو حركي والسوسيو انفعالي للمتعلمين الذين يجب أن يكونوا على بينة من مختلف المهام المرتبطة بحل المشكلات:
- اقتراح فرضيات، ثم تجريـبها
- بلورة خطة ملائمة من أجل إنتاج حل شخصي
- الاشتغال على حلول ممكنة داخل مجموعات صغيرة
- شرح الطريقة، مع تقديمها للمناقشة والتحليل والبرهان
- التحقق الذاتي والجماعي من الحلول المتوصل إليها
أثناء تقديم الدروس أو الحصص، يلجأ الأستاذ إلى العديد من الصيغ، وهذه الأخيرة تزداد غنى ونجاعة كلما تم الاشتغال في زمر صغيرة تمكن من مجابهة الأفكار بين الأقران، مما يشد اهتمام جميع هؤلاء الأطفال نحو المهمة المقترحة.
أ) الأهداف العامة:
يمكن الحديث عن 5 أهداف عامة للوضعية المسألة:
تنمية قدرة التلميذ على مواجهة وضعيات جديدة
وعي التلميذ بقوة معارفه ولو كانت بسيطة، إذ إن هناك عدة أساليب لإيجاد حل ما، باعتماد مرجعيات معرفية مختلفة، ففي المسألة المقترحة (البطاقات)، يرسم بعض التلاميذ الأشكال الهندسية، ويقومون بالعد، في حين يقوم البعض بالجمع، بينما يقوم البعض الآخر بإدماج جميع العمليات التي اكتسبوها.
تثمين مجهودات وتصرفات التلاميذ، عبر اتخاذهم مبادرات (محاولات، تلمسات)، وعبر روح النقد الذاتي (مراقبة، تحليل الأخطاء،...)، والتنظيم، والمنهجية (تقليص هامش الصدفة والاعتباطية وعدد الحالات المتوقع مواجهتها)، والتواصل (شفويا في الزمرة وداخل القسم، وكتابيا لعرض المنتوج).
تنمية قدرات التعليل عند التلميذ من خلال فترات التبادل والحوار. ولهذا فالأستاذ يدير الحوار بحيث تكون المصادقة على النتيجة مبنية على حجج وبراهين دامغة.
هذا النوع من المسائل ينمي أيضا التربية على المواطنة عند التلاميذ، فمراحل البحث تكون مثمرة أكثر كلما تم البحث داخل مجموعة صغيرة. وجميع الأفكار لها أهميتها ولو كانت خاطئة، فهي تغذي أفكار الآخرين وتتغذى بها، ثم إن العمل في الزمرة يمكن من تطوير القدرة على الإنصات، واعتبار الآخرين. وكل هذا بطبيعة الحال يجب ألا ينسي الأستاذ أهمية العمل الفردي للتلاميذ، إذ إنه يمكن من تعرف التعثرات عند كل تلميذ على حدة، وبالتالي تصفية تلك الصعوبات بما يلزم من الدقة والخصوصية.
ب) الأهداف الخاصة:
بالإضافة إلى الأهداف العامة التي تم التنصيص عليها سابقا، يمكن إدراج أهداف خاصة بالوضعية الديداكتيكية المقترحة كما يلي:
• تعويد كل تلميذ على الاشتغال فرديا، بالقيام بالمحاولات الأولية لإيجاد سبل للحل، معتمدا على الذات،
• جعل كل تلميذ يؤكد ذاته في مجموعات صغيرة وفي جماعة القسم، بعرض رأيه والدفاع عن أفكاره، بواسطة التبريرات المنطقية اللازمة،
• الدفع بالتلاميذ إلى الاشتغال في مجموعات صغيرة، وبنكران الذات، مع الاعتراف بالآخر، عن طريق تبادل الأفكار والمحاولات،
• تعويد التلاميذ على تسجيل النتائج وتداولها، وعرضها للنقاش وللانتقادات، واعتبارها نتائج أو حلول مرحلية، تحتاج إلى المصادقة والتأكيد من طرف الآخرين،
• تعويد التلاميذ على التحقق من مدى صحة النتائج المتوصل إليها، عن طريق المقارنة والتمحيص والاستدلال والنقد البناء والحجة والبرهان، ...
• الدفع بالتلاميذ إلى الثقة بالنفس، والتعبير بكل حرية، ومواجهة الخطإ بما يلزم من التقبل وإعادة النظر في أساليب التفكير ووسائل العمل، ...
• حث التلاميذ على التعاون المثمر، ومساعدة الأقران بما يليق من الاحترام والتقدير والاعتراف،...
