الرأي التربوي, في الواجهة
صحيفة الأستاذ | Educpress.com | الأحد 28 أبريل 2013
في أفق البحث عن حلول للأزمة المالية التي يعاني منها الصندوق المغربي للتقاعد، الذي بات يتهدده الإفلاس بسبب وجود اختلالات في التوازنات المالية بين المداخيل والنفقات، بما يجعله عاجزا عن الوفاء بالتزاماته خلال السنوات المقبلة نحو المنخرطين فيه، تعكف حاليا حكومة السيد بنكيران بالتشاور مع الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين على تدارس الخيارات المتاحة، من أجل تجاوز تلك الاختلالات التي تشهدها منظومة التقاعد المغربية بما يضمن ديمومتها.
وفي هذا الإطار، أثير الحديث في الآونة الأخيرة عن جملة من السيناريوهات المقترحة، التي اهتدت إليها اللجنة التقنية لإصلاح صندوق التقاعد، والتي اقترحت إرساء إصلاح شامل يروم إنشاء منظومة تقاعد من قطبين موجهين للقطاع العام والقطاع الخاص. وحسب ما أصبح رائجا بعد المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة حول إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، فإن من بين الخيارات المطروحة من لدن الحكومة الحالية في إطار الإصلاح المأمول الرفع من سن المتقاعد المغربي إلى ما بعد الستين والزيادة في نسبة اقتطاعاته الشهرية. وغير خاف أنه في حالة تبني الحكومة لخيار تمديد سن التقاعد، فإن ذلك ستكون له حتما تبعات سلبية على شغيلة بعض قطاعات الوظيفة العمومية، كما على أدائها ومردوديتها. ولنا أن نقف في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر عند قطاع التربية والتعليم لنتساءل عن حجم المعاناة التي قد تكتوي بنارها شريحة الأطر التربوية، لاسيما تلك التي تعمل داخل الفصول الدراسية بمختلف أسلاكها في حال ما إذا تم إقرار الرفع من سن إحالتها على المعاش إلى ما بعد الستين. لا ريب أن هذه الشريحة من الأطر التعليمية يكاد يحصل لديها الإجماع إن لم يكن حاصلا حول رفض تمديد سن تقاعدها، نظرا لجسامة مهمة التربية والتدريس التي تضطلع بها داخل الغرف الصفية، وهي المهمة التي بلا شك تؤطرها متاعب وتحديات جمة تستنزف طاقات الهيئة التربوية قبل أن تعانق أواسط عقدها الخامس، فكيف لها بإنجاز تلك المهمة على الوجه المأمول إذا تجاوزت عقدها السادس؟
وحري بالذكر أن شريحة واسعة من المدرسات والمدرسين قد نزل عليها خبر رغبة الحكومة في رفع سن تقاعدها كالصاعقة، خصوصا تلك التي شارفت على عقدها الخامس أو أوشكت على معانقة منتصفه، وهي التي أضحت حسب العديد من الشهادات من أكثر رواد المصحات والصيدليات، خلال السنوات الأخيرة بفعل انعكاسات ظروف عملها التي ازدادت تدهورا على أوضاعها الصحية النفسية والعضوية. ولن نعدو الحقيقة إذا قلنا إنه إذا كان تعديل سن الإحالة على المعاش بالنسبة لشغيلة التعليم سيساهم من جانب حسب صناع القرار في إخراج صندوق التقاعد من أزمته التي يتخبط فيها، فإنه في المقابل سيدخل لا محالة منظومة التربية والتكوين في نفق مظلم من الأزمات والتحديات بسبب الاختلالات المحتملة التي قد تنجم عن إسناد مهمات تربوية مرهقة لفاعلين استنزفت طاقاتهم وخفت وهج استعداداتهم وفاعلياتهم وتراجعت قدراتهم على البذل والعطاء والإبداع بعد أن بلغوا من الكبر عتيا حتى أصبح سمعهم وبصرهم أحوج ما يكون إلى ترجمان. ولا بد من التنويه في هذا الصدد بأن النشاط المهني للفاعل التربوي أصبح يتراجع تدريجيا سنة بعد أخرى في ظل ما أصبح يسم راهنا العلاقات التربوية والبيداغوجية من إكراهات عديدة وتحديات متنوعة من بينها، الاكتظاظ والأقسام المشتركة وطول المقررات الدراسية وساعات العمل، فضلا عن صعوبة إدارة الصف الدراسي وتوفير أجواء النظام والانضباط داخله، في ظل شيوع العديد من الأنماط السلوكية السلبية للمتعلمين وتنامي مشاعر القلق والتوتر والرتابة والاحتراق النفسي لدى المدرسين، بسبب ما أصبح يطال البيئة الصفية من اختلالات متنوعة وتحديات متعددة . ولنكن صرحاء مع أنفسنا ولنتساءل بموضوعية فنقول، كيف يمكن لمدرس تجاوز الستين من عمره أن يقدم منتوجا تعليميا فعالا وناجعا ويضبط النظام ويحفظه داخل غرفة صفية يؤطرها الاكتظاظ المهول ويحكمها نظام علائقي معقد وشائك ومتشابك ؟ ثم ما الفائدة التي يمكن أن يجنيها التلاميذ من مدرس هرم ومعتل قد يحمل في حقيبته من الأدوية أكثر مما يحمل من الكتب، مدرس قد يلزمه عجزه ومرضه باحتلال مكتبه داخل الصف الدراسي منذ مستهل الحصة الدراسية حتى نهايتها ؟ ومن منظور آخر يحق لنا أن نتساءل كذلك فنقول، كم سيصل عدد الرخص الطبية التي من المحتمل أن يرفعها سنويا كل مدرس تجاوز الستين من عمره إلى المصالح المختصة، علما أن العديد من الإحصائيات الطبية التي تطفو من حين لآخر على سطح بعض المنابر الإعلامية تفيد بأن العاملين بالغرف الصفية هم الأكثر عرضة للأمراض المزمنة كالضغط الدموي والسكري، الربو، أمراض القلب وغيرها ناهيك عن العلل النفسية ؟ وبالتالي كيف ستكون انعكاسات تنامي ظاهرة التغيبات المتتالية المحتملة لأولئك المدرسات والمدرسين المسنين على سيرورة تنفيذ مفردات البرامج والمناهج وعلى نسبة الهدر المدرسي في زمن أصبح الجميع يتوق فيه نحو بلوغ الجودة باعتبارها السبيل الأنجع للارتقاء بالمنظومة التعليمية وتحقيق متطلبات التنمية المنشودة؟
وبناء على ما سلف بسطه، يمكن الجزم بأن مشروع رفع سن التقاعد بالقطاع التعليمي إن تم اعتماده وتفعيل مقتضياته، فإنه لن يخدم بالطبع التوجهات الحكومية الرامية إلى إصلاح أحوال المنظومة التربوية المعتلة، بل سيزيدها تدهورا وتأزما وتقهقرا، مما سيكون له تبعات سلبية وتداعيات وخيمة على مستقبل البلاد والعباد.
رشيد بن الحاج