• شد أذهان التلاميذ، واستقطاب انتباههم، بواسطة مناولة البطاقات التي تمثل لعبة شيقة بالنسبة لهم، ت) وظائف حل المشكلات بصفة عامة يمكن اعتبار 4 أنواع من المسائل ترتبط بأهداف تعلمية مختلفة:
مسائل يتطلب حلها بناء معارف جديدة
مسائل تقدم لاستثمار معارف مقدمة سابقا، والتدرب عليها
مسائل أكثر تركيبا من السابقة، ويتطلب حلها تعبئة عدة أنواع من المعارف
مسائل تتمحور حول تطوير قدرات معينة، وعموما لا يعرف التلاميذ الحلول العالمة لها.
في الحالات الثلاثة الأولى نتحدث عن المسائل للتعلم (problèmes pour apprendre)، في حين نتكلم عن المسألة المنهجية أو المسألة لأجل البحث(problèmes pour chercher) بالنسبة للحالة الأخيرة. مع العلم أنه في أغلب الحالات، يقوم التلميذ بحشد معارفه من أجل البحث عن حلول ممكنة.
ث) مميزات الوضعية المسألة:
يمكن استقاء الوضعيات التي تقوم عليها هذه المسائل من القسم، من الحياة العامة، من ألعاب، من مجالات معرفية أخرى، أو أنها يمكن أن تنبني على موضوعات رياضياتية. وتقديمها يتم بأشكال متنوعة: تجارب ملموسة، وصف شفهي، سند مكتوب، مبيانات،... وتجدر الإشارة إلى أن المسألة لا تصاغ بالضرورة على شكل نص كتابي، تعقبه أسئلة، كما قد يتصوره البعض. فالقراءة قد تشكل (بالنسبة لبعض التلاميذ) عائقا يحول دون فهمهم للمسألة. فما يهم ليس هو القراءة، وإنما هو حل المسألة، إذ إن هذه الأخيرة يمكن أن تتعلق بصنع شيء ما (رسوم، مجسمات، تركيبات،...) مع تحديد بعض المهام والإكراهات، كما يمكن أن نقدم الوضعية شفويا، أو بواسطة ميمات.
والمسألة الديدكتيكية يمكن أن تتموقع في مجال الأعداد والعد، أو في الهندسة، أو في المنطق، أو القياس، أو في مواضيع متعددة. ويجب أن تكون المسألة مركبة، أي أن حلها يجب ألا يكون مباشرا، فالحل العالم للوضعية المقترحة (اللعب بالبطاقات) هو حل معادلة بمجهولين من الدرجة الأولى (وهو حل لا يتعرف عليه التلميذ إلا في نهاية التعليم الثانوي الإعدادي)؛ وبالتالي فهي تشكل تحديا يطرح أمام التلاميذ، مما يجعل المسألة مشوقة وتثير اهتمامهم. ومن هنا يتضح الدور الذي يجب أن يلعبه الأستاذ فيما يتعلق بكيفية تقديم المسألة وبطريقة تصوير المشهد، حتى يضمن انخراط التلاميذ في رفع التحدي. وهذا الاشتراك من طرف المتعلمين يصبح سهلا أكثر لأنهم اقتنعوا بأن للمسألة حلا، بما أنهم عايشوا ولاحظوا المسألة تبنى وتركب وتصنع أمامهم ومعهم، كما هو الحال في لعبة البطاقات المقدمة. الشيء الذي يجعلهم يتمثلون الوضعية بشكل جيد. والمصادقة على الحل يجب أن تكون – ما أمكن - بين التلاميذ، حتى يقتنعوا هم بأنفسهم بمدى نجاعة (أو عدم نجاعة) الجواب الذي توصلوا إليه، بواسطة تبادل الآراء والبراهين، لتأكيد أو دحض مقولة ما، باللجوء إلى تتبع ومراقبة الأعمال طوال مدة الإنتاج، وكذلك بواسطة التحقق، في النهاية، من صحة الحلول، مقارنة مع معطيات الوضعية.
ج) كيفية تقديم حصة تعلمية لحل وضعية مسألة منهجية
يمكن اعتماد عدة مراحل لتقديم حصة ل"مسألة منهجية":
٭تقديم المشكل: يمكن تقديم المسألة شفويا (باعتماد نص مكتوب) أو كتابيا (نص كتابي، أو جداول، ...) باستخدام وسائل ديدكتيكية تساعد التلاميذ على تمثل المسألة، وتمكن من التحقق المباشر من الحل المتوصل إليه. ومن الضروري التأكد من فهم التلاميذ للمطلوب، كي ينخرطوا في رفع التحدي الموضوع أمامهم.
٭زمن البحث الفردي وفي زمر: من الأفيد أن يواجه، في البداية، كل تلميذ بمفرده الوضعية المسألة لمدة قصيرة نسبيا؛ وهذه المرحلة تشكل نواة الاشتغال في الزمرة، لاقتراح الحل (الخطة والجواب) الموحد فيما بعد. والمبادلات داخل المجموعة أساسية في هذه المرحلة، والمقترحات المقدمة من طرف البعض تسهم في إغناء مقترحات الغير. ويجب أن يحس كل فرد في المجموعة بالمسؤولية عن المقترحات التي سيقدمها منسق المجموعة، الذي لا يتم تعيينه (من طرف الأستاذ) إلا في نهاية البحث في مجموعات.
٭تقاسم ومناقشة ومصادقة: يتعرف الأستاذ على أعمال كل المجموعات في نهاية الحصة؛ إذ يقدم المنسقون من التلاميذ النتائج المحصل عليها، ويتم تحديد دور المتدخلين من المنسقين عن كل مجموعة، في تراتب ينبثق عن ملاحظات الأستاذ أثناء مروره بين هذه المجموعات. بعد المناقشة والتحليل، من الأفضل أن تتم المصادقة على النتائج بواسطة التحقق من صلاحية هذه الحلول، عن طريق مراقبة المحتوى الحقيقي للعلبة من طرف المتعلمين أنفسهم. ويحرص الأستاذ على الابتعاد عن إبداء رأي مفروض، ولكنه يفرض في نفس الوقت الدقة والصرامة المطلوبتين في الصياغة والتعبير، بما يقتضيه مستوى القسم. فهو يطرح أسئلة، ويطالب البعض بالاستدلال عن أجوبتهم بالحجة والبرهان، ويطلب من الآخرين طرح أسئلة حول التصديق على مقولة ما، وهكذا ... .
٭خلاصة وتركيب: تنتهي الحصة بمبادلات بين الأستاذ وتلاميذ القسم، وبتثمين القيم الإيجابية الملاحظة، ودحض السلبيات، وترسيخ التصرفات الأساسية والأساليب الناجعة، التي يمكن إعادة استثمارها لاحقا في حصص لحل مسائل منهجية أخرى.
دور الأستاذ: أثناء حصة لحل وضعية مسألة (مشكلة) منهجية، لا يقدم الأستاذ أي مساعدة للحل، وهذا لا يعني غيابه عن النشاط؛ فهو يتابع الأعمال الفردية عن كثب، ويسجل ويلاحظ المحاولات المتعثرة والصائبة، ثم يتنقل بين المجموعات، ليلاحظ ويدون المعلومات والعناصر المهمة، وهذا سيساعده على اتخاذ بعض الإجراءات المتعلقة بتقاسم وسيطي، لتقديم ومناقشة بعض الاختيارات الأكثر أهمية، لاستثمارها جماعيا.
ويحرص في هذا الصدد على مبادرات التلميذ وتجنبه الاتكالية على غيره من تلاميذ القسم أو على الأستاذ نفسه. وهكذا يفسح هذا الأخير المجال لمناقشة قصيرة توضح من خلالها كل مجموعة المراحل التي قطعت في البحث والمحاولات الأولية لإيجاد الحل أو الحلول المؤقتة، ويحث الجميع على النقد البناء والنقد الذاتي من أجل إعطاء دفعة جديدة لأبحاثهم، في حالة تعثرها. وتجب الإشارة إلى أن تحركات الأستاذ في فضاء القسم لها أهمية قصوى بالنظر إلى نوع المبادلات التي تحدث فيه: فلتسهيل المناقشة بين التلاميذ، يحسن بالأستاذ أن يتنقل (دون إفراط في الحركة) بين المجموعات، حتى لا تتم المبادلات فقط بينه وبين تلاميذه.
الامتدادات: قد نجد من بين المجموعات من لم تنه عملها بعد. ومع ذلك، لضمان الاستمرار والتقدم في العمل، يضطر الأستاذ إلى القفز عن هذا البحث إلى المرحلة الموالية، مع اقتراح أنشطة مماثلة لحل مسألة مكافئة لهاته، في وقت لاحق، والأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي اعترضت مجموعة معينة من التلاميذ. وهكذا، فإن المجموعة المتعثرة في حل هذه المسألة، ستصبح قوية أكثر بواسطة الشروح والأساليب والخطوات التي تمت مناقشتها سابقا أثناء عرض الحلول. كما يمكن إعادة توزيع التلاميذ داخل مجموعات أخرى غير المجموعات التي تم اختيارها في المرات السابقة.
مراحل حل وضعية مسألة:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